نفى تربويون تراجع المستوى المعرفي والتحصيلي للطلبة نتيجة تطبيق استراتيجية «الثقافة العددية»، لافتين إلى أن صعوبات تطبيق المنهج متوقعة ومؤقتة، وأن هناك مؤشرات على تحسن الأداء لا العكس. ووجد التربويون وأولياء الأمور تطوراً نوعياً في مناهج الرياضيات وطرائق تدريسها، عبر معالجة المسائل الرياضية باستخدام العصف الذهني وربط هذه المسائل بمفردات الحياة وتفاصيلها. وقال تربيون إن الوزارة استأنست بتجربتي أستراليا ونيوزلندا قبل تطبيق الاستراتيجية، وأعدت 30 مدرباً لتولي مهمة تعليم أولياء الأمور على طرائق التعامل مع المنهج الجديد، ونظمت عدداً من ورشات العمل التطبيقية في هذا المجال.
تطوير المهارات
ورداً على ما تداولته الصحافة المحلية حول مشروع «الاستراتيجية العددية»، استطلعت وزارة التربية آراء عدد من المختصين والمعنيين بهذا المشروع، لاستكمال الصورة وتوضيح أهداف المشروع في تطوير طرائق تدريس مناهج الرياضيات.
وقالت إنها تبنت مشروع استراتيجية «الثقافة العددية» ضمن مشروعات تطوير التعليم بالمملكة، عادة الاستراتيجية مشروعاً مهماً في مجال تعليم الرياضيات وتعلمها. وأضافت أنها اهتمت بتنفيذ التطبيق الجديد ضمن برنامج تحسين أداء المدارس، إيماناً بأهمية تطوير أداء الطلبة في الرياضيات، بما يمكنهم من تحقيق نتائج مميزة في الامتحانات الوطنية على الصعيد المحلي، والمنافسة وتحقيق مستوى متقدم للبحرين في المسوحات الدولية TIMSS.
وعرفــت «الثقافة العددية» بأنهــا مهارة أساسية، فإن يكون الطالب مثقفاً عددياً يعد أمراً ضرورياً من أجل النجاح في المدرسة، والإعداد للمراحل الدراسية اللاحقة وعالم العمل، والإلهام الإيجابي في المجتمع، وأن يصبح الطالب مواطناً مسؤولاً، لافتة إلى أن الثقافة العددية لا تعني مجرد تعلم الأعداد، بل جميع جوانب الرياضيات الأخرى مثل الجبر والقياس والهندسة وتحليل البيانات.
طرائق التدريس وأكدت الوكيل المساعد للمناهج والإشراف التربوي الشيخة لولوة بنت خليفة آل خليفة، أن استراتيجية الثقافة العددية للبحرين انطلقت في جميع المدارس الابتدائية اعتباراً من سبتمبر 2013، وهي تركز على الارتقاء بمعايير الرياضيات، وتسعى للارتقاء بأداء الطلبة من خلال تحسين نوعية التعليم والتعلم والتقويم وتخطيط المنهج في المدارس.
وأوضحت أن الاستراتيجية الجديدة من شأنها إحداث عدد من التغيرات الأساسية في طرائق تدريس الرياضيات في المدارس الابتدائية، باستعمال مجموعة أوسع من الطرائق، ومساعدة الطلبة على فهم ما يتعلمونه ودمجهم بصورة أكثر فعالية في دروس تنطوي على نسبة عالية من العمل الذهني والشفوي، وتفعيل حالة من النقاش بين المعلمين والطلبة وبين الطلبة أنفسهم.
وأضافت «هذا سيكون جزءاً أساسياً من دروس الرياضيات، حيث يشجع المعلمون الطلبة على الإجابة على أسئلة لعمل استقصاءات وشرح وتوضيح أفكارهم وتبريراتهم للآخرين، وخلافاً لتدريس الطلبة بالطرائق التقليدية، فإن المعلمين يقدمون للطلبة المسائل الرياضية نفسها، ويحثوهم على إيجاد طرائقهم الخاصة لحلها، ويساعدوهم على معالجة المسائل الرياضية بطرائق متعددة».
وأكدت أنه لا توجد طريقة واحدة لحل المسألة، بل طرائق متعددة، وهذا ينعكس في النهاية على سلوك الطالب في الحياة، مشيرة إلى أن المشروع يساعد المعلمين على تحسين فعالية طرائقهم، بحيث يتعلمون اختيار أفضلها واستعمالها بدقة وفعالية، ويشجع على شرح ومناقشة طرائق الطلبة في حل المسائل.
ولي الأمر شريك
من جانبه بين مدير المناهج خالد الخاجة، أن الوزارة -ومذ تبنت المشروع- تعمل على تمكين المعلمين من طرائق التدريس الجديدة لاستيعاب الهدف من الاستراتيجية، وقال «قد يجد البعض صعوبة في البدايـــة، خصوصاً أن المعلمين يتفاوتون في تجاربهم وتمكينهم المعرفي حول الثقافة العددية ومتطلباتها المنهجية».
وأضاف «لذا تعمل الوزارة منذ فترة على معالجة هذا الجانب من خلال ورش تدريبية مكثفة وجلسات تمهن في المدارس»، آملاً أن تؤدي الورش إلى تحسن ملموس بأداء المعلمين داخل الشعب الصفية.
وأردف «العديد من أولياء الأمور لا يتجاوبون بالشكل المطلوب مع دعوات المشاركة في الورش المخصصة لشرح الاستراتيجية، خصوصاً أن نجاح أي مشروع من هذا النوع يحتاج لدعمهم وشراكتهم، وتقديم الدعم والمساندة لأبنائهم»، لافتاً إلى أن الوزارة تسعى دوماً لتقديم الدعم للمعلمين في الميدان، ولأولياء الأمور من خلال ورش عمل بالمدارس والأنشطة الأخرى المعززة.
30 مدرباً
من جهتها شرحت رئيس قسم العلوم والمواد التقنية بإدارة الإشراف التربوي هند الجودر، كيفية استعداد الوزارة للمشروع، وقالت «قبل التطبيق درست الوزارة استراتيجيات مشابهة من دول أخرى، وهي من أفضل الدراسات الدولية في مجال التدريس الفعال للثقافة العددية»، مشيرة إلى أن مرحلة إعداد الاستراتيجية استغرقت عامين. وأضافت أن وفد وزارة التربية والتعليم زار أستراليا ونيوزلندا واطلع على أفضل الممارسات الدولية في تدريس الثقافة العددية، موضحة أنه تم تأهيل 30 مدرباً من المعلمين والمعلمين الأوائل والمشرفين التربويين لتدريب جميع معلمي الحلقة الأولى والمعلمين الأوائل بالحلقة الأولى، وجميع معلمي الرياضيات بالحلقة الثانية على الثقافة العددية.
وأردفت «جرى أيضاً تدريب المدراء والمدراء المساعدين ورؤساء المدارس، وتوفير خطط دروس تفصيلية لجميع الدروس للصفوف من الأول وحتى السادس الابتدائي، وتزويدهم بجميع الإرشادات والتوجيهات حول كيفية تدريس مادة الرياضيات وتعلمها».
وأشارت إلى أن الوزارة زودت المعلمين بالأدوات والمصادر التفاعلية والعملية، وقدمت دروساً توضيحية لهم من قبل المدربين، ونظمت ورش عمل لأولياء الأمور لتعريفهم باستراتيجية الثقافة العددية، ومعرضاً بمجمع «ستي سنتر» ما بين 23 و29 يونيو 2013 ووزعت أدلة لأولياء الأمور وكتيبات ألعاب للتعريف بالاستراتيجية الجديدة.
صعوبات مؤقتة
وأكدت معلمة الرياضيات بمدرسة بدر الكبرى الابتدائية للبنين إيمان سليمان، أن «استراتيجية الثقافة العددية تجعل الطالب يفكر ويحلل أكثر من ذي قبل، وبدلاً من أن يلقن الطالب أصبح يتفاعل بشكل أكبر أثناء الدرس».
وأضافـــت «كان غياب التفاعل الإيجابـــي للطالب ملحوظاً في المنهج السابق»، مستدركة «اليوم وبعد تطبيق الاستراتيجية تغيرت الصورة، لحظنا تحسناً في أداء الطلبة من خلال الاختبارات القصيرة، ورغم الفروق الفردية بين الطلبة، إلا أن هناك طرقاً مبتكرة كثيرة يختارها الطلبة لحل المسائل الرياضية كل حسب فهمه».
ورأت معلمــــة الرياضيات بمدرســة سبـــأ الابتدائية للبنات أماني عباس، أن هناك صعوبات تواجه المعلمات أثناء تطبيق استراتيجية الثقافة العددية، وقالت «رغم التفاعل الملحوظ للطالبات أثناء الشرح، إلا أن بعض المهارات الثقافية تسبب توتر الطالبات، والحل يكمن بتجزئة هذه المهارات على عدة حصص، بعض الأحيان 60 دقيقة لا تكفي للانتهاء من شرح المهارات المطلوبة، وبالنسبة لمخاوف أولياء الأمور فهي طبيعية، فكل مشروع جديد يثير القلق في البداية»، متوقعة تلاشي هذه المخاوف مع مرور الوقت.
تطور الأداء
وأكد مدرس الرياضيات في المعهد الديني عبدالقادر العوضي، أن هناك تقدماً ملحوظاً في مستوى الطلبة بعد تطبيق الاستراتيجية، مضيفاً «مشاركتهم خلال الحصة الدراسية أصبحت أكثر، بسبب استخدام المعلمين لأدوات تعليمية مثل المروحة والبطاقات والأعواد والمكعبات، ما يجعل الطالب يبدي تفاعلاً أكبر مع الدرس».
واستدرك «هناك صعوبات في طرق توصيل العمليات الحسابية الذهنية للطلبة، بحكم أن المعلمين كانوا يتبعون أساليب تعليمية تقليدية، لكن كل هذه الصعوبات تزول مع الوقت».
وقالت شيخة أحمد ولية أمر طالبين في المرحلة الابتدائية، إن استراتيجية الثقافة العددية جعلت من أبنائها يستخدمون طرقاً جديدة في حل المسائل الرياضية وخصوصاً في عمليات الضرب والقسمة.
وأضافت «أصبحت لديهم ممارسة وتطور في المستوى التفكيري، فهي عبارة عن عملية عصف ذهني للطالب يسترجع خلالها كل مهاراته في الرياضيات من أجل استخدام الأسلوب الأنسب في حل المسألة، فهذه الاستراتيجية لا تركز على المحتوى بل على مدى تركيز الطالب وفهمه لطرق الحساب».