القاهرة - (وكالات): في أكبر تظاهرات تشهدها مصر منذ إسقاط حسني مبارك في فبراير 2011، نزل مئات الآلاف من المصريين إلى الشوارع أمس في القاهرة وعدة محافظات للمطالبة باستقالة الرئيس الإسلامي محمد مرسي مرددين شعار «ارحل» استجابة لدعوة حملة «تمرد» التي أعلنت أنها جمعت 22 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ودعت جبهة الإنقاذ الوطني المصريين إلى «البقاء في الميادين» حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة، فيما تحدثت تقارير عن اعتصامات مفتوحة للمعارضة حتى رحيل نظام مرسي.
وقالت الجبهة في بيان بعنوان «بيان الثورة رقم 1» إن «الجماهير صدقت» بنزولها إلى الشوارع على «سقوط نظام محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين» ودعت «جميع المواطنين والقوى الثورية إلى البقاء في الميادين لحماية ثورتهم حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة».
وقال مصدر أمني إن «هناك مئات الآلاف من المتظاهرين في القاهرة ومثلهم في الإسكندرية».
وقال مصدر عسكري إن «الجيش يقدر عدد المتظاهرين الذين احتشدوا في شوارع مصر للمطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي بـ «الملايين»». وأكد المصدر أنها «أكبر تظاهرات في تاريخ مصر».
وفي أول رد فعل على هذه التظاهرات، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية إيهاب فهمي في مؤتمر صحافي إن الحوار هو «الوسيلة الوحيدة» لحل الأزمة الراهنة في البلاد.
وأكد فهمي في مؤتمر صحافي أن «الحوار هو السبيل الوحيد» مضيفاً «لا سبيل إلا أن يجلس الطرفان «السلطة والمعارضة» معاً ويسعيان للتوصل إلى تفاهمات مشتركة». وأضاف «الرئيس منفتح على حوار وطني حقيقي وجاد مع كافة الأحزاب السياسية والقوى الوطنية للتوصل إلى توافق وطني حقيقي يخرج البلاد من وضع الاستقطاب الحالي».
وفي وقت سابق، أعرب الرئيس مرسي في حواره مع صحيفة «الغارديان» البريطانية عن ثقته في أنه «سيكمل مدته الدستورية في الرئاسة كاملة»، وعن رفضه الدعوات المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
واكتظ ميدان التحرير بالمتظاهرين الذين امتلأ بهم كذلك شارع رمسيس المؤدي إليه من جهة الشرق، كما وصلت حشود كبيرة إلى محيط قصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة شرق القاهرة. وقالت تقارير إنه «لم يعد هناك متسع لموطئ قدم إضافي في ميدان التحرير أو في محيط الاتحادية». وامتلأت عدة شوارع وميادين في الإسكندرية كذلك بحشود من المتظاهرين، فيما نزل الآلاف إلى الشوارع في 10 مدن أخرى في الدلتا وفي صعيد مصر هي منوف والمحلة وطنطا والمنصورة والسويس وبورسعيد وأسوان والزقازيق والفيوم وأسيوط وسوهاج. وبدأ المتظاهرون بالتدفق منذ صباح أمس على ميدان التحرير قبل أن تبدأ المسيرات عصراً من عدة أحياء في اتجاه الميدان وقصر الاتحادية. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لمرسي ولجماعة الإخوان المسلمين من بينها خصوصاً «ارحل.. ارحل» و»يسقط يسقط حكم المرشد» و»مرسي باطل» كما رفعوا بطاقات حمراء.
وانضم اثنان من قادة جبهة الإنقاذ الوطني هما محمد البرادعي وحمدين صباحي إلى مسيرتين متجهتين إلى ميدان التحرير.
ونظمت مجموعة من ضباط الشرطة مسيرة في اتجاه ميدان التحرير بمشاركة وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين.
كما خرج مثقفون مصريون في مسيرة من مقر وزارة الثقافة في حي الزمالك وسط القاهرة حيث يعتصمون منذ 3 أسابيع في اتجاه ميدان التحرير وكذلك نظم المحامون والصحافيون مسيرتين مماثلتين من مقري نقابتيهما إلى الميدان. وانتشرت قوات الجيش والشرطة لحماية التظاهرات والمنشآت الحيوية ومؤسسات الدولة، كما كانت مروحيات عسكرية تحلق فوق مناطق التظاهر في إطار تأمين أسطح البنايات تحسباً لوجود أي قناصة، بحسب قنوات التلفزيون المحلية.
ويواصل مؤيدو الرئيس المصري من جهتهم اعتصامهم أمام مسجد رابعة العدوية بمنطقة مدينة نصر بشرق القاهرة معلنين إصرارهم على الدفاع عن «شرعية مرسي» إلا أن هذا الاعتصام توارى خلف الأعداد الكبيرة للمعارضين واتساع النطاق الجغرافي لتظاهراتهم. وأعلنت الشرطة المصرية القبض على عدة أشخاص وبحوزتهم أسلحة في القاهرة والإسكندرية والسويس والسلوم.
وفيما أدت الاشتباكات بين الطرفين إلى سقوط 8 قتلى من بينهم مواطن أمريكي الأسبوع الماضي، قتل 4 أشخاص وأصيب العشرات في صدامات الأمس بين أنصار ومعارضي مرسي في مدينة بني سويف وأسيوط جنوب القاهرة، ومحافظات أخرى.
وأكد الجيش أنه يبقى ضامناً للاستقرار في البلاد وحذر وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي الأحد الماضي من أن القوات المسلحة قد تضطر للتدخل «لمنع اقتتال داخلي». وأعلنت «تمرد» أنها جمعت أكثر من 22 مليون توقيع على استمارتها المطالبة بسحب الثقة من الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فيما قالت حملة «تجرد» المؤيدة للرئيس المصري أنها جمعت 26 مليون توقيع يؤيد استمرار مرسي في الحكم دعماً للشرعية. ودعا المتحدث باسم «تمرد» محمود بدر ملايين الموقعين على استمارة «تمرد» إلى النزول إلى الشارع، مؤكداً أن تواقيعهم لن تكون لها قيمة كبيرة «بدون تظاهرات واعتصامات وعصيان مدني» في إشارة إلى التصميم على البقاء في الميادين حتى تحقيق الهدف من الحملة. وتزامن انتشار حملة تمرد مع تصاعد الغضب الشعبي في البلاد الذي غذته أزمة اقتصادية متفاقمة انعكست على الحياة اليومية للمصريين في صورة ارتفاع في الأسعار وانقطاع متكرر للكهرباء وأزمات في الوقود. وبث محمد البرادعي شريط فيديو قصيراً دعا فيه المصريين إلى المشاركة في التظاهرات «السلمية»، وطالب الرئيس مرسي بـ «الاستماع إلى صوت الشعب الذي يريد انتخابات رئاسية مبكرة».
وصباح أمس صدرت صحيفة «التحرير» القريبة من المعارضة وعلى صفحتها الأولى كلمة واحدة بخط عريض «ارحل» بينما عنونت صحيفة الشروق المستقلة «مهلة الجيش انتهت والقوات في انتظار تعليمات السيسي» في إشارة إلى الدعوة التي وجهها وزير الدفاع الأسبوع الماضي بالتوصل إلى وفاق وطني قبل 30 يونيو. وتتهم المعارضة الرئيس مرسي بأنه «فشل» في إدارة الدولة وبأنه يسعى إلى «أخونة» كل مفاصلها كما تتهمه بـ «الاستبداد» منذ أصدر في نوفمبر 2012 إعلاناً دستورياً أثار أزمة سياسية كبيرة في البلاد. ويرد أنصار الرئيس مؤكدين أن المعارضة ترفض احترام قواعد الديمقراطية التي تقضي بأن يستكمل الرئيس المنتخب مدته الرئاسية، متهمين إياها بأنها تريد «الانقلاب على الشرعية».
وتعرض المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة لهجوم بزجاجات مولوتوف من قبل مجهولين، بحسب مشاهد بثتها قنوات تلفزيون محلية.
وأصيبت الحركة بين مختلف محافظات مصر بحالة من الشلل التام، بعد قيام المتظاهرين المناهضين لجماعة «الإخوان المسلمين»، بقطع الطرق الرئيسية، في الوقت الذي يشهد فيه مطار القاهرة ما وصفت بـ «أكبر عملية إجلاء للرعايا الأجانب»، تحسباً لوقوع أعمال عنف بين معارضي ومؤيدي الرئيس محمد مرسي.
من جهته، دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، جميع المصريين إلى التوحد خلف كلمة واحدة وعدم الانقسام، وقال خلال كلمة ألقاها من منزله في القاهرة، مساء اليوم، ونقلت إلى المعتصمين بميدان رابعة العدوية، المؤيدين للرئيس «لا نريد أن ننقض عهود الله ومواثيقه، لا بد من بناء بلادنا مصر العظيمة»، معتبراً أن «الرئيس ليس معصوماً، وكل الناس تخطئ وتصيب، كما إن من حقنا كشعب أن نصوب خطأ مرسي ونحاسبه». وشدد القرضاوي على ضرورة أن «يستمع مرسي إلى الجماهير المعارضة» مضيفاً «سأعلن عصياني على الرئيس إن لم يسمع للنصيحة».
من جانبه، أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن قلقه إزاء الاضطرابات في مصر ودعا نظيره المصري إلى حوار «بناء» أكثر مع المعارضة.
وقال أوباما في مؤتمر صحافي في بريتوريا «نحن نتابع الوضع بقلق»، موضحاً أن الحكومة الأمريكية اتخذت إجراءات لضمان أمن سفارتها وقنصلياتها وموظفيها الدبلوماسيين في مصر، مضيفاً «ندعو كافة الأطراف إلى العمل على عدم التورط في العنف والشرطة والجيش إلى التحلي بضبط النفس الملائم».
كما طلب أوباما من مرسي أن يجري «حواراً بناء أكثر» مع المعارضة لتحسين الوضع في البلاد، مؤكداً أن واشنطن دعمت باستمرار الديمقراطية في مصر لكن «كان الأمر صعباً لأنه لا توجد تقاليد ديمقراطية في مصر».