تحقيق ـ حسين التتان:

طلبتْ زوجته أن يطلِّقها لأنها لم تتحمل العيش معه في حجرة ضيقة، فطلقها على مضض، ولأنها يريد مواصلة مشوار حياته تزوج امرأة ثانية، لكنها بعد مدة وجيزة من زواجها، ضاقت ذرعاً بصغر غرفتها الوحيدة في بيت والد زوجها، فطلبت هي الأخرى الطلاق، فلم يملك إبراهيم إلا أن يطلقها. قبل ستة أشهر تزوج الثالثة، وها هو ينتظر في حال لم يحصل على وحدة سكنية من الدولة أن تقوم الأخيرة بطلب الطلاق كالسابقتين.

إبراهيم جاسم 41 عاماً، قدم الأعذار كلها لزوجتيه حين طلبتا منه أن يطلقهما، وقال لنا بأنه ينتظر طلب الثالثة للطلاق، لكنه لا يملك الحل.

قصة المواطن المحرقي إبراهيم جاسم وجدناها جديرة بأن نستهل بها هذا الموضوع فالطلب الذي قدمه للحصول على سكن عمره عشر سنوات، أي من العام 2002، وعلى الرغم من أن هناك من طلبه أقدم من طلب إبراهيم، إلا أن إبراهيم يعيش ظروفاً أسوأ ظروف الآخرين.

حكاية مؤلمة

ودعت إبراهيم واستقبلت أزقة المحرق الفقيرة إلى الخدمات، وخلال تجوالي فيها تذكرت القدس الشريف، في أغنية زهرة المدائن، فهناك أمر مشترك بينهما، هو خلوهما من أهلهما.

كل شيء يصدمك في المحرق، فالأرقام وحدها تشي بالكثير من الخوف، فبمسح ميداني بالتعاون مع وزارة الداخلية، ثبت أن هناك 8 آلاف عامل آسيوي، مقابل 40 عائلة بحرينية في المجمع 211 وحده، وهذا هو العبث الصريح بهوية المحرق وعروبتها، والدائرة الخامسة تحديداً.

حين ركبت سيارة العضو البلدي المتواضعة جداً، والمليئة برسائل المواطنين وشكاواهم وطلباتهم، عرفتُ حجم معاناة أهالي هذه الدائرة. وأصيب غازي المرباطي بالحيرة من أين يبدأ في سرد هموم أهل خامسة المحرق، فكلما سرنا توقف جانبا ليحدثني عن قضية أو همٍّ كبير.

تتكون الدائرة الخامسة من خمسة مجمعات، ويصل تعداد سكانها إلى نحو 7 إلى 8 آلاف نسمة، ولو تم حصر مشكلاتها لكانت أكثر من عدد سكانها!

يؤمن المرباطي أن المشكلة الرئيسة في المحرق هي البنية التحتية الرديئة والقديمة والتي يعود عمرها إلى عشرات السنين، أي مع اكتشاف النفط في البحرين. أما المشكلة الأخرى فهي في الكثافة السكانية التي تفوق طاقة الدائرة الخامسة ومساحتها.

والمشكلة الثالثة هي وجود آلاف من العمالة الأجنبية التي تهدد النسيج الاجتماعي لعاصمة البحرين القديمة.

يرى الكثيرون أن ما يغري الأجانب والعمالة الرخيصة تحديداً للبقاء في خامسة المحرق، هو أن غالبية منازلها (80%) قديمة للغاية، وهي بيئة خصبة لتكاثر هذه الشريحة وتكدسها في الدائرة منزوعة الهوية، لأن إيجاراتها رخيصة إذا ما قُورنت بالمباني الجديدة، ويكفي أن 90% من بيوت مجمع 211 قديمة ومكتظة بالسكان، وهي مؤشر على أنها ذات كثافة سكانية لكن من الأجانب وليس من أهل المحرق، وهي الدائرة الوحيدة في البحرين التي لا توجد فيها حديقة واحدة، ولا ساحة شعبية أيضا، باستثناء الساحل الذي بدأ بعض المواطنين يتسللون إليه خلسة لبناء (كبائن) خشبية لتجمعاتهم بصفة عشوائية، ومن هنا كان لزاماً على البلدية تنظيم هذه الكبائن.

حين نتحدث عن المحرق يجب، في المقابل، أن نتحدث عن مشكلة رئيسة، وهي شح مواقف السيارات في خامسة المحرق تحديداً، فيكفيكم أن هناك ثلاث من المجمعات (211-213-214) لا توجد فيها مواقف رسمية للسيارات، باستثناء ساحة أو ساحتين فقط، لا يتسع حجمهما لأعداد كبيرة من السيارات.

سنعود للحديث عن مواقف السيارات لاحقاً، لأننا وصلنا في جولتنا مع المرباطي إلى (فرضة) المحرق، فلنستطلع أمرها ونتعرف على همومها. يقول المرباطي: يعرف الجميع أن فرضة المحرق تنقسم إلى قسمين: قسم يخص الصيادين وهو المرفأ الخاص بالقوارب والبوانيش، وقسم آخر يخص الجمارك، لكن في الآونة الأخيرة هجرت الجمارك القسم الخاص بها في المرفأ، واليوم تستخدم خفر السواحل جزءاً صغيراً منه لإصلاح بعض قواربها، نحن طالبنا بضم القسم الخاص بالجمارك بعد أن أصبح مهجوراً إلى قسم الصيادين، لأجل التوسعة والتمدد، لأن القسم الحالي والخاص بالصيادين لا يستوعب الأعداد الهائلة منهم، خصوصاً إذا ما عرفنا أن غالبية أهل المحرق هم من الصيادين المحترفين والهواة أيضا.

ويطالب المرباطي الجهات المسؤولة بضم القسم الخاص بالجمارك إلى قسم الصيادين، لكنه لم يتلق أي رد منهم، لا سلباً ولا إيجاباً، والغرض من هذا الأمر كله، هو توسعة المجال للصيادين والهواة، وتنظيم وجود الكبائن العشوائية التي تعرضنا إليها قبل قليل.

قبل أن نعود إلى الحديث عن مواقف السيارات ومشكلاتها، مررنا بمجمع 216 فتوقف المرباطي فجأة، وقال: حين زار سمو رئيس الوزراء المحرق، أطلق يده البيضاء إيذاناً بالبدء في بناء 60 منزلاً آيلاً للسقوط، بطريقة وحدات سكنية حديثة، وفي إطار مفهوم التنمية الحضرية، إلى أن تم الانتهاء من هذا المشروع المتطور جداً، وصحح بناء هذه البيوت، بالطريقة التي أمر بها سموه، الكثير من المفاهيم المتعلقة بالتنمية الحضرية، من خلال إنشاء البنية التحتية لتلك المنازل بصفة متطورة، ومع ذلك فهذا لا يعفينا من القول إن مجمع 216 مازال يحتاج إلى الكثير من المشاريع التطويرية، كما يحتاج لإنشاء حدائق عامة وساحات شعبية للمواطنين.

هَرِمْنَا

في الحقيقة لم أجد في أزقة خامسة المحرق مواقف للسيارات، فهي تعاني من شح مخيف في المواقف، ومن جهته رفع البلدي إلى الحكومة أكثر من خطاب مشفوعاً بمسح علمي شامل بالتعاون مع جهات رسمية، يطالب فيه باستملاك الأراضي أو العقارات القديمة، إلا أن طلب الاستملاك مازال راكداً، والعذر الذي تقدمه البلدية، هو العذر الذي مللنا سماعه كل مرة، إنها (الميزانية).

المرباطي يؤكد للمسؤولين أنه في حال رفضت البلدية استملاك الأراضي لأجل عيون الأهالي وإنشاء مواقف للسيارات عليها، فإن سعر العقار اليوم في ارتفاع ملحوظ، وحينها سيكون من المستحيل استملاك أي أرض للمستقبل، ولا عذر للجهات المختصة حين تتقاعس عن الاستملاك، خصوصاً وأن هناك توجيهات مباشرة من سمو رئيس الوزراء بضرورة الاستملاك، فهل هناك عذر لهم بعد توجيهات سموه؟

وقفت في الساحة التي يتقابل فيها المسجد ومجلس بن علي مع صالة وقاعة حالة بوماهر، هي في الحقيقة مواقف لسيارات الأهالي، لكنها ممتلئة بالشاحنات وسيارات العمالة الآسيويين، بل أن المستفيد الأول من هذا الموقف الكبير، وهم روَّاد المسجد والمجلس والصالة، لا يستفيدون في الواقع أي شيء من هذه المواقف، لأنها محجوزة للعمالة فقط.

يقول المرباطي أن هناك توجيهات مباشرة من سمو رئيس الوزراء بالاهتمام بهذه المواقف تحديداً لأجل تنظيمها وتخطيطها للاستفادة منها قدر الإمكان لاحتياجات المواطنين منذ العام 2009، لكن الأخوة في البلدية غير مكترثين لهذا الأمر!

هناك ما يميز خامسة المحرق، وهي أنها تضم بين دفتيها جميع الأجناس والطوائف والأعراق منذ القدم، فهي فسيفساء البحرين الأولى، وهناك عائلات مختلطة بالنسب والدم والمصاهرة، وهي العنوان الحقيقي للوحدة المجتمعية، وهذا ما لمسناه، وما أكده المرباطي.

لماذا لا تهتم الدولة بخامسة المحرق؟ بل ما هو عذرها في عدم المحافظة على هويتها وتراثها الأصيل.. حالة بوماهر، هي في الحقيقة عاصمة للثقافة ومركز رئيس غير معلن للدولة، وهي ولَّادة للكبار كذلك. في اعتقادنا الشخصي، تظل الحالة من أبرز معالم البحرين التاريخية، حيث تضم أعظم الأماكن التراثية، وأن هناك الكثير من العائلات البحرينية الأصيلة خرجت من رحم حالة بوماهر، كما أنها معلم من معالم نهضتها الحديثة. تحتوي الحالة على مبنى المحافظة ومديرية أمن المحرق، كما تضم أعظم وأقدم سوق في الوطن العربي وهي سوق القيصرية، كما يوجد فيها مبنى البريد الرئيس لمحافظة المحرق، وتحتوي على مركز المواصلات الرئيس كذلك، فهل هناك حجة أبلغ من وجود جميع هذه المعالم الحديثة للدولة على أراضيها في لكي تنال نصيب الأسد من الاهتمام؟ هرم أهل المحرق وهم يطالبون بمواقف للسيارات وحدائق فقط، فهل تستكثر الدولة هذا الأمر على المواطنين؟

حين وقفنا قبالة الساحة التي تحولت مواقف للشاحنات، لفتت نظري أرض مسورة بسور حديث، وكأنها مستعدة لولادة مشروع جديد. سألت المرباطي عنها فأجاب: هنا سيُنفذ مشروع كبير لوزارة الصحة، وهو مركز صحي نموذجي، ليس كبقية المراكز الأخرى، بل هو مميز في حجمه وأدواته وفروعه وتخصصاته، فهو أقرب إلى المستشفى منه إلى المركز الصحي، وسينتهي بناؤه في العام 2014.

المرفأ لوحده قضية!

يستحسن ونحن نمرّ على المرفأ البحري أن نقتحم (بسطات الصيادين) للقبض على همومهم.. هكذا أخبرت المرباطي حين وصلنا إلى فرضة المحرق، تلك التي تحدثنا عن همومها في الأسطر الفائتة.

في اعتقادنا الشخصي، حين خصص جلالة الملك مبلغ 2 مليون دينار ونصف المليون، لتطوير فرضة المحرق كي يستفيد منها الصيادون، فإن القائمين على المشروع، لم يطوروا الفرضة حسب الرؤية الملكية، فهناك الكثير من الملاحظات على المشروع، وأن الهيئة العامة لإدارة الثروة السمكية، لم تستغل المرفأ على الرغم من مساحته الكبيرة استغلالاً حسناً، فالمشكلات، كما سنعرضها، تفيض حزناً، وكان الأجدر أن تكون فرضة المحرق بعد دعم جلالة الملك أكثر مرافئ البحرين، بل والخليج العربي، جمالاً وسعة وحضوراً... لا تستعجلوا فالحديث مازال متواصلاً عن هذا المرفأ.

حين دخلنا الفرضة وجدنا مجموعة من الشباب يشربون الشاي في زاوية تظللهم من الشمس الحارقة، فقلت للمرباطي: قف هنا، علنا نستمع إلى بعض هموم أهل هذا المكان.

المرفأ في خطر

«لا تملك إدارة الثروة السمكية الأهلية وليست لديها دراية علمية أو واقعية عن كيفية إدارة الموانئ والصيد كذلك، فهذا المرفأ لا يتناسب وطبيعة السفن التي ترسو على جانبيه”.

هكذا يرى الصياد محمد أحمد عبدالرحمن شريف، الذي جلسنا وشربنا الشاي معه ومع الصيادين الذين كانوا يجلسون معه.

وهو يقدم لنا قدح الشاي، أضاف شريف: إن خدمات الكهرباء سيئة للغاية في المرفأ، والمخازن الخاصة بالصيادين هنا، لا تتعدى مساحة كل واحد منها المترين فقط، وحين نتحدث عن المراسي الخاصة بالطراريد فإنها صغيرة وغير متناسبة وأعداد الصيادين.

ويؤكد شريف أن إدارة الثروة السمكية تعطي بعض الصيادين رخصاً للحصول على مراسٍ لأكثر من 8 طراريد، بينما بعض الصيادين يطالب إدارة الثروة بمرسى واحد، لكنهم يرفضون طلبه في كل مرة.

يدخل سلمان سعد الشماسي على الخط، فيشارك شريف الرأي والحديث: ماذا عن أصحاب القوارب الرياضية؟ ماذا يفعلون بقواربها التي يشترونها بمبالغ كبيرة لممارسة هواياتهم البحرية، لكنهم يصطدمون بأن الثروة لا تعطيهم رخصاً لإرساء قواربهم في المرفأ، فهم بين أكثر من نار، فحين يوقفون قواربهم أمام منازلهم، فإن الجيران يرفضون ذلك، كما إن البلدية تنذرهم للسبب نفسه، وحين يركنونها على الساحل فإنها تتعرض للسرقة والتخريب وربما تتلف مع الوقت.

ليس هذا فحسب، بل يؤكد هؤلاء الفتية أن هناك متسع كبير لهؤلاء النوع من القوارب في المرفأ، وأن أصحاب القوارب الرياضية على أتم الاستعداد لدفع رسوم إضافية، فقط من أجل أن تسمح لهم إدارة المرفأ في الحصول على مرسى.

ولأن العضو البلدي كان يجلس معنا في جلسة الشاي هذه، ارتأى أن يدخل على خط مناقشة ملف المرفأ: من هنا نحن نجد أن الوقت أصبح مناسباً لأن تضم الجهات المختصة القسم الآخر المهجور من الفرضة، بل حتى القسم الحالي يكفي لو تم استغلاله بصفة صحيحة، لكن مع الأسف فإن إدارة الثروة أجّرت مؤخراً مساحات كبيرة جداً من المرفأ لبعض الأشخاص بصفة عشوائية، حتى وصل الحال إلى أن ينشئ بعض هؤلاء المستأجرين ورشاً للحدادة وتوابعها، وهذا الأمر مخالف لطبيعة الغرض الذي خصصت من أجله الفرضة.

يوسف صالح زايد قاطع المرباطي ليقول: أنا أثني على كلام العضو البلدي، وأزيد أيضاً أن هناك نقص في إمدادات الوقود الخاص بالقوارب في المرفأ، سواء من الديزيل أو البترول، مما يضطر الكثير من الصيادين إلى أن يذهبوا للبر للحصول على وقودٍ لقواربهم، لأن القائمين على محطة تزويد الوقود لا يوفرون الكميات الكافية التي يحتاجها الصيادون، بل نحن نذهب إلى أبعد من ذلك، نحن نطالب بعدم قبول احتكار محطة تزويد الوقود في الفرضة، كي لا يكون هناك احتكار في توزيعه، بل نطالب بتنظيم العملية وتوفير الوقود على مدار الساعة والأسبوع.

مشاكل الصياد

يعود شريف للحديث فيقول: البحَّارة اليوم يعانون، والهواة من الصيادين لا أحد يهتم بشؤونهم على الرغم من أنهم يبذلون في سبيل هوايتهم مبالغ طائلة وكبيرة، كما أن رخص الصيد أصبحت توزَّع من تحت الطاولة أو بحسب الوساطة والمحسوبية.

بعد أن أخذت حرارة الشمس مأخذها منَّا، قلت لهم لا بد أن نمضي فالشمس أصبحت حارقة، فضحك شريف وقال: نسيت أن أخبرك أن الثرة السمكية لا تكترث بالصيادين، ولهذا تركت (بسطاتهم) من دون مظلات، وكما تشاهدون فإن الشمس تحرقنا حتى قبل أن يدخل الصيف، فكيف إذا دخل بقسوته كلها، هل لكم أن تتصوروا؟. نعم من المؤكد أنني أتصور.. قلتها في نفسي، ثم ركبت سيارة المرباطي، وانطلقنا بعد أن ودعنا الصيادين.

وتجولت مع المرباطي وسجلت بعدستي بعض هموم الصيادين، لكنه أبى إلا أن يكمل حديثه معي في السيارة: مشكلة المرفأ الحالي أنه بني على الطراز القديم، بينما المرافئ الحديثة كلها تُنشأ بصفة عائمة وليست جامدة، وهذه من أكبر الصدمات التي تلقاها الصيادون بعد اكتمال المرفأ، بل هذا خلاف ما وعدنا به وتم الاتفاق عليه، فالشكل الجامد للمرفأ لا يتناسب وطريقة القوارب المصنوعة من الألياف.

ونحن على وشك الخروج من المرفأ، لم نجد أي أثر للتشجير أو لأي شكل من أشكال اللمسات الجمالية.

هذه هي المحرق القديمة، وربما الحكاية لم تنته بعد فالمحرق وخامستها تحتاج إلى يد حانية وإلى المزيد من الاهتمام.