جمعت الثقافة بتراثها ومكوناتها الحضارية أمس البحرين بشقيقتها السعودية في «ليالي التراث والثقافة البحرينية»، ومن خلالها استنسخت وزارة الثقافة أجمل ملامساتها الحضارية واقتبست ملامح فريدة من الإرث البحريني المادي وغير المادي بمركز الأمير سلمان الاجتماعي في الرياض، وبرعاية كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
وأعربت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة عن سعادتها بهذا اللقاء الحميم، موضحة «هذه اللقاءات الإنسانية تجمعنا فيها الثقافة والمحبة، جئنا إلى هذا المكان ومعنا مشاريعنا وأحلامنا وبعض مما أنجزناه لنتقاسم التجربة، وما دور الثقافة سوى أن تفعل كل ما يمكنها أن تفعله من جمال».
وأشارت إلى أهمية ذلك في تشكيل الهوية، وقالت «مهمة الثقافة هي الدفاع عن هوية هذه الأوطان وشعوبها»، مؤكدة أن هذا الاشتباك الثقافي المباشر يترك للجماليات مساراتها الواضحة والحقيقية، حيث لا يجب الاكتفاء بالدور الإعلامي بل الحقيقة الأجمل والأكمل تكون في النقل الواقعي والمباشر، واستدراج الملامح إلى خارج مواقعها لإيضاح حقيقتها. ونبهت إلى أن المنامة عاصمة السياحة العربية 2013 تواصل مشاريع الاستثمار في الثقافة، مضيفة «مثل هذا الاستثمار هو استثمار في القيم والحضارات، ومردودها لا يكتفي بالهوية، بل يتصل بالمردود الإنساني والاقتصادي وغيرها».
وفي افتتاحية هذه الليالي استدعت صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله الملامح البحرينية التي عايشتها في زيارتها للبحرين، مبينة أن ليالي التراث والثقافة البحرينية سيكون لها دور بالغ في إبراز البحرين بموروثها الحضاري الغني وبنتاجها الثقافي المغاير، حيث تستثمر الفرصة للتعريف به ومعاينته عن قرب.
ولفتت إلى أن زيارتها السابقة مكنتها من متابعة مساعي وزارة الثقافة لاستثمار وإعادة تأهيل المواقع الأثرية وتخطيطها لمجموعة من المتاحف، موضحة أن «اشتغال الثقافة البحرينية يتجه إلى الموروث الشعبي والوطني لتوظيفه لاحقاً في المشاريع الثقافية والفكرية، إدراكاً منها أن هذا الموروث هو ما يشكل الهوية ويعزر مكتسباتها».
وأكدت أن هذا الحدث الذي استضاف في عامه السابق دولة الكويت ويستحضر الآن البحرين، يسهم في تشكيل تجربة تبادل حقيقة والاستفادة من التجارب الناجحة ويعزر التعاون الثنائي بين البلدين.
من جهتها أثنت صاحبة السمو الأميرة الجوهرة بنت سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود مديرة القسم النسوي بمركز الأمير سلمان الاجتماعي على هذا اللقاء الإنساني والحضاري بين البلدين، مؤكدة «عبر هذا الليالي تقدم البحرين أروع النماذج التراثية والثقافية، ونعايش معها أصالتها وحضارة دلمون، فمن ليس له ماضٍ، ليس له حاضر أيضاً».
وأشارت إلى أن التفاعل الحاصل هنا ينعكس بالإيجاب على الأجيال ويسهم في نقل هذه المكونات إلى المستقبل الأبعد، مردفة أن «هذه الليالي تصيغ أواصر المحبة والترابط بين دول الخليج عبر التراث والثقافة».
وافتتحت الليالي أولى أمسياتها باقتباسات شعرية قدمتها الشاعرة البحرينية الشيخة لولوة بنت خليفة آل خليفة، أتبعتها بافتتاح المعارض البحرينية المختلفة، بينها معرض الحرفيين لتقديم مجموعة من المهن والحرف اليدوية، حيث استعرض هذه الصناعات والمنتوجات بحبكتها المتقنة وتقنياتها اليدوية الفريدة.
فيما قدم معرض «لحظة» اقتباسات صورية وفوتوغرافية للعديد من الأمكنة والمعمار البحريني القديم والذي يوشك على الاندثار، وجسد المعرض توثيقاً عميقاً بلغة الضوء للعديد من المعالم وتقنيات البناء القديم، حيث تحاول الصورة إنقاذ الذاكرة المتصلة بهذا النسيج.
أما معرض العلاقات البحرينية السعودية، فكان نتاجاً فوتوغرافياً للتاريخ، حيث استعرض الزيارات المتبادلة والأنشطة التفاعلية والتعاونية بين البلدين، فيما اختص معرض التراث الإنساني العالمي بتقديم التقاطات واقتباسات بصرية لموقع قلعة البحرين الذي يعتبر أول مشروع بحريني مسجل على قائمة التراث الإنساني العالمي لليونيسكو.
هذه الملامسة الثقافية والتراثية، كشفت في معالجاتها المباشرة وتواصلها مع الآخر عن شراكة حقيقية ما بين وزارة الثقافة ومشروعها الشبابي تاء الشباب، الذي ساهم في تنظيم وتنفيذ قلب الأحداث الثقافية والتراثية، إذ تستمر ليالي الثقافة والتراث البحرينية لمدة ثلاثة أيام متواصلة، حيث تتجه في ثاني أيامها إلى القراءة والفكر، وتحاور في فضاء حميم الكاتبة البحرينية ليلى المطوع حول كتابها «قلبي ليس للبيع»، وتنصتُ إلى الفكر المدون والقضايا الحياتية التي يتضمنها سياق كتابها.
فيما يغلق صوت الشاعرة الشيخة لولوة بنت خليفة آل خليفة الليل الأخير للتراث البحريني في مدينة الرياض على مختارات من كتاباتها الشعرية والقصيدة الأنثوية الساحرة.