^ بعد أن أعرب عن ارتياحه لوضع الوحدات الإيرانية المقاتلة في جزيرة أبو موسى المحتلة، التي زارها في نهاية شهر مايو 2012، التفت القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري نحو دول الضفة الغربية من الخليج العربي، مخاطباً إياها بالقول “إننا نشد يد الصداقة والأخوة إلى الدول الإسلامية وخاصة دول جنوب الخليج الفارسي (كما جاء في النص)، ونريد منها من خلال التعاون والاتحاد والأخوة، أن نقطع يد الاستعمار العالمي عن المنطقة ونوفر أمن المياه والسواحل بأنفسنا وأن نزرع اليأس لدى الأعداء، ونعمل على تكريس العزة للإسلام”. بطبيعة الحال ليس هناك من يقف ضد دعوة مثل هذه الدعوة المنادية بتعزيز الروابط، وتوثيق العلاقات بين الدول الإسلامية المطلة على الخليج العربي، من أجل حفظ أمنه وسلامه، والدفاع عن خيراته في وجه القوى الأجنبية، والمقصود بها هنا، على وجه التحديد الولايات المتحدة. لكن جعفري، أخفق، بوعي أوربما بدون وعي، وهو أمر يؤسف له، في تلك المناشدة بفضل الأخطاء الاستراتيجية التالية: 1. خطأ المكان، فهو يخاطب العرب من على أراضٍ احتلتها القوات الإيرانية في مطلع السبعينات من القرن الماضي، أيام حكم الشاه من منطلقات عنصرية، ولم تبذل الثورة الإسلامية في طهران أية محاولات لتصحيح هذا الخطأ التاريخي، الذي أزم العلاقات بين الطرفين العربي والفارسي، منذ ذلك الحين، رغم التحولات الإيجابية، التي لا يستطيع أحد إنكارها، التي رافقت سياسة جمهورية إيران الإسلامية الخارجية تجاه الصراعات الشرق أوسطية، وفي المقدمة منها الصراع العربي – الإسرائيلي، بغض النظر عن نوايها الكامنة وراء تلك التحولات. فمن المستحيل أن تجد النداءات الإيرانية التي أطلقها جعفري، صداها الإيجابي عند الطرف العربي، طالما أنه أصر على إطلاقها من على تراب الجزر العربية المحتلة. خانت الجعفري، وهو العسكري الذي شارك في وضع خطط العديد من المعارك الكبيرة أبان الحرب العراقية الإيرانية التي إندلعت في أواخر السبعينات من القرن الماض، خبرته السياسية، فجاء الرد العربي، وهو أمر منطقي، مخالفاً لتوقعاته، ومخيباً لآماله. 2.خطأ الزمان، فهو يطلق دعوته، في وقت تتأزم فيه العلاقات العربية – الفارسية، من جراء الموقف الإعلاني، في أقل تقدير، المعادي لدول المنطقة، وفي المقدمة منها البحرين والسعودية، التي سخرت إيران محطاتها التلفازية، وفي المقدمة منها فضائية “العالم”، لنقل غير أمين للأحداث فيها. فبدون الحاجة للخوض في الأحداث الداخلية في البلدين، التي هي شأن خاص بهما، كان حري بإيران، طالما هي تريد أن تدعو لوحدة دول المنطقة في وجه “قوى الاستكبار”، كما جاء في كلمة جعفري، أن تأخذ سياسة ليست منحازة، وتكتفي، كما فعلت فضائيات أخرى، بنقل الأخبار، دون ذلك الانحياز الواضح، إن هي شاءت، جادة وصادقة في آن، أن تحقق مثل تلك الوحدة، تحت راية ذلك الهدف. 3.خطأ المدخل، فطالما أرادت إيران تكتيل دول المنطقة في وجه القوى الخارجية، كان عليها، وهي الدولة الإسلامية ان تعمل بما جاء في قوله تعالى، “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ? قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ? وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَ?كِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى? ? وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ? وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” ? البقرة 189?“. وأبواب الخليج الرسمية، حتى زيارة جعفري للجزر هي الأنظمة القائمة فيها، بغض النظر عن تقويمه لها. كان من المفترض، بعد إعادة الجزر لأصحابها الأصليين، أن تكون هناك زيارة رسمية، أو دعوة لقمة خليجية، تناقش، ومن منطلقات استراتيجية، تقوم على الاحترام المتبادل بين دول ضفتي الخليج العربي، العربية والفارسية، دون التفريط في حق أي منها، وفي مقدمة تلك الحقوق، ملكية الجزر العربية لدولة الإمارات العربية المتحدة. 4. خطأ المحتوى، فطالما أصر جعفري، كما جاء في كلمته التي خاطب بها القوات الإيرانية المحتلة، حين طالب الجميع بالتنسيق من أجل قطع “يد الاستکبار العالمي عن المنطقة ونوفر أمن المياه والسواحل بأنفسنا وأن نزرع اليأس لدى الأعداء، ونعمل على تکريس العزة للإسلام”، أن يكون محتواه منسجماً مع اهدافها. فعزة الإسلام لا يمكن ان تقوم إلا على الحق، وليس على أسس باطلة منافية لتاريخ المنطقة وحقوق شعبها. ولا بد للسيد جعفري هنا أن يدرك أن ما قام على باطل فهو باطل، إذ كيف لدولة محتلة أراضيها أن تنسج تحالف إستراتيجي مع أخرى تمارس ذلك الاحتلال، وتصر على استمراره، من أجل تكريس أوضاع تدحضها كتب التاريخ، وينهى عنها الإسلام. في شرح معاصر مطول لهذه الآية الكريمة (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) يطالب عمر بن عبد الله المقبل من يريد أن يخاطب الناس كي يحقق حديثه مساعيه، أن يسترشد بما تحثه تلك الآية الكريمة عليه، فيسلك “الطريقة المناسبة في الحديث، فيعرف الموضوع المناسب الذي يحسن طرقُه، والوقت الملائم، ويعرف طبيعة الشخص أو الناس الذين يتحدث إليهم، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل مجال جدالاً، ولكل حادثة مقاماً”. على هذا فإذا أراد الإنسان أن يخاطب جهة، دولة تلك الجهة كانت أم شخصاً، فالأولى بها أن يدخل البيوت من أبوابها الصحيحة، كما يقول قيس بن الخطيم، ويورده العسكري في “جمهرة الأمثال”، بيتاً جاء فيه: إذا ما أتيت العزّ من غير بابه *** ضللتَ، وإن تقصد من الباب تهتد. لم يكن القصد هنا تبسيط الأمور، فليس هناك من بوسعه إنكار تعقيدات هذه القضية، لكنه أيضاً، ليس هناك أفضل من اكتشاف الخطأ، حتى في مراحل متأخرة، وأفضل من الاكتشاف هو الاعتراف به، ولا يتجاوز الإثنين في الفضيلة، إلا محاولة تصحيح ذلك الخطأ، ونزع فتيل الاستمرار فيه. بطبيعة الحال، وطالما نحن نتحدث عن طرفي صراع، فمن المفترض أيضاً، في حال اعتراف طهران بخطأ استمرارها في احتلال الجزر العربية، وإقدامها على تصحيح ذلك الخطأ، أن تجد موقفاً إيجابيا ًمن دول مجلس التعاون، دون إي استثناء. فالمطلوب هنا أن نقابل النوايا الحسنة بما هو أفضل منها، من أجل وضع حد للنزاعات غير المبررة في هذه المنطقة الاستراتيجية لكل دول العالم، وليس دولها فحسب. ومن المعروف، أنه ليس هناك، وهو أمر لا يجهله خبير استراتيجي من مستوى جعفري، تربة خصبة لتشجيع دخول الدول المستكبرة في قضايا الدول الصغيرة الأخرى، من نشوب النزاعات بين تلك الصغيرة، التي تشجع الكبيرة على دخول البيوت من أماكن غير أبوابها. وطالما حرمنا على تلك القوى على الدخول من غير الأبواب، فحري بدول المنطقة المجاورة لبعضها البعض، أن تبني العلاقات الطبيعية بينها، بدخول طبيعي يطرق الأبواب، وكي يدخل البيت مرحباً (بفتح الحاء) به، ولا يتسلل إليه، فيثير أهل البيت، ويزرع الشقاقات بين الجيران بدلاً من نشر المحبة في أجواء تلك الجيرة. ويعرف جعفري أن “ يد الصداقة والأخوة “ لا يمكن أن تمتد بين طرف محتل، وآخر احتلت أراضيه