في مجموعة الشاعرة السعودية خديجة السيد «نبض العناقيد» دفء وهدوء ووضوح يأتي بصفاء دون أن ينقصه الإيحاء أو يقع في المباشرة الباردة.
وتخلق الشاعرة أجواء رمزية في قصائدها لكن الرموز والصور لا تأتي غامضة يصعب الدخول إلى عالمها بل تأتي مع مجازاتها مجملة للنص غير معقدة له.
في المجموعة التي جاءت محتوياتها على نمط قصيدة النثر حالات قليلة بل حالة واحدة وردت شعراً تقليدياً يتبع وحدة الوزن والقافية.
إلا أننا نرصد لدى الشاعرة في حالات متكررة ميلاً إلى استهلال القصيدة النثرية بما يصلح أن يكون مطلعاً يسير على نمط الشعر التقليدي. غير أنها تنتقل من هذا المطلع الكلاسيكي إلى القصيدة النثرية فتسير فيها بسهولة وبساطة جذابة. واعتماد التقفية التي هي اقرب إلى السجع قليل عندها.
جاءت المجموعة في 64 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان التشكيلي حسن الساري وصدرت عن دار فراديس للنشر والتوزيع في المنامة.
القصيدة الأولى حملت اسم (فاتحة) وفيها قالت الشاعرة «سعادتي بك، أترقبها ترقب الرضيع أمه، أشعر بك قبل أن ألقاك، وأهرول نحو موعدك وأردد، تباً لساعة تتأخر عقاربها..!!/ سأعيدها للوراء، قلبي يدوزن نبضي في لحظات انتظارك ألقاك، وأنظم مشاعري في نبضي وأمده نغماً إليك!»
في قصيدة (لغة الورد) نقرأ قول الشاعرة «أقبل وبيده باقة من زهور البنفسج، يسير في زهو غير آبه بوقوفي المتطفل، عدت خطوات للوراء، حمى الصمت اقتلعت مني السكون، الدمع في عيني يشدو انكساري، إن طوق جيدها، عيناه بعض من عذابي، وهناك كانت وقفة احتضاري».
في قصيدة (قوارير) تقول الشاعرة في موسيقة جلية «ضئيل أيها العالم الحقير، لا يشبهك إلا رماد داسته أرجل البلهاء، مازال بنو البشر ينكثون تنهيداتك، شرخها يعمي الأبصار، تتلظى عيون الذئاب، يتعالى نباح الكلاب المسعورة، النجم يكتفي بقضم أظفار المساء!!، يروي شرايين الألم، بدأت الأرض دورتها الجدية، تعاقبت فصول الفضول على جدار الزمان العتيق، انساب ندى موسيقاك على خد ذاكرة، لا تشيخ.. فتراقصت النوارس، علي إيقاع بحر الحب، والبحر صرح ممرد من قوارير، لا تقبل الكسر .. ولا القسمة».
في قصيدة (خابية المطر) جو من الحزن الشفاف بجمال. تقول الشاعرة «خبأت يدي بين زخاتها، عانقتها معانقة تشتهي البكاء، شددت قبضتي على نشيدها فصفق منتشياً، بالهواء ومزق حنجرتي، لملم بقاياي كي لا أكون حبة مطر عابر.. فريسة برق ورعد، تعلمت منه كيف أكون سقيا الضفاف، ورياح الحزن والجفاف».
وفي قصيدة (تطرف) تقول خديجة السيد مستهلة ببيت شعري موزون لتعود بعده إلى قصيدة النثر «أنثى وتختصر الحقيقة كل أحلام النساء، أنثى تفرد نصف عالمها على حد الزمان، تمارس جنونها بحب لتنمو تتورد تنضج تتكاثر، تصفر، تذبل، تشيخ، لكنها أبداً لا تتكرر لأنها بيضاء كغيمة، دافئة كالثلج».
في قصيدة (عناق) تقول الشاعرة «أيها القاطن مسافات الغياب.. روحي المرهقة، تعانق روحك.. تطارد صحوي ونومي.. عصفت بي أعاصير الغربة، طوت شتلاتي دهاليز النسيان».
في قصيدة (ليلكية) تبدأ ببيت شعري موزون مقفى فتقول «أنثى لها بين الضلوع قلوب، والذاريات على الجفون تذوب» ثم تنتقل إلى النثرية.
وفي (سفر الغياب) تنقل إلينا تجربة حزينة فتقول «ماجت بوجه الحب أرصفة الموانئ بالحنين، مدت يداً من خلف ألحان المساء، تلمست شوقي في نبرات صوتها المبحوح، نثرت رفات قصائد ذبلت على رموش الانتظار».
وفي (بنيان) بداية ببيت شعري موزون ثم انتقال إلى غيره. تقول «غرق البلبل في لحن السراب، وتناسى آهة خلف السرى، بدأ جرح الزمن الغائر، يغزو ملامحه الحزينة».
قصيدة (مزار) مثل على محاولات قليلة للإتيان بما يبدو قافية وهو في الواقع مجرد سجع نثري وفيها تقول «بين حاء وباء، لم أكن أتفهم الذي دلف إلى قلبي، هل كان يقيناً، في حضور شفيف المساء، لم أعد أتهجى غموض الحياة، أنا أحيا بكل الرجاء».
في قصيدة (خرافة) مطلع موزون مقفى ثم افتراق عنه إلى النثري. تقول «تدعو ترانيم الجمال خيالي، وتطوف بي في سحرها المختال، استجابت شقوة شجون طربت للحن تعزفه، رياح التجوال الأبدي».
أما قصيدة (دوزنة) فهي الوحيدة التي جاءت كاملة على نمط الشعر الكلاسيكي الموون المقفى. وفيها تقول الشاعرة: «في ساحة العشق آهات وأشجان يعيشها الصب والآمال تزدان ضمد جراحك يا من بات في شجن الحب عذبه سهد وأحزان لو تشتكي جفوة الأحباب في زمن مات الوفاء به والحال نكران شعري.. شعوري.. أحاسيسي وقافيتي أعيشها متعة والقلب نشوان على جدار غرام الروح أنقشها رموز عشق لها في خافقي شأن».