تدور نقاشات واسعة حالياً بشأن إسقاط الجنسية وما يترتب عنه من نتائج، إضافة إلى علاقة سقوط الجنسية بحقوق الإنسان ومدى قانونيته. هذه القضايا المثارة من المهم تقديم إيضاحات بشأنها، خصوصاً وأنها تتعلق بإجراء يندر أن تلجأ إليه الدول عندما تواجه تحديات أمنية وسياسية معينة وتقتضي الضرورة ذلك. كيف تتعامل مملكة البحرين مع إسقاط الجنسية؟
عادة ما تنظم الدساتير الإطار العام لاكتساب الجنسية وإسقاطها، أما التفاصيل فإنها تكون من خلال القوانين الوطنية. وهذا ما ينطبق على وضع الجنسية في المملكة، حيث حدد دستور المملكة بعد تعديلاته الأولى في 2002 في الباب الثالث «الحقوق والواجبات العامة - المادة 17» أن الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون. أما قانون الجنسية البحرينية، فإنه يجيز إسقاط الجنسية من كل من يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة طبقاً للمادة «10 - الفقرة ج».
كذلك هناك حالات أخرى يجوز فيها إسقاط الجنسية البحرينية، وتشمل الآتي: أولاً: إذا دخل المواطن الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها. ثانياً: إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية.
وبالتالي يلاحظ أن هناك عدة حالات ومبررات لإسقاط الجنسية أقرها الدستور ونظمها قانون الجنسية البحرينية. فالإضرار بالأمن يشمل التحريض على الإرهاب، أو القيام بأعمال عنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتشكيل تنظيمات شبه عسكرية وغيرها من مظاهر الإضرار بأمن الدولة.
أما السبب الآخر، فهو دخول المواطن في الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها. والمسألة هنا تتعلق بالسيادة والولاء الوطني، إذ ليس منطقياً أن ينخرط مواطن في القوات المسلحة لإحدى الدول الأجنبية وهو مواطن دولة أخرى، حيث تتضارب المصلحة الوطنية العليا مع مثل هذه الأفعال. كما أن هذه الحالة لا تنطبق على من ينخرطون في الخدمة العسكرية لبلدان أخرى بناءً على اتفاقيات التعاون العسكري بين المملكة والدول الأخرى. ويلاحظ في هذه الحالة أن هناك شرط، وهو أن إسقاط الجنسية لا يتم إلا بعد أن تطلب منه حكومة البحرين ترك الالتحاق بالخدمة العسكرية للدولة الأجنبية.
الحالة الثالثة لإسقاط الجنسية تتمثل في المساعدة أو الانخراط في خدمة دولة معادية، وهذا ما يطلق عليه عادة بـ «الخيانة العظمى»، وتتعدد أشكال المساعدة وخدمة الدولة المعادية، حيث لا يتم إسقاط الجنسية إلا مع من تعاون مع دولة عدوة بالفعل، وهو ما يجب الإعلان عنه من الناحية القانونية.
معظم حالات إسقاط الجنسية هي نفسها الموجودة في القوانين الوطنية للعديد من بلدان العالم، وإن اختلفت في دول أخرى حسب ظروف كل مجتمع. كما أن معظم الديمقراطيات الغربية لديها الاشتراطات نفسها لإسقاط الجنسية التي تستخدم من أجل حفظ أمن واستقرار الدولة من إمكانية محاولة عدد من المواطنين الإضرار بالأمن الوطني والاستقرار والسلم الأهلي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك قرارات المملكة المتحدة بشأن إسقاط الجنسية عن عدد من المواطنين البريطانيين بعد تورطهم في أعمال إرهاب وتحريض على الإخلال بالأمن والاستقرار في المجتمع البريطاني.
من هنا فإن قرارات إسقاط الجنسية شائعة الاستخدام في دول عدة، وليست بإجراءات جديدة وغير مألوفة، ولكن استخدامها دائماً ما يرتبط بالضرورة التي تحتم على الدولة اللجوء لمثل هذا الإجراء من أجل ضبط الأمن والاستقرار من أي تدهور محتمل.
قضية مهمة ترتبط بإسقاط الجنسية، وهي علاقتها بحقوق الإنسان، وهل تتعارض المبادئ الحقوقية العالمية مع إسقاط الجنسية المتاح في دساتير الدول والقوانين الوطنية؟
عندما وضعت المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فإنها جاءت من أجل حفظ الحقوق الأساسية للإنسان، وهي الحقوق الموجودة في معظم دساتير العالم. وبالتالي فإن لجوء الدول إلى قرار إسقاط الجنسية لا يتعارض مع حقوق الإنسان باعتبار أن من أسقطت جنسيته تمت بمبررات كافية لإسقاطها، وهي مبررات تتعلق بحق الإنسان في الأمن الذي هو حق أصيل من حقوق الإنسان. ولطالما هناك فئة من المواطنين تسعى إلى سلب هذا الحق من المجتمع والدولة، فإنه يحق للدولة محاسبة هذه الفئة لحفظ بقية الحقوق التي لا تتم إلا بعد تحقيق حق الأمن.
أيضاً لابد من الإشارة إلى أن إسقاط الجنسية لا يعني إسقاط الحقوق الإنسانية لمن أسقطت جنسيته، ولا يعني إسقاط جنسيته ضرورة طرده من البلاد. فحق التقاضي متاح له، وبإمكانه التقدم بشكوى إلى السلطة القضائية للتظلم في القرار الذي صدر بشأنه من خلال محاكمة نزيهة وعادلة ومستقلة.
في النهاية فإن حق إسقاط الجنسية متاح للدول حسب الظروف التي يكفلها الدستور وتحددها القوانين الوطنية، وبما لا يسيء لحق من أسقطت جنسيتهم في التقاضي والتظلم على ما أصابهم. وهذه هي النظرة القانونية - الحقوقية لقضية إسقاط الجنسية التي يجب استيعابها. كما أن قرارات إسقاط الجنسية هي قرارات استثنائية لا تتم إلا بشروط، وعادة ما ترتبط بالأمن القومي والتهديد الذي يمكن أن تسببه مجموعة من المواطنين مما يستدعي اتخاذ قرارات ضدهم.
معهد البحرين للتنمية السياسية
infobipd.gov.bh