كتبت ـ شيخة العسم:
«السكينة» و»أنا الذيب باكلكم» و»التيلة» ألعاب شعبية عرفتها البحرين قديماً، توارثتها الأجيال، وباتت اليوم جزءاً من حكاية التاريخ، وتوثيقاً اجتماعياً لحقب زمنية سالفة، عاش البحرينيون تفاصيلها، نقلوها لأبنائهم وأحفادهم، احتفوا بها ومارسوها في الأزقة والحواري والفرجان.
يرد الباحثون نشأة الألعاب الشعبية في أي مجتمع من المجتمعات، إلى البحث الدائم عن وسائل التسلية والإمتاع، وإشغال أوقات الفراغ بما هو مسلٍ ومفرح، وفي ظل غياب الألعاب المتطورة ووسائل التكنولوجيا الحديثة حينها، ابتكر الناس ألعابهم الخاصة وطوروها، ونقلوها عبر الأجيال.
آخرون يرونها توثيقاً اجتماعياً للتاريخ، إلى جانب عوامل التسلية والترفيه، ويجدون في الألعاب الشعبية والأغاني والرقصات الفلكلورية مدخلاً لدراسة نفسية الشعوب والتعرف على أمزجتها ومختلف جوانب عاداتها وتقاليدها.
اليوم اختلفت الظروف والأحوال، وغزت التكنولوجيا البيوت، ولم يعد الأطفال بحاجة لأقرانهم لممارسة ألعابهم المفضلة، ولا حتى للخروج من المنزل، فبضغطة زر واحدة على «آيباد» أو «الآيبود» تكفي لمطالعة آلاف البرامج والألعاب الكمبيوترية، واقتصرت بذلك الألعاب الشعبية على مناسبات محددة لحمايتها وحفظها من التلاشي والاندثار.
هل تصمد الألعاب الشعبية؟
وتقول رئيسة مركز سلمان الثقافي سلامة عتيق «أصبحت الألعاب الشعبية اليوم تمارس في المهرجانات أو المناسبات التراثية فقط» وتضيف «الألعاب الشعبية القديمة لها علاقة وطيدة بالألعاب الرياضية اليوم، ومعظمها يعتمد على القوة والحركة والجري والقفز، وجميعها تمارس اليوم تحت مسمى الفنون والألعاب الرياضية».
وسردت عتيق حزمة فوائد تقدمها الألعاب الشعبية مثل تنشيط العقل والجسم، مبينة أن «الألعاب الشعبية موروث ذا فوائد ومزايا للأولاد والفتيات وحتى الرجال والنساء، وكانوا جميعاً يمارسونها في أوقات فراغهم وكانت شائعة في مجتمع البحرين ما قبل النفط، حيث كان اللعب يمارس في الأحياء والفرجان والساحات العامة، ألعاب مستوحاة من معيشة المواطن البسيطة».
شيخة جمال «25 عاماً» تحكي قصة جيل كامل تربى على هذه الألعاب وعرف جمالها واحتفى بها تقول «كنا في الفريج نهوى الألعاب الشعبية ونمارسها يومياً، وأتوقع أننا آخر جيل مارسها، لعبنا السكينة وأنا الذيب باكلكم مع أولاد الجيران بشغف، كنا صبياناً وفتيات في سن الثامنة والتاسعة».
وتمنت أن تبقى هذه الألعاب ولا تندثر، وتضيف «أريد أن أعلمها لأبنائي بدل ألعاب تشجع على الكسل والخمول».
ولا يختلف جاسم سيف 40 سنة مع ما ذهب إليه الآخرون ويقول «هي ألعاب جميلة تعلمناها من أجدادنا، كنت صغيراً وكان جدي يمارس لعبة التيلة معي ومع أخي الكبير، وكانت أخواتي يلعبن السكينة والحبل، كن يرسمن السكينة بالطبشور أو الجبس الأبيض الذي يزين الجدران والأسقف، وعندما يهطل المطر يمسح السكينة، وتتشاجر أخواتي ويختلفن حول من وصل للمستوى الأعلى»، ويضيف «ألعاب جميلة وددت لو أن أولادي يتعلمونها».
ما بين الأمس واليوم
ما بين الأمس واليوم اختلفت الظروف والأحوال، فما كان ممتعاً ومسلياً قبل عقود، بات مملاً ومتخلفاً وقديماً لا طائل منه، يقول يوسف هشام «أنا أفضل الألعاب الإلكترونية فهي أفضل من القديمة، دائماً أجتمع مع أصدقائي للعب «x-box» أو كرة القدم» ويتابع «الألعاب الشعبية لا يلعبها أحد الآن ولا نعرف قوانينها».
وينبه هشام إلى أن هناك ألعاباً خاصة بالفتيات وأخرى بالصبية وألعاب مشتركة للجنسين، ويسرد قائمة الألعاب الخاصة بالفتيات «قوم يا شويب، هدو المسلسل، سلته وبلته، حبس لبش، طاق طاق طاقتة، الخبصة، الخشيشة، السكينة، اللقفة».
وللأولاد ألعابهم يقول هشام «الشقحة، القلينة أو المطاوع، سلالينقو، وتكون خاصة بالأولاد لأنها تعتمد على القوة»، ويكمل «أما الألعاب المزدوجة فهي مثل أنا الذيب باكلكم، الخبصة، السكينة «.
وتقول سلامة عتيق «هناك ألعاب صامتة مثل السكينة والحبل، وأخرى موسيقية مثل أنا الذيب باكلكم وقوم ياشويب»، وتضيف «أتمنى لو أن هذه الألعاب تمارس اليوم ونعلمها لأولادنا، فهي موروث ثقافي وشعبي لا بد من حفظه».
وتتابع حديثها «من هذا المنطلق والفكرة نظمت المؤسسة العامة للشباب والرياضة بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة مؤخراً، بطولة الألعاب الشعبية الأولى للفتيات تحت شعار «ألعابنا بين الماضي والحاضر»، بهدف تعزيز دور التراث وتذكير الشباب بهذه الألعاب الشعبية والحث على ممارستها، حيث أشرفت على البطولة وسعدت بها كثيراً وبمشاركة عدد كبير من الفتيات».