تحقيق- يوسف المقهوي: تفتح البحرين دائماً أبواب التعاون الخليجي على مصراعيه في الكثير من الأمور، وفي مقدمتها المحور الاقتصادي، فالقوانين والأنظمة التي شرعتها المملكة لتسهيل عملية الاستثمار الخليجي تعد الأفضل بحسب بعض الاقتصاديين، وهي التي جعلت المملكة جاذبة للاستثمار. لكن هناك إجراءات روتينية تواجه المستثمر تتعلق بالوزارات الخدمية التي هي لاعب رئيس وواجهة تعكس مدى تعاون أي دولة لجذب الاستثمار. ويتفق الجميع على أن هذه الوزارات لها دور في رسم الاستثمار أو الإقبال على المملكة للاستثمار فيها، ولكنها مثقلة بإجراءات بيروقراطية تعرقل الوصول إلى الهدف. ولا ننسى أن الاستثمار الخليجي ركيزة أساس في فتح بوابة العبور نحو الاتحاد الخليجي، فالكيان الواحد له ركائز عدة والمحور الاقتصادي أهمها. استقطاب الاستثمارات الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري أكد أن قوانين مملكة البحرين بالنسبة للاستثمار الخليجي ميسرة وسخية، بل هي أفضل منها في دول الخليج العربي كافة، وأن المملكة تعد من أكثر الدول انفتاحاً حتى عالمياً، ولكن المشكلة ليس هناك من يتعامل بالمثل، وقال: على الرغم من وجود القوانين والتسهيلات إلا أننا نجد أن حجم الاستثمارات لا يتلاءم مع حجم الانفتاح، لأن الاستثمارات تذهب إلى أماكن أخرى في الخليج لأسباب سياسية أو استراتيجية، ولكن تبقى ميزة استقطاب الاستثمارات من خارج البحرين، كما إنني أرى أن مستوى جذب الاستثمار الخارجي ليس بمستوى طموحاتنا وانفتاحنا الاستثماري. البيروقراطية البحرين بحسب موقعها الجغرافي وطبيعتها جاذبة للاستثمار، والاستثمار يحتاج إلى ترويج وجذب، وعند هذه المسألة توقف جعفري، وقال: إن البحرين تحتاج إلى معالجة أسلوب جذب المستثمرين وطريقته والترويج له أيضاً، فالمشكلة عندما تكون طريقة الترويج وأسلوبه لا تتلاءم مع نوعية الاستثمارات المطلوبة في البحرين. وأشار جعفري إلى أنه بالرغم من وجود القوانين الميسرة إلا أن هناك عرقلة داخلية تتمثل في غياب الترابط بين الهيئات والوزارات في الدولة، فهي تصطدم بالبيروقراطية الشديدة، وقال: هناك استثمارات جاءت إلى البحرين بقوة وحماس، ولكنها هاجرت وخرجت قبل أن تبدأ بسبب هذه العراقيل، ونحن في هذا الأمر على خلاف دبي، التي يوجد فيها رعايا للاستثمارات الخارجية، فمن يدخل دبي للاستثمار لا يفكر في الخروج لأن الدولة تحتضنه، كما إن العرقلة تصل في بعض الأحيان إلى أننا نتوجه إلى القيادة العليا من أجل تسهيل الأمور، لماذا نحتاج إلى ذلك، إذا كان هناك قانون واضح يعتمد عليه فلماذا نطلب من القيادة التدخل؟. وفي معرض حديثنا عن الاستثمار الخليجي لابد من ربط الموضوع بالاتحاد الخليجي، وهنا أشار جعفري إلى أمور عدة، وقال: إن الاستثمار الخليجي بوابة الاتحاد الخليجي، بغض النظر عن السلبيات، ولكن الإيجابيات تصل إلى 99%، من ضمنها تدوير الاستثمارات في دول الخليج، وللعلم ليس هناك أمن للاستثمار وفرته دول العالم بقدر كما وفرته دول الخليج العربي، لذلك يجب سحب استثماراتها وتركيزها في دولنا. وبما أن الحديث عن الاستثمار يفتح الكثير من الآفاق، فإن إحدى المشكلات التي يحلها وجود الاستثمار هي البطالة، ولكن جعفري له كلام مختلف في هذا الموضوع، إذ قال: إن البطالة ليست مشكلة في البحرين، وليست هناك مشكلة في توفير فرص عمل، نحن نريد الاستثمارات لنمو الاقتصاد إجمالاً وليس لتوفير فرص العمل، البطالة في البحرين تمثل نسبة 3,6%، وللعلم فإن 2% من هذه البطالة هي مرحلية وتتمثل في خريجي الجامعات، لأن هناك مدة بين التخرج والإحلال، فحقيقة البطالة تكمن في 1,6%، ولكن إذا ما قارنا البحرين بدول أخرى نجد الفرق واضحاً، ففي إسبانيا نسبة البطالة 20%، وفي أوروبا 11%. وختم جعفري: في البحرين هناك 600 ألف وظيفة، 150 ألف وظيفة في يد البحرينيين، بما معناه 4 وظائف لكل بحريني، والوظائف الموجودة في البحرين تكفي لـ18 سنة مقبلة، إذن الوظائف موجودة، وما نحتاجه هو إيصال البحرينيين إلى هذه الوظائف، كما إننا نحتاج إلى معالجة مسألة الرواتب. البنية التحتية الأساسية من جانبه، أشار إبراهيم زينل النائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة إلى أن الوحدة الاقتصادية هي مقدمة وأساس لأي وحدة خليجية، وقال: إن الخطوة الأولى لأي وحدة أو اتحاد يجب أن تبدأ بالوحدة الاقتصادية، فمتى ما تم تطبيقها من خلال المصالح المشتركة أدت إلى المزيد من التعاون والتلاحم. أما بالنسبة للاستثمار الخليجي ومدى ملاءمة قوانين المملكة وأنظمتها لكسب المزيد منها، فأوضح زينل أن البحرين لا تنقصها القوانين، وقال: إن القوانين الحالية تشجع على الاستثمار، ولكن ما نحتاجه توفير البنية الأساسية، وأهمها الأراضي الصناعية المكتملة الخدمات مثل الكهرباء والماء، فهذه الأمور تشجع على جذب الاستثمار، ولا يفوتني هنا أن أذكر أن الفترة الأخيرة شهدت إنشاء وزارة التجارة والصناعة مناطق صناعية عدة، وهذا الأمر يريح المستثمر. وأضاف زينل: أن البحرين في مقدمة الدول التي لديها نظام جيد في تسجيل الشركات، ولكن بعض الإجراءات المتعلقة بالخدمات تحتاج إلى تسريع عجلة دورانها، فعلى سبيل المثال، تحتاج خدمات البلديات وشهادات البناء، وتوصيل الكهرباء والماء إلى علاج، والمستثمر يحسب الوقت، كما إن لجذب الاستثمار انعكاساته الإيجابية بطبيعة الحال، وهذا الأمر يتطلب دراسة وافية، فعلى سبيل المثال الارتقاء بدخل الفرد. وأشار زينل إلى أن زيادة المشاريع يؤدي إلى توفير فرص عمل للأجيال المقبلة بدخل أفضل، وقال: يجب علينا أن نعمل لتثبيت الأمن والاستقرار لأن الاستثمار يحتاج إلى بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، ولا يمكن أن تخلق جواً استثمارياً جاذباً من دون الأمن والاستقرار. تعثر التطبيق النائب عبدالحكيم الشمري أشار إلى أن البحرين كانت ومازالت من أوائل الدول التي تطبق القرارات الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس التعاون بما يقره قادة دول مجلس الخليج العربي، وقال: كان لذلك التطبيق ثمرة جذب للكثير من الاستثمارات الخليجية إلى مملكة البحرين لرفد التطوير العقاري والصناعي والتعليمي، ونجد أن الكثير من المستثمرين في المجلس أنشأوا بنوكاً ومشاريع عقارية بمشاركة رؤوس أموال بحرينية في البحرين. وأضاف الشمري: أن الأنظمة التي شرعت وأقرت موجودة ولكن عملية التطبيق يشوبها بعض التعثر خاصة مع الوزارات الخدمية مثل وزارة البلديات والزراعة، ووزارة الصحة ووزارة الأشغال، نظراً لوجود تفاصيل كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء إقرار هذه المشاريع. الشمري لا يلتمس العذر لهذه الجهات في التأخير، وذلك لأننا دول متقدمة ومنفتحة، أنظمتها شفافة يجب أن تطبق بنحو واضح وسريع منعاً لنشوء أي نوع من الفساد الإداري أو استخدام نفوذ فوق القانون لتطبيق تلك الأنظمة وتسهيل عمل هذه المشاريع وإقامتها. وربط الشمري بين فكرة الاتحاد الخليجي وبين الحديث عن الاستثمار الخليجي، وقال: إن البحرين اليوم من أقوى الدول المساندة لهذا الاتحاد الذي يخدم المصالح العليا لدول الخليج العربي ومنها البحرين، والاتحاد الخليجي لا يمكن أن يكون فاعلاً على المستوى الدفاعي فقط، بل يجب أن يكون مكملاً لجميع المحاور، ومنها المحور الاقتصادي الذي يشكل أهمية كبرى بالنسبة للقيادات السياسية وقيادات القطاع الخاص. وانتقل الشمري إلى البطالة، التي وصفها بأنها غير حقيقية في دول مجلس التعاون الخليجي، لأنها ناتجة عن سوء تخطيط في مجال القوى العاملة، وقال: إن بإمكان المختصين تفعيل الدراسات والخطط التي رصدت وأقرت للاستفادة من الطاقات الخليجية في قطاع الشباب، ولدينا في البحرين تجربة ناجحة في معالجة مشكلة البطالة، إذ رصدت موازنات ضخمة لتدريب الشباب وتأهيلهم للدخول إلى سوق العمل، مما مكّن البحرين من المحافظة على نسبة متدنية من البطالة مقابل نظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى ذلك أصبح العاطلون في البحرين يتمتعون بالتأمين ضد التعطل.