قالت أخصائية التخدير والألم بمجمع السلمانية الطبي د.بثينة بوجيري إن «معلوماتنا عن التخدير غالباً ما تكون مبهمه حتى وإن سبق لنا أن خضنا تجربة التخدير، حيث يبقى هناك بعض من الغموض يحيط بها»، مشيرة إلى أن «لكل نوع من عقاقير التخدير مفعول مختلف، كما إن طبيب التخدير مؤهل للتعامل مع أغلب الطوارئ الطبية الممكن حدوثها أثناء عملية التخدير».
ونصحت د. بثينة «المريض الذي سيتعرض للتخدير بزيارة طبيب التخدير قبل موعد العملية لتفادي المضاعفات الممكن حدوثها».
وأوضحت أن «كلمة التخدير تعني باليونانية فقدان الإحساس، ولكن هذه الكلمة أصبحت تشمل معان عدة إلى جانب فقدان الإحساس».
وأضافت د.بثينة أن «التخدير يحدث بواسطة عقاقير خاصة، لها مفعول مؤقت بحسب مدة العملية الجراحية، ولكل نوع من أنواع العقاقير مفعول مختلف، فعلى سبيل المثال عقاقير الألم مسؤولة عن تخفيف الألم أثناء وحتى بعد الانتهاء من العملية الجراحية، وهناك عقاقير أخرى مسؤولة عن النوم، وفقدان الذاكرة المتعلقة بتجربة العملية الجراحية، إضافة إلى عقاقير تستخدم كمهدئ للقلق قبل وحتى أثناء العملية، وهناك عقاقير مسؤولة عن ارتخاء العضلات، وهذه العقاقير تستخدم مفردة أو مجتمعة بحسب متطلبات العملية الجراحية».
وأشارت إلى أنه «غالباً ما يصاحب عملية التخدير قليل من التخوف لذا فإنه من المهم التوضيح بأنه يقوم الأطباء المختصين بحساب جرعات العقاقير بدقة وتتم ملاحظة العلامات الحيوية باستمرار أثناء العملية الجراحية وأثناء فترة الإفاقة».
مراحل التخدير
وقالت د.بثينة إن «المريض يمر أثناء التخدير بأربعة مراحل، المرحلة الأولى تسمى تحريض التخدير، وهي التي تلي حقن الدواء المخدر، يشعر المريض خلالها ببدء تأثير الدواء ولكنه يظل مدركاً لما يحدث من حوله، أما المرحلة الثانية تسمى مرحلة الاهتياج، ويحدث خلالها ارتعاش في الجسم يصاحبه عدم انتظام التنفس وضربات القلب، في حين كون المريض غير مدرك لما يحدث من حوله، إلا أنه لا يزال غير مستعداً تماماً لإجراء الجراحة، والمرحلة الثالثة ترتخي فيها العضلات، وينتظم فيها التنفس وتنتظم ضربات القلب، ويكون المريض تحت تأثير التخدير تماماً ويكون مستعداً للإجراء الجراحي، بينما المرحلة الرابعة لا يصل لها المريض في الأحوال المعتادة، وتحدث حينما يعطى المريض جرعة زائدة، وتؤدي إلى تباطئ نبض القلب وانخفاض في ضغط الدم، وقد يؤدي إذا لم يتم التدخل السريع إلى تلف الدماغ أو الوفاة».
التخدير الموضعي
وتابعت د.بثينة «عند الحديث عن التخدير، أغلب ما يتبادر إلى الذهن هو التخدير العام وهو يطلق على نوع التخدير حينما يكون المريض فاقداً للوعي تماماً، غير أن هناك أنواعاً أخرى من التخدير كالتخدير الموضعي، وهو حينما يكون الخدر في رقعة معينة من الجلد، ويتم اختيار نوع التخدير بحسب متطلبات العملية وبعد مراجعة التاريخ المرضي للمريض، وقد يتم ربط نوعين من التخدير إذا دعت الحاجة إلى ذلك».
وتطرقت د.بثينة للحديث عن التهدئة أثناء الإجراء الجراحي، مبينة أن «هذا النوع من التخدير يكون غالباً مصاحباً للإجراءات الجراحية القصيرة والبسيطة نسبياً مثل خلع الأسنان، والليزك أو الجراحات التجميلية البسيطة».
وقالت إنه «خلال هذا النوع من التخدير يكون المريض واعياً وقادراً على المحادثة والتفاعل، ولكن ليس بالضرورة أن يكون مدركاً لما يحدث حوله أو أن يكون محتفظاً بالذاكرة المتعلقة بهذا الإجراء الجراحي، وبعض وليس كل الأدوية المستخدمة في هذا النوع من التخدير قد تشعر المريض مؤقتاً بالهلوسة».
وأضافت أن «هذا النوع من التخدير يتشابه مع التخدير العام من ناحيه الأدوية المستخدمة حيث إن كثيراً من أدويه التخدير العام تعطى بنسب بسيطة لا تؤدي إلى فقدان الوعي تماماً بل لها مفعول التهدئة والتقليل من القلق. وهذه الأدوية عادة تمزج مع أدوية الألم».
وأوضحت أن «مدة مفعول الدواء في الجسم تختلف باختلاف الدواء، وقد تكون المدة قصيرة بين 5 أو 10 دقائق أو قد تطول إلى الساعة»، بينما لفتت إلى أن «الإفاقة من هذا النوع من التخدير، تكون سريعة ونادراً ما تكون مصاحبة لأعراض جانبية كالتي تحدث مع التخدير العام كالدوخة والغثيان، كما تتم مراقبة العمليات الحيوية للمريض بدقة كما في التخدير العام».
وفيما يتعلق بالتخدير الموضعي، أوضحت د.بثينة أنه «نوع آخر من التخدير حيث يتم حقن كمية معينة من الدواء المخدر المناسب في المواضع التي ستتم فيها الجراحة، حيث يجعل جزءاً صغيراً من الجسم خدراً «بقعة صغيرة من الجلد» فلا يسمح بالإشارة العصبية المسؤولة عن نقل الألم، أن تنتقل إلى المخ. ولكن قد يشعر المريض باللمس أو الضغط في هذه المنطقة، وفي بعض الحالات يستخدم التخدير السطحي المتمثل في الجل أو الكريمات أو البخاخ أو النقاط التي تحتوي على الدواء المخدر، عوضاً عن الحقن، ومثال ذلك توضع أنواع من الكريمات «خاصة عند الأطفال» في مواضع وخز الإبر للتقليل من الألم المصاحب للوخز، وغالباً ما ينتهي مفعول الدواء المخدر بعد 4 إلى 5 ساعات، ولكن قد يمتد عدم الإحساس بالألم مدة أطول من ذلك، ويعتبر هذا النوع من التخدير قليل الخطورة إذا تم استخدامه بعناية من قبل مختصين».
وذكرت د.بثينة أنه «أحياناً تدعو حاجة العملية الجراحية لتخدير منطقة أكبر من البقعة الصغيرة المخدرة بواسطة التخدير الموضعي، وهنا تأتي فائدة التخدير الذي يوفر منطقة أكبر من الخدر، ويكون بحقن الدواء المخدر حول العصب أو حول حزمة مجتمعة من الأعصاب المسؤولة عن نقل الإشارة العصبية من عضو معين، كالرجل بكاملها أو الذراع بأكمله، وهذا يؤدي إلى عرقلة انتقال الإشارة العصبية الحاملة للإحساس بالألم إلى المخ، ويحتاج هذا النوع من التخدير إلى الاستعانة بجهاز تحفيز الأعصاب، أو التصوير بالأمواج فوق الصوتية، لتحديد موضع العصب أو الحزمة العصبية، ويختلف تركيز وكمية الدواء المخدر بحسب موضع الحقن والمدة المقررة للجراحة، ويكون المريض واعياً مدركاً أثناء إجراء التخدير، ولكن من الممكن إعطاء المريض دواء مهدئ، إذا استدعت الحالة».
وفي هذا السياق، أوضحت د.بثينة أنه «أحياناً يعطى التخدير كحقنة واحدة حول العصب وأحياناً يكون على شكل حقنة في الوريد مع ربط العضو بواسطة العاصبة حتى لا ينتقل الدواء إلى باقي أجزاء الجسم عن طريق الدورة الدموية، ويستخدم هذا النوع من التخدير في حالات العمليات القصيرة في الأطرأف وأحياناً أخرى يعطى المخدر الموضعي من خلال قسطرة تنقط الدواء المخدر لمده تصل لأيام بعد الإجراء الجراحي، للتقليل من الألم بعد الإجراء الجراحي».
التخدير النخاعي
وقالت د.بثينة إن «النساء اللاتي مررن بتجربة الولادة قد يكن سمعن بما يعرف بتسكين فوق الجافية، والذي يتم من خلاله وضع قسطرة في الحيز فوق الجافية في متوسط الظهر، غالباً في أسفل الظهر وأحياناً في وسط الظهر حسب المنطقة المطلوب تغطيتها بالمخدر، وتقوم أجهزة خاصة بتنقيط كميات محسوبة مبرمجة مسبقاً من قبل طبيب التخدير، من الدواء المخدر لفترة معينة. تكون نتيجته هي فقدان للإحساس بالألم من متوسط البطن إلى أسفل القدمين».
وفيما يتعلق بالتخدير النخاعي، أشارت د. بثينة إلى أنه «حقن في أسفل الظهر يتشابه مع تخدير فوق الجافية في كونه في وسط الظهر، ولكن تخترق الإبرة غشاء الجافية لتصل إلى السائل النخاعي حيث يحقن الدواء المخدر بكميات أقل لكنه يؤدي إلى حدوث فقدان إحساس وشلل تام من منطقة أعلى البطن إلى أسفل القدمين، بحيث يسمح بإجراء عمليات جراحية كالعملية القيصرية أو عملية الفتق الإربي، أما التخدير العام فهو الحالة التي يفقد فيها المريض الوعي تماماً ويكون غير قادر على الحركة نهائياً أو تذكر شيئاً مما يحدث أثناء العملية الجراحية، ومن غير المعروف بوضوح كيفية عمل التخدير العام ولكن النظرية المقبولة لدينا في وقتنا الحاضر، أن عقاقير التخدير تؤثر على مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن الحركة والإحساس والإدراك والذاكرة».
وتابعت د. بثينة «يلجأ أطباء التخدير إلى استخدام التخدير العام في بعض العمليات الجراحية كجراحة الأنف والأذن وجراحات الأعصاب وجراحات القلب وغيرها، ومدة التخدير قد تكون قصيرة أو تطول لساعات بحسب مدة الجراحة، ويقوم طبيب التخدير بزيارة المريض قبل موعد العملية بوقت كاف لتقييم الحالة الطبية للمريض، وهذه الزيارة ضرورية حيث إن بعض الأمراض تستدعى اهتمام وتحضير مسبق لتفادي حدوث أية مضاعفات أثناء التخدير، وأيضاً يقوم طبيب التخدير بشرح كيفية التخدير وطرق معالجة الألم بعد العملية الجراحية والإجابة على أي أسئلة تتعلق بالتخدير، وسيطلب من المريض الامتناع عن الطعام والشراب لمدة معينة قبل التخدير، وذلك لمنع حدوث استنشاق لمحتوى المعدة من طعام إلى الرئتين أثناء عملية التخدير مما يؤدي إلى ضرر بالغ فيهما، قد يصل إلى درجة الفشل الرئوي في بعض الحالات».
ولفتت إلى أن «ارتخاء عضلات الجسم أثناء التخدير يؤدي إلى غلق مجرى التنفس، فيقوم طبيب التخدير بالاستعانة بأدوات مثل قناع التنفس أو أنبوبة القصبة الهوائية لتساعده على إبقاء مجرى التنفس مفتوحاً، وتتم مراقبة العلامات الحيوية، كتخطيط القلب والنبض وضغط الدم ونسبة الأكسجين في الدم ودرجة الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الزفير، بدقة وباستمرار خلال العملية الجراحية وأثناء فترة الإفاقة بشكل روتيني، وأيضاً يوجد منبه يصدر صوتا للتنبيه عند انخفاض نسبة الأكسجين عن مستويات معينه، أو عند اختلال أحد العلامات الحيوية السابق ذكرها عن المعدل الطبيعي».