قال الشيخ بشير جويزي صالح إن «الله سبحانه وتعالى أكرم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج التي لم يسبق لبشر أن قام بها، لتكون عطاءً روحياً عظيماً، وتثبيتاً لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتكون تمحيصاً من الله للمؤمنين، وتمييزاً للصادقين منهم، فيكونوا خليقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف»، يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير»، مشيراً إلى أن «الرحلة كرست أهمية الصلاة في الإسلام، وتعلم منها المسلمون أهمية الثبات على الحق والتزام المبدأ، وأن الفاحشة سبب لانتشار الأمراض والبلاءات».
وأوضح أن «الله تعالى صعد بنبيه إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، يقول الله تعالى: «ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى». وذكر الشيخ صالح أن «حكمة الله اقتضت إرسال الأنبياء مؤيدين بمعجزات لتكون تصديقاً لهم فيما يبلغون من رسالاته، وأكرم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزات خالدات، منها رحلة الإسراء والمعراج». ومضى إلى أن «الرحلة لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا، فلعلنا ننتفع بهذه الدروس، ونحيي بها ما اندرس في النفوس».
وأوضح أن «الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، أما المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام».
دروس وعبر
ورأى الشيخ صالح أن «معجزة الإسراء والمعراج فيها مشاهد عظيمات وآيات باهرات يتعلم منها المسلم الدروس والعبر والتي منها مثالاً لا حصراً، الثبات على الحق والتزام المبدأ، ويتضح ذلك من المشهد الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم لماشطة ابنة فرعون، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما كان الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحةٌ طيبةٌ، فقلت يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال قلت وما شأنها، قال بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدرى من يديها فقالت بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون أبي، قالت لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت أخبره بذلك، قالت نعم. فأخبرته فدعاها فقال يا فلانة، وإن لك رباً غيري، قالت نعم ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس، فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له إن لي إليك حاجةً. قال وما حاجتك قالت أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا. قال ذلك لك علينا من الحق. قال فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، وكأنها تقاعست من أجله، قال يا أماه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت».
فريضة الصلاة
وأوضح أن «من الدروس أيضاً إدراك أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام، ذلك أن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاةً كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت، قلت: أمرت بخمسين صلاةً كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاةً كل يوم، وإني -والله- قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت، فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت، فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك! قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكني أرضى، وأسلم، فلما جاوزت نادى منادٍ: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي»».
وذكر الشيخ صالح أن «من الدروس أيضاً أن الفاحشة سبب لانتشار الأمراض والبلاءات، ويتضح ذلك من هذا المشهد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الإسراء قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة، عليها لحم مشرح، ليس يقربه أحد، وإذا أنا بأخونة، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، ما هؤلاء؟ قال: قوم من أمتك، يتركون الحلال ويأتون الحرام». لذا فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الفاحشة والزنا وكذلك التبرج والسفور، وجعل ذلك سبباً لانتشار الأمراض والأوجاع، فقال: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا».
مكانة المسجد الأقصى
وأشار الشيخ صالح إلى أن «من أبرز الدروس المستفادة أيضاً من رحلة الإسراء والمعراج معرفة مكانة المسجد الأقصى في الإسلام، وللمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماماً بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة».
ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة «نهج البردة»:
أسـرى بك الله ليلاً إذ ملائكـه
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت بهم التفوا بسـيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
ومن يفز بحـبـيـب الله يأتم
حتى بلغت سماء لا يطـار لها
على جناح ولا يسـعى على قدم
وقـيل كل نبـي عند رتبـته؟
ويا محمد هــذا العرش فاستلم