وضعت دول مجلس التعاون الخليجي موازناتها السنوية لعام 2012 بناءً على تقديرات حددت بموجبها سعر برميل النفط عند 70 إلى 80 دولاراً تقريباً، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن متوسط سعر برميل النفط للعام الجاري سيبلغ 110 دولارات للبرميل، لذلك فإن موازنات دول المجلس سوف تحقق فائضا للعام الجاري يقدر بنحو 265 مليار دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك إمكانات لزيادة الإنفاق في حال استقرار أسعار النفط، كما بينت التجارب السابقة.
ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي حجم الإنفاق الخليجي في العام 2012 بنسبة 6% ليصل إلى 430 مليار دولار مقارنة بـ 389 مليار دولار في عام 2011، حيث تذهب هذه النفقات إلى قطاع الخدمات العامة من سكن وتعليم وصحة وطرق ومواصلات وبنية تحتية وغيرها.
أما الإيرادات فسترتفع بنسبة 10%، لتصل إلى 600 مليار دولار في عام 2012. ويتيح إقرار موازنات قياسية بهذه الأحجام المرتفعة إمكانات كبيرة أمام تنفيذ الكثير من المشاريع، وتنشيط الأوضاع المالية والاقتصادية في دول مجلس التعاون.
إلا أن دراسة للبنك الدولي حول إصلاح الإدارة العامة في الدول النامية يقول أن الطريقة التي تنفق بها الحكومات الخليجية هذه الأموال لها آثار كبيرة في مسارها الإنمائي، حيث بات يجب على هذه الحكومات وضع مقاييس لقياس كفاءة المردود الاجتماعي والاقتصادي للأموال التي تنفقها.
ولكي تتمكن الحكومات من أداء وظيفة الإنفاق كما ينبغي، يجب أن تستوفي ممارسات الإدارة المالية العامة لدى تلك الحكومات معايير محددة بشكل واضح ودقيق. فيجب أن يكون الإنفاق الحكومي معقول التكلفة، حيث يتم إجراؤه داخل إطار يضمن اتساق الإنفاق مع أهداف السياسات النقدية والمالية والاستدامة على المدى الطويل. ويتعين على الحكومات تعظيم عملية تخصيص الموارد العامة فيما بين القطاعات وفئات الإنفاق المختلفة بما يعكس أولويات السياسات لديها، بما في ذلك النمو المستدام وفضلا عن التنمية البشرية والاجتماعية.
كما يجب أن يكون هذا الإنفاق فعالاً، حيث يسعى لزيادة المخرجات لمجموعة معينة من المدخلات، وأن يكون مؤثراً، بمساندته لعملية الإدراك الناجح لأهداف الحكومات وتحقيقها. كما يجب أن يتسم أيضاً بالشفافية؛ حيث يعمل وفقاً للقوانين واللوائح التنظيمية ذات الصلة؛ ويتم تعهده بضوابط وتوازنات ملائمة لضمان الاستقامة المالية.
وفي حين أن هذه الأهداف تتسم نسبيا بالوضوح والبساطة، إلا أن تحقيقها قد يكون حافلاً بالتحديات. وقد تم بالفعل وضع إصلاحات الإدارة المالية العامة في العديد من بلدان المنطقة على جدول أعمال العقد الراهن أو ما بعده. ويسعى البنك الدولي في هذا المجال إلى تجسيد تلك التجارب والخبرات المكتسبة حتى الآن وتحسين الفهم لطبيعة ما يواجه تلك البلدان من تحديات في مجال الإدارة المالية العامة.
وتنوّه دراسة البنك إلى أن الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي يوفر دعما ملحوظا لإنتاجية قطاعاتها غير النفطية، ويحمي اقتصادياتها من الصدمات الناجمة عن تقلبات أسعار النفط. لكن هذا الإنفاق يحتاج إلى تأكيد فاعليته، كما أن ضخامته في ظل ضخامة حجم الواردات واليد العاملة الوافدة، يمثل مصدر تسريب إلى الخارج. واستنزف تمويل الواردات في عام 2011 نحو 30 %من القيمة الإجمالية للنواتج المحلية لدول مجلس التعاون. وطبقاً لتوقعات أولية، بلغت قيمة تحويلات نحو 17 مليون فرد من اليد العاملة الوافدة، نحو 70 مليار دولار خلال العام الماضي.
وتظهر الدراسة أنه يمكن للبلدان التي تقوم بإصلاح نظام الإدارة العامة، أن تتوقع تحقيق عائدات إنمائية هائلة، حيث يؤدي التحسّن الذي يطرأ على نظام الإدارة العامة إلى رفع مستوى دخل الفرد بواقع ثلاثة أمثال على الأمد الطويل.
وقالت الدراسة إن الاتجاهات العالمية في مجال نظام الإدارة العامة مثيرة للقلق، فمتوسط نوعية نظام الإدارة العامة على مستوى العالم لم يشهد تحسّناً كبيراً.
وبالرغم من التحسينات التي طرأت في عدد من البلدان، فإن هناك عدداً مماثلاً من البلدان قد شهد تدهوراً، وعدداً كبيراً آخر لم يظهر فيها بعد أي تغيّر ملموس.
من جهة أخرى، فإن قياس نظام الإدارة العامة مسألة عسيرة، ولا يوجد مؤشر واحد يمكن الاعتماد عليه بنسبة 100 %من حيث إعطاء معلومات دقيقة تماماً.