بقلم: د. محمد الفقيه تسبب الخمور والمسكرات والمخدرات والعقاقير المخدرة مخاطر ومشكلات عديدة في كافة أنحاء العالم، وتكلف البشرية ما قد يفوق ما تفقده أثناء الحروب المدمرة. حيث تسبب المشكلات الجسمية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تحتاج إلى تضافر الجهود المحلية والدولية لمعالجتها. فالإدمان لم يعد مشكلة محلية تعاني منها بعض الدول الكبرى أو الصغرى أو بلدان محلية أو إقليمية، بل أصبح مشكلة دولية، تتكاتف الهيئات الدولية والإقليمية، لإيجاد الحلول الجذرية لاستئصالها، وترصد لذلك الكفاءات العلمية والطبية والاجتماعية، لمحاولة علاج ما يترتب عنها من أخطار إقليمية ودولية، وتنفق الأموال الطائلة لتضيق الحد من تفشيها وانتشارها. والخمور والمسكرات معروفة منذ ما قبل التاريخ، كما كانت منتشرة في الجاهلية، فكان من بين تلك النباتات التي استخدمها الإنسان نبات القنب الذي يستخرج منه الحشيش والماريجوانا، ونبات الخشخاش الذي ينتج الأفيون والذي يتم تصنيع المورفين والهيروين والكودائين منه حالياً، وبعض أنواع الصبار، ونبات الكوكا الذي يصنع منه الكوكائين في العصور الحديثة، ونباتات ست الحسنو والداتورة وجوزة الطيب وعش الغراب. فلما جاء الإسلام حرم تعاطيها والاتجار بها، وأقام الحدود على ساقيها وشاربها والمتجر بها، وقد أكد العلم أضرارها الجسمية والنفسية والعقلية والاقتصادية، ومازال انتشارها، يشكل مشكلة خطيرة تهدد العالم كله. فبمرور الزمن تعرف الإنسان في عصرنا الحالي على النتائج الخطيرة التي تنجم عن استخدام تلك المخدرات والعقاقير والمركبات والمشروبات الكحولية، بعد أن أصبح الإدمان أحد مظاهر الحياة المعاصرة. وتبين أن استخدام العديد من هذه المواد يؤدي إلى ما يسمى بالاعتماد البدني والاعتماد النفسي. ويشير الاعتماد البدني إلى حالة من اعتماد فسيولوجي للجسم على الاستمرار في تعاطي المواد التي اعتاد المرء على تعاطيها. وإن التوقف عن التعاطي يؤدي إلى حدوث أعراض بدنية مرضية خطيرة يمكن أن تنتهي في ظروف معينة إلى الوفاة، الأمر الذي يجعل المرء يعود مقهوراً إلى استخدام تلك المواد لإيقاف ظهور هذه الأعراض البدنية الخطيرة. وبعد أن كان المرء يتعاطى العقاقير أو المركبات أو المخدرات أو الكحول بهدف الدخول في حالة من اللذة والبهجة، يصبح تعاطي هذه المواد هادفاً لإيقاف الأعراض البدنية المزعجة التي يثيرها التوقف عن التعاطي. وهكذا يصبح المرء أسيراً وعبداً للمادة التي اعتاد على تعاطيها ولا يستطيع الفرار منها إلا إذا اتخذت أساليب علاجية معينة لفترة طويلة. وعادة ما يتطور الموقف لأبعد من هذا، حيث يعمد المتعاطي إلى استخدام مواد أخرى جديدة إضافة إلى المواد التي أدمن عليها بهدف المتعة والمشاعر الأولى التي كان يسـتمتع بها من قبل. إلا أنه بعد فترة وجيزة يعجز عن تحقيـق ذلك، ويصبـح التعاطي هدفـاً فقط إلى إيقـاف الأعراض المؤلمـة - المميتة في بعض الأحيان – التي يعاني منها المرء بمجرد توقفه عن استخدام تلك المواد. وأما فيما يتعلق بالاعتماد النفسي، فإن ذلك يشير إلى نشوء رغبة قهرية نفسية شديدة من نشدان الحصول على المادة التي أدمن عليها المرء لتعاطيها. وتدور حياة المرء في حلقة مفرغة، إذ إنه ما إن يتعاطى الجرعة التي أدمن عليها حتى يبدأ في البحث عن مصادر يستمد منها الجرعات التالية، الأمر الذي ينتهي به إلى التدهور اجتماعياً واقتصادياً ومهنياً وإهمال شؤون نفسه وأسرته. لذلك يجب علينا ألا نقف موقف المتفرج، بل علينا أن نشارك بكل ثقلنا وبكل ما أوتينا من قوة وإمكانات مادية أو معنوية. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فعلى الآباء والمربين وأولي الأمر ملاحظة أبنائهم واحتضانهم واحتوائهم. وفي الوقت نفسه يكونوا القدوة والمثل لهم، والعين مفتوحة عليهم وعلى أصدقائهم والأماكن التي يرتادونها هؤلاء الأبناء. في هذه الأحوال تحملت الرابطة العالمية “العقل من دون مخدرات” وبمباركة من رؤساء الديانات الأساسية الأربع “المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية” مسؤولية القيام بالوقاية العالمية لأمراض المخدرات في حدود برنامجها ذي المراحل الثلاث لمدة 50 سنة والخاصة بتنمية أيديولوجية “العقل من دون مخدرات” وذلك بواسطة القيام بمنافسة الإنترنت “مايا – الوهم” العالمية. «دكتوراه في علم النفس التربوي- خبير ومشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم البحرينية»