في الوقت الذي تسعى فيه دول إلى أن تكون عاصمة للمصرفية الإسلامية، ما زالت السعودية غائبة عن هذا التنافس رغم امتلاكها المقومات التي تؤهلها لذلك، سواء من الخبرات والعلماء الشرعيين والمصرفيين والمكانة الإسلامية التي تمتلكها، إضافة إلى الطلب المحلي على هذه التعاملات.
وحمّل مختصون في المصرفية الإسلامية مؤسسة النقد ووزارة المالية مسؤولية غياب السعودية عن المركز القيادي في هذا القطاع، لعدم وجود هيئة مستقلة لها معايير موحدة لجميع المنتجات المالية الإسلامية. وقالوا إن الواقع يثير شكوكاً حول مدى توافق ممارسات المصارف التقليدية مع القوانين الحاكمة، حيث لا ينسجم نظام المؤسسات المصرفية مع الأنظمة، إضافة إلى عدم القدرة على تنفيذ وتطبيق بعض الأنظمة الحديثة التي تحتاج إليها العجلة التنموية في البلاد، كالرهن العقاري الذي يكفل حل أزمة السكن في السعودية لعدم وجود نظام يكفل عملها دون أي تعثرات مثل أزمة الرهن العقاري في أمريكا، فالنظام المتبع في السعودية نظام تقليدي غير مؤهل لتطوير وطرح منتجات جديدة تحتاج إليها البلاد وفق الشريعة الإسلامية.
وأوضح الدكتور عبدالباري مشعل، مدير عام شركة رقابة للاستشارات في بريطانيا، أن السعودية في صدارة الدول المؤهلة للريادة في المصرفية الإسلامية من الناحية النظرية، ''لأن جميع القوانين السيادية في السعودية والقضاء تخضع للشريعة الإسلامية، وفي مقدمة تلك القوانين المرسوم الصادر بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي الذي يحظر على المؤسسة التعامل بالفوائد المصرفية في المعاملات، إضافة إلى الهوية الإسلامية للمجتمع السعودي وتطلع المسلمين في مختلف بلاد العالم للمملكة كمركز لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة''.
وقال مشعل: ''رغم الإمكانات التي تؤهل السعودية للريادة في هذا القطاع لتحتل مكان ماليزيا والبحرين، إلا أنك تشهد تأخرها بشكل ملحوظ عن الريادة''، وبيّن أن أربعة مصارف سعودية تتعامل بالمصرفية الإسلامية بعد أن كانت محصورة في مصرف واحد.
وأرجع مشعل غياب السعودية إلى غياب المبادرة من السلطات الإِشرافية للارتقاء بهذا القطاع وحمايته من الانحراف وتعزيز مصداقيته أمام العالم، ''ما أدى إلى انجراف المصرفية الإسلامية إلى صيغ التورق التي تتقارب في آثارها وآلياتها مع التمويل الربوي، ما أضعف مصداقية التمويل الإسلامي في السعودية أمام جمهور المتعاملين في المجتمع السعودي رغم وجود الإجازة الشرعية لهذه التعاملات من الهيئات الشرعية''.
وتابع: ''كما انجرفت المصرفية الإسلامية السعودية في المصارف التي لديها نوافذ إسلامية إلى استقطاب أسماء متكررة في هيئاتها الشرعية، الأمر الذي أثار تساؤلات عن جدوى تكرار أسماء الأعضاء في أغلب المصارف ولماذا لا تنشأ هيئة موحدة على مستوى القطاع المصرفي السعودي في مؤسسة النقد، ولماذا لا تصدر المؤسسة معايير شرعية موحدة لجميع المنتجات المالية الإسلامية بحيث ننتهي من إشكالية الاجتهادات الجزئية هنا وهناك، وظهور منتجات لا تتضمن قيمة مضافة للمصرفية الإسلامية كالتورق''، وفقا لصحيفة "الاقتصادية".
وإضافة إلى وجودها من حيث الممارسة، فقد أسهمت المصارف الإسلامية السعودية في مشاريع تنموية كبيرة كتمويل مشاريع محطات الكهرباء في مناطق مختلفة وفق أحكام الشريعة، كما أسهم مصرف الراجحي منفرداً في التسعينيات في تمويل أكثر من 400 مجمع مدرسي لمصلحة وزارة التربية، كما أصدرت عدة شركات سعودية صكوكاً إسلامية بعضها مدرج في سوق الأسهم.
وأشار النويصر إلى توجه عدد من الاقتصادات الحرة إلى الاقتصاد الإسلامي، خاصة بعد أن استطاعت ماليزيا تعزيز المصرفية الإسلامية وطرح منتجات إسلامية، ''فتبعتها سنغافورة والآن تتوجه دبي لتصبح عاصمة للاقتصاد الإسلامي، ناهيك عن استخدام كثير من منتجات الاقتصاد الإسلامي في دول الاقتصادات الكبرى، ففي ألمانيا وسيرها وفق النظام بالمصرفية الإسلامية الذي يحرم بيع ما لا يملك، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا التي كانت تطالب بمنهج ونظام واضح للمصرفية الإسلامية لتطبيقها بعد أن أثبتت حصانتها. وكثير من الدول التي بدأت تدخل بعض منتجات الاقتصاد الإسلامي في سياستها المالية''.
وشدد النويصر على ضرورة سعي وزارة المالية إلى تطوير المصرفية الإسلامية لتعمل وفق منهج واضح تحت إشراف جهة مختصة بالمصرفية الإسلامية.
أما الدكتور عبدالله قربان، عميد معهد الاقتصاد الإسلامي، فأوضح أنه في ظل تعامل كثير من مصارف السعودية بالمصرفية الإسلامية ''لكنها للأسف ما زالت محدودة، تحتاج إلى مزيد من المنتجات وتحتاج إلى جهات ولجان رسمية لها''.
وقال: ''هناك تنافس كثير بين الدول لقيادة المصرفية الإسلامية بعد أن استطاعت تحقيق عوائد مالية كبيرة، إضافة إلى قدرتها للصمود أمام الأزمات العالمية''.
وتابع: ''السعودية غائبة عن القيادة، وهي تمتلك أكبر القوائم الرئيسة للمصرفية الإسلامية التي تتصدرها الفوائض المالية، حيث تمتلك الفوائض المالية الكافية للنهوض بالاقتصاد الإسلامي، إضافة إلى الخبرات العلمية الشرعيين والمصرفيين''.