الأضحية في اللغة مشتقة من الضحوة، وهي أول النهار بعد طلوع الشمس، وأما الضحى فهو حين تشرق الشمس وتصبح بيضاء صافية، وسميت الأضحية بذلك نسبة لأول زمان فعلها.
والأصل في مشروعيتها قوله تعالى (فصل لربك وانحر) الكوثر2، فإن المراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنحر ذبح الأضحية على أصح الأقوال لدى المفسرين.
وأحاديث كثيرة منها حديث سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه، قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما. رواه البخاري ومسلم.
و(الأملح): من الضأن ما كان أبيض اللون، أو كان البياض فيه هو الغالب. و(الأقرن): ذو القرنين العظيمين. و(صفاحهما): جمع صفحة، وهي جانب العنق. وورد في فضلها عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وابن ماجه.
وهي سنة مؤكدة، يندب لمن أرادها أن لا يحلق شعره ولا يقلم ظفره في عشر ذي الحجة حتى يضحي، والحكمة في ذلك أن تبقى هذه الأجزاء ليشملها العتق من النار بالأضحية.
ويدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين، ويخرج بخروج أيام التشريق، وهي ثلاثة بعد يوم العيد، أي إلى غروب شمس رابع أيام العيد.
ولا تجوز إلا بإبل أو بقر أو غنم، وأقل سنها في الإبل خمس سنين ودخلت في السادسة، وفي البقر والمعز سنتان ودخلت في الثالثة، وفي الضأن -أي الخروف- سنة ودخلت في الثانية.
وتجزئ البدنة -وهي واحدة الإبل ذكراً أو أنثى- عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا تجزئ شاة إلا عن واحد، وشاة أفضل من شركة في بدنة، فإذا ذبح سبعة سبع شياه كان أفضل لهم من الاشتراك في البدنة، لأن لحم الشياه أطيب من غيره، ولتحصل فضيلة كثرة إراقة الدماء في القربة.
وإن كان منفرداً فأفضلها البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز، لأن القصد كثرة اللحم والتوسعة على الفقراء، وفي الشياه: أفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم البلقاء -وهي ما خالط بياضها لون آخر- ثم السوداء.
وتشترط سلامة الأضحية عن العيوب التي تنقص اللحم، فلا تجزئ في الضحايا:
1. العوران البين عورها، أي الواضح، لأنها لا تبصر المرعى على الوجه الأتم فلا ترعى كما ينبغي، فتضعف.
2. العرجاء البين عرجها، لأنه يضعفها عن الذهاب إلى المرعى كغيرها، فتضعف بسبب ذلك.
3. المريضة البين مرضها، لأنها لا ترعى كالصحيحة، فإن قلت هذه الأشياء جاز.
4. العجفاء، هي التي ذهب مخ عظامها من الهزال.
5. المجنونة، وهي التي تدور في المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل.
6. الجرباء، وإن لم يكن جربها ظاهراً، لأنها تضعف بسببه عن المرعى، فتهزل ويقل لحمها.
7. التي قطع بعض أذنها وأبين -أي انفصل عن بدنها- وإن قل، لأن في ذلك نقصاً للحمها وذهاب جزء مأكول منها، أو قطعت قطعة من فخذها ونحوها إن كانت كبيرة، ولا تجزئ المقطوعة الذنب أو بعضه.
وتجزئ مشروطة الأذن، ويجزئ الخصي والمكسور القرن، لأن ذلك لا ينقص اللحم.
والأفضل أن يذبح بنفسه، فإن لم يحسن فليحضر. وهنا أمر مهم يجب التنبيه عليه وهو أنه يجب أن ينوي المضحي عند الذبح أو عند التوكيل إن وكل، لأن التضحية عبادة، والعبادة تحتاج إلى نية لقوله عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات)، فالنية لا بد منها في جميع العبادات وفي أي قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، حتى في الوضوء والاغتسال من الجنابة وغيره من الاغتسالات سواء المفروضة أو المسنونة لتمييزها عن العادات، وكل من أراد الثواب على المباحات فلا بد له من نية، كالأكل مثلاً إذا نوى به التقوي لطاعة الله تعالى يحصل له الأجر على ذلك.
والنية: هي قصد الشيء مقترناً بفعله. ومحلها القلب، ويندب التلفظ بها -كما هو مذهب السادة الشافعية- قياساً على الحج لأنه صلى الله عليه وسلم تلفظ بها فيه، وليساعد اللسان القلب على استحضارها.
ووقتها أول الفعل، لأنها إذا كانت قبله تسمى عزماً، ولكن اغتفر عنها في الصيام لعسر مراقبة دخول الفجر، فتصح النية في أي وقت من الليل وقعت.
ويشترط فيها ثلاثة أمور:
أولها القصد، كأن ينوي صلاة أو صياماً أو حجاً أو اغتسال جنابة مثلاً.
وثانيها التعيين، فيعين الصلاة ظهراً أو عصراً أو مغرباً أو غيرها، لأن الإنسان قد يذهب إلى الصلاة وهو يظنها عصراً فإذا هي ظهر. هذا وقد اتفق علماء المذاهب الأربعة على النية في الصلاة إلا أنهم اختلفوا في شروطها.
وثالثها الفرضية، ليميزها عن النفل.
ويجزئ في الذبح قطع الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، ويندب قطع الوَدَجَيْنِ، وهما عرقان في العنق يحيطان بالحلقوم.
ويشترط أن لا يرفع يده في أثناء الذبح، فإن رفعها قبل تمام قطع الحلقوم والمريء ثم قطعها لم تحل إن لم يبق فيها حياة مستقرة بعد القطع الأول، لأن الإعراض عن الذبح بينهما يمنع انضمام أحدهما إلى الآخر، فصارت في حكم الميتة.
ويكون الذبح في أعلى العنق، أما الإبل فينحر في لبته، واللبة تكون في أسفل العنق. ويستحب عند الذبح خمسة أشياء:
1. استقبال القبلة بالذبيحة وكذلك للذابح.
2. التسمية، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم.
3. التكبير ثلاثاً.
4. الصلاة والسلام على رسول الله، لأنه محل شرع فيه ذكر الله تعالى فيشرع فيه ذكر نبيه بالصلاة عليه، لقوله عز وجل (ورفعنا لك ذكرك) أي لا أذكر إلا وتذكر معي.
5. الدعاء بالقبول، وهو (اللهم هذه منك وإليك فتقبل نعمة منك علي وتقربت بها إليك فتقبلها مني).
ويندب أن يأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، ويسن أن لا يزيد في الأكل أو الإهداء على الثلث. والتصدق أفضل من الإهداء، فالأفضل أن يأكل القليل منها تبركاً ويتصدق بالباقي، اقتداء به عليه الصلاة والسلام. والواجب التصدق بشيء منها وإن قل، والجلد يتصدق به، أو ينتفع به في البيت إن كانت الأضحية غير واجبة -كالمنذورة- ولا يجوز بيعه ولا بيع شيء من اللحم، ويتصدق باللحم نيئاً غير مطبوخ وإلا لم تجزئ الأضحية، ولا يجوز له أن يأكل من الأضحية المنذورة.