^?  فتح سباق عرش الفرعون (الانتخابات المصرية) ملفاً جديداً لحراك الإسلام السياسي، فقد أعطى المجال واسعاً لتنظيم مثل جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية لتمارس العمل السياسي وتصل إلى السلطة، واليوم ها هم المصريون يضربون أخماساً في أسداس حيث يحول بعضهم دون وصول مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة، تماماً كما يحاول البعض الآخر منع مرشح النظام السابق من الوصول للرئاسة أيضاً. وفي الحالة المصرية الراهنة، فإنه من المفهوم أن يضج المصريون ضد وصول الفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة في الانتخابات المصرية، فالرجل محسوب على النظام السابق الذي ثار الشعب ضده، والرجل ينطبق عليه قانون العزل السياسي الذي يمنع رموز النظام السابق من تولي مناصب الدولة العليا لمدة لا تقل عن عشر سنوات، والذي أقره مجلس الشعب ولكنه فلت منه بقدرة قادر يدير الدولة في الخفاء، حسب وصف بعض المصريين، ولكن المفاجأة أن رفض المصريين للفريق شفيق لا يقل شراسة وضراوة عن رفض ترشح الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، ومساواة خطر وصول الإخوان المسلمين للسلطة في مصر بخطر استعادة (الفلول) للحكم !! يضع المحللون السياسيون المصريون الكثير من الانتقادات على الإخوان المسلمين ممثَلين في حزبهم السياسي الحرية والعدالة، أهمها عمليات الاستحواذ المتعددة التي مارسوها والتي بموجبها سيطبقون على كل مفاصل الدولة تماماً كما كان يفعل الحزب الوطني المنحل، والتي كان أخطرها محاولة الاستحواذ على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، وتراجعهم عن عهودهم بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، ويؤخذ عليهم الخطاب الديني المتشدد والإقصائي الذي رافق حملات الترشح البرلمانية والرئاسية الأمر الذي أدى إلى انخفاض نسبة التصويت لهم إلى النصف تقريباً في انتخابات الرئاسة عن الانتخابات البرلمانية واندفاع فئات مجتمعية عديدة كالمسيحيين والفنانين واللبراليين ورجال الأعمال لترشيح أحمد شفيق، فضلاً عن الأداء الضعيف في مجلس الشعب الذي لم ينسجم مع مطالب الثورة والمشاريع التي تحتاج إليها مصر تنموياً وسياسياً. الملفات التي فتحها حراك تيار الإسلام السياسي في مصر وخصوصاً جماعة الإخوان المسملين، ملفات تشير إلى أن ثمة جملة من المشكلات على جمعيات وأحزاب التيار السياسي الإسلامي التنبه لها وحلها، المشكلة الأولى هي فك الارتباط بين (المقدس) وبين حراك الأحزاب السياسية الإسلامية فالنصوص الدينية هي وحدها المقدسة، أما الجماعات والأحزاب الإسلامية السياسية فهي كغيرها من التيارات السياسية ليست مقدسة بل تخطئ وتصيب، والاختلاف معها ليس اختلافاً مع الدين، وانتقادهم ليس تمرداً على القيم الدينية؛ لأن سلوكهم السياسي يصدر عن اجتهادات ذاتية ولا يصدر عن الدين في ذاته، أما القول بغير ذلك فإنه يسيء إلى الدين ويورطه ويحمله ما لا يحتمل من أخطاء البشر واجتهاداتهم. بالتالي فمن غير المبرر أن يكون معيار الترويج السياسي لأفراد هذا التيار هو صلاح الدين والاستقامة والتربية في المساجد فقط، فهذا المعيار لا يعني أن غيرهم يفتقده، وهو ليس كافياً لإثبات كفاءة الفرد في أي نشاط جماهيري مثل العمل السياسي والحقوقي..وغيره، ثم إن هذا المعيار لو سلمنا بأهميته لا يعطي مؤشراً لكيفية قياس القيم التي هي جوهر صلاح الدين والاستقامة، فالقيم المتمثلة في مصداقية القول، والترفع عن استخدام المحسوبية، والإيمان بالعدالة والمساواة، والأمانة في إدارة المال العام، والتجاوز عن المصالح الشخصية والفئوية وخدمة المصالح العامة هي التي تقاس في العمل السياسي عند كل التيارات، وكلها يتوجب توافرها في المتصدي للشأن العام بمعزل عن الانتماء الأيديولوجي أو الحزبي. ويترتب على المشكلة السابقة جملة من المشكلات الجزئية، فأغلب الأحزاب والجمعيات السياسية الإسلامية، بدأت نشاطاتها في العمل الدعوي والخيري وتمتلك مؤسسات خيرية ودعوية، ولها نفوذها وآخرين يمثلوها في بعض المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، ثم تحولت للعمل السياسي وأسست تنظيماتها السياسية المستقلة قانونياً عن المؤسسات الخيرية والدعوية، والمنتمية لها بحكم التاريخ والعلاقات والأيديولوجيات، فأصبحت تمتلك جناحين سياسي وخيري، وهذه إمكانات تفتقدها باقي الأحزاب والجمعيات الأخرى، وهذا السبب الحقيقي في امتلاك تيار الإسلام السياسي قاعدة شعبية واسعة، وهو سبب إثارة جدل دائم حول علاقة المعونات والخدمات الخيرية التي تقدمها الأجنحة الخيرية بالدعاية للأجنحة السياسية، وعن مصدر التمويل الضخم للحملات الدعائية للأجنحة السياسية، وعن اعتبار المؤسسات الخيرية والمساجد مراكز دعاية دائمة لجماعات تيار الإسلام السياسي!! المشكلة الثانية والحرجة هي قضية المرجعية السياسية والدينية، هذه القضية كانت قد أثيرت مع بروز الشيخ أسامة بن لادن زعيماً ومرجعاً للتيار السلفي الجهادي الذي أوشك أن يتعاظم نفوذه لولا الحرب القوية التي شنت ضده ولولا حالة الحصار التي واجهها بن لادن ثم مقتله وعجْز الظواهري عن شغل موقع كاريزما الملياردير والخطيب المفوه بن لادن، صحيح أن القاعدة تحولت إلى فكر عابر للجغرافيا عبر خطب بن لادن المسجلة وأدبياته، لكن الموضوع تم احتواؤه سريعاً لأنه لم يكن يحمل مقومات النجاح التنظيمي، وبرزت مشكلة المرجعية الآن مع الحراك السياسي الإسلامي الشيعي في لبنان والعراق والخليج وما ترتب عنه من اصطفاف طائفي في هذه الدول، وتعود القضية مرة ثالثة مع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى أعتاب قصر الرئاسة في مصر، فما يقال عن ولاء (الإخواني) للمرشد الأعلى للإخوان المسلمين وقسمه على المصحف بالسمع والطاعة له، أصبحت تهديداً لأركان للدولة المدنية المصرية المنتظرة، وهذا يعود إلى تداخل الأجنحة السياسية والدعوية والمدنية التي تدين كلها بالولاء للمرشد، وهذه المشكلة أصبحت تفرض نفسها خارج مصر أيضاً، فالعديد من التنظيمات التابعة لفكر الإخوان المسلمين في سوريا والأردن واليمن تطالب بتداول السلطة وتسعى للوصول إلى الحكم، هنا ستثار قضية الولاء إذا حكم أي دولة عربية من الدول السابقة أحد أعضاء الإخوان المسلمين، إذ سيُسأل عن علاقته (تنظيمياً) بالمرشد في مصر!! ثمة وقائع تشير إلى أن الإخوان المسلمين يتصرفون كتنظيم عالمي، رغم نفيهم ذلك، فحين سحبت دولة الإمارات العربية المتحدة الجنسية من بعض الناشطين الحقوقيين لتهم تتعلق بأمن الإمارات تداعى الإخوان المسلمون، وبعض رموزهم المهمة، من معظم الدول العربية ودخلوا في شد وجذب مع الحكومة الإماراتية في قضية داخلية وبأسلوب غير مفهوم، إن بنية تنظيم الإخوان المسلمين وما يقال عن تغذية هذه البنية التنظيمية بروابط (النسب) بين الأعضاء أصبحت تثير ريبة يحتاج قادة التنظيم للتوقف عندها من أجل توسعة عمل التنظيم ورفع قدرته على استقطاب الآخرين وتقبل مشاركتهم. المشكلة الثالثة مشكلة تشترك فيها الأحزاب السياسية الإسلامية مع غيرها من الأحزاب وهي الافتقاد إلى برنامج العمل السياسي، ولكن قد يكون ارتكاز الأحزاب الإسلامية على ما تتصوره (شرعية دينية) لها، سبباً في التخاذل دون بناء برامج سياسية متماسكة وشاملة تحفظ حقوق جميع المواطنين وتلبي احتياجاتهم، لذلك، فغالباً، ما نجد أن أدبيات الأحزاب الإسلامية وبرامجها تتجه نحو الإنشائية الأمر الذي يترتب عليه أن تتوجه حملاتهم الانتخابية إلى الدعاية الدينية، كما إن الناخبين العرب عامة مازالوا يجهلون قيمة البرنامج الانتخابي وكيفية مشاركة المواطن في صياغته وفي متابعته، والأهم.. في تقييمه والحكم عليه، إن الحكم على أداء الأحزاب السياسية وتطوير أدائها إنما ينبثق من متانة برامجها ونجاحها في تحقيق أهداف الحزب وأهداف المجتمع. وكي نكون منصفين فإن تجربة الإخوان المسلمين في تونس ممثلة في حزب النهضة الذي تمكن بجدارة لحد الآن من تجاوز الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة في مصر، على الرغم من أسبقية تجربة تونس، تجربة تستحق المتابعة والاستفادة منها، فحزب النهضة التونسي اعتمد على متانة برنامجه السياسي وتماسكه وشموله كافة قطاعات الدولة وخدمته لكافة الشرائح، ولم ترصد تجاهه مخالفات استغلال الدعاية الدينية أثناء الحملات الانتخابية، ثم إن الحزب اعتمد في تشكيلة المرشحين النيابيين على معيار الكفاءة لذلك ضمت التشكيلة مرشحين غير إسلاميين ومن بينهم سيدات غير متحجبات!!. أضف إلى ذلك أن البرلمان ذا الأغلبية الإسلامية من حزب النهضة أوكل مهمة صياغة الدستور التونسي إلى لجنة تأسيسية من فقهاء القانون الدستوري من أساتذة الجامعات والقضاة وشخصيات من المجتمع المدني من خارج البرلمان نفسه، وبعد أن تولى حمادي الجبالي عضو حزب النهضة رئاسة وزراء تونس، فإن الحزب رشح المنصف المرزوقي ذو التاريخ (الماركسي) رئيساً للدولة عرفاناً بكفاحه وبكفاءته في إدارة شؤون الدولة، إنها التجربة الإسلامية الحداثية في تونس التي تتجاوز الأيديولوجيا إلى العمل السياسي المنفتح والمشتَرك ضمن الضوابط الأخلاقية والقيم الإنسانية التي كثيراً ما يبشر بها د. راشد الغنوشي في لقاءاته ومحاضراتها وأنها روح الإسلام وجوهره وليست ملفوظ تعاليمه. إننا ننظر إلى الأحزاب الإسلامية السياسية باعتبارها تمثل خصوصية من خصوصيات هوية الأمة، لذلك نطالبها بأن تطور بنيتها التنظيمية وبرامجها السياسية، توسع من قاعدة استيعاب الآخرين وتقبلهم والحفاظ على مصالحهم، وخصوصاً مصالح الأقليات، حيث أصبح وضعهم باعتبارهم مواطنين متساوي الحقوق قضية مقلقة في الظرف التاريخي الراهن، كما إن تطوير الأداء السياسي للأحزاب الإسلامية سيعد إنجازاً ثقافياً إسلامياً هاماً يصب في الإنجاز الحضاري الإنساني، تماماً كما ساهم تطوير الاقتصاد الإسلامي في خدمة الاقتصاد العالمي وأثبت كفاءته وقوته وتميزه