كتب - علي الشرقاوي:
إن كاتب الأطفال في أي بقعة من بقع العالم ، يعتبر قطعة ذهبية نادرة، لأن الكتابة للأطفال تحتاج من الكاتب أن يحاول العودة إلى الطفل الداخلي الذي ابتعد عنه بعد مرحلة الطفولة والصبا. والصديق والكاتب البحريني الكبير خلف أحمد خلف واحد من هذه القطع الذهبية النادرة، والذي ساهم مساهمة كبيرة في إثراء الساحة القصصية الطفلية، والمسرح الطفلي بالعديد من الأعمال المهمة في حركتنا المسرحية. وقبل عدة أيام استلمت نسخة من الصديق الكاتب من كتابه الجديد (وديعة الأمل) الصادرة عن الهيئة العربية للمسرح، ضم بين دفتيه أربعة نصوص للمؤلف البحريني خلف أحمد خلف. حملت النصوص الأربعة عناوين «العفريت، وطن الطائر، ثعلوب الحبوب، النملة والأسد».
وتفردت «ثعلوب الحبوب» من بينها كونها موجهة للطفل في سن ما قبل المدرسة. وقد اختار المؤلف الذي قدم العشرات من النصوص والأعمال الموجهة للطفل عنوان وديعة الأمل للمجموعة ليعني ضمن ما يعنيه «تجاوز إصدار المجموعة لطموح الكاتب المشروع في توثيق جميع مساهماته في حقل الكتابة لمسرح الأطفال، وحفظه من الضياع والنسيان، إلى طموح أن يكون هذا الإصدار وديعة للمستقبل، لعل وعسى أن تتاح لهذه المسرحيات فرصة إعادة إخراجها برؤى مغايرة وبإمكانات متطورة بمغايرة الأشخاص وتطور الزمن، وأن يشاهدها حفيداي فضل وأحمد وسواهما من أحفاد الأصدقاء، لعل وعسى كذلك أن تنال هذه المسرحيات ما تستحقه من دراسة ومراجعات نقدية».
هموم كاتب الأطفال
إن القاص البحريني خلف أحمد خلف يرى أن التعاطي مع التراث والأسطورة وتوظيفهما في أدب الأطفال يأتي عن قناعة من الأفكار التي تشغل الكاتب. كما حدث له من اهتمام جدي بموضوع القيم. يوضح خلف وجهة نظره بقوله: «عندما بدأت الكتابة للطفل لم أبدأها بشكل منهجي وإنما كنت أكتب بوحي من فكرة قصة أو موضوع . وأتذكر أني كتبت مسرحية في ضوء حكاية مصباح علاء الدين في ألف ليلة وليلة وهي موجودة ضمن كتب اتحاد الكتاب العرب وهي تعالج موضوع الأسطورة. وما بين كتابتي لتلك المسرحية وبين اليوم تغيرت رؤاي إلى ضرورة انتهاج العلم والتعامل بصورة مختلفة مع الأسطورة في إعادة صوغها وكتابتها. فأنا أرى أن القصص التراثية والخرافية ذات منبع واحد ولكنها تختلف من بلد إلى آخر بحسب ظروف ومعتقدات كل شعب؛ سندريلا مثلاً تقابلها حكاية سويرة ولها الحكاية نفسها من إيذاء زوجة الأب فهي موجودة بصيغ مختلفة وكل ذلك يقدم وحدة للفكر الإنساني». ومنوهاً بالجهود الكبيرة التي قام بها كتاب الطفل في البحرين بهذا الخصوص يضيف خلف: «الحقيقة أن الكتاب البحرينيين كانت لهم إسهامات بارزة في هذا المجال. وأتذكر أنه في العام تمت طباعة مجموعة من قصص الأطفال من قبل وزارة الإعلام في قطر إذ تمت الإشادة بها من كتاب خارج المنطقة واعتبروها من أجمل ما كتب. إلى درجة تعليق بعض الأساتذة بقوله إن البحرين تكتب وقطر تنشر والخليج يقرأ. وتلك التجارب بحاجة ماسة إلى تسليط الأضواء النقدية عليها في وقت كان يشهد فيه مسرح أوال موسماً حافلاً بالأعمال الخاصة بالطفل بالتعاون بين الكتاب مثل خلف أحمد خلف والفنان خالد الشيخ والشاعر علي الشرقاوي».
ويرى خلف أن التعاطي مع التراث والأسطورة وتوظيفهما في أدب الأطفال يأتي عن قناعة من الأفكار التي تشغل الكاتب. كما حدث له من اهتمام جدي بموضوع القيم. يوضح خلف وجهة نظره بقوله: «عندما بدأت الكتابة للطفل لم أبدأها بشكل منهجي وإنما كنت أكتب بوحي من فكرة قصة أو موضوع . وأتذكر أني كتبت مسرحية في ضوء حكاية مصباح علاء الدين في ألف ليلة وليلة وهي موجودة ضمن كتب اتحاد الكتاب العرب وهي تعالج موضوع الأسطورة. وما بين كتابتي لتلك المسرحية وبين اليوم تغيرت رؤاي إلى ضرورة انتهاج العلم والتعامل بصورة مختلفة مع الأسطورة في إعادة صوغها وكتابتها. فأنا أرى أن القصص التراثية والخرافية ذات منبع واحد ولكنها تختلف من بلد إلى آخر بحسب ظروف ومعتقدات كل شعب؛ سندريلا مثلاً تقابلها حكاية سويرة ولها الحكاية نفسها من إيذاء زوجة الأب فهي موجودة بصيغ مختلفة وكل ذلك يقدم وحدة للفكر الإنساني».
ومنوهاً بالجهود الكبيرة التي قام بها كتاب الطفل في البحرين بهذا الخصوص يضيف خلف: «الحقيقة أن الكتاب البحرينيين كانت لهم إسهامات بارزة في هذا المجال. وأتذكر أنه في العام تمت طباعة مجموعة من قصص الأطفال من قبل وزارة الإعلام في قطر إذ تمت الإشادة بها من كتاب خارج المنطقة واعتبروها من أجمل ما كتب. إلى درجة تعليق بعض الأساتذة بالقول إن البحرين تكتب وقطر تنشر والخليج يقرأ. وتلك التجارب بحاجة ماسة إلى تسليط الأضواء النقدية عليها في وقت كان يشهد فيه مسرح أوال موسماً حافلاً بالأعمال الخاصة بالطفل بالتعاون بين الكتاب مثل خلف أحمد خلف والفنان خالد الشيخ والشاعر علي الشرقاوي».
للأسطورة حضورها
من جهته كتب المهتم بأدب الأطفال القاص والصحفي جعفر الديري موضوعاً حول الأسطورة وقصص الأطفال وقال الديري: إن الجمع بين التراث والأسطورة معادلة سهلة فالأسطورة تشكل جانباً مهماً من تراث الشعوب. فلكل شعب أساطير تكونت بفعل مؤثرات أخرى درج عليها أبناؤها فأحالوها خلقا من كثرة تردادهم. والتراث الذي يحفظ كل شيء لابد من أنه جعل للأسطورة مكانة كبيرة وحيزاً واضحاً فيه، حيزاً لم يقف عند حدود الترداد فقط وإنما استحضار هذه الأسطورة في أعمال أخرى ربما توجهت للبالغين أحياناً وربما توجهت للأطفال تارة أخرى. وبما أن الكتابة للطفل في الوطن العربي جاءت متأخرة عن نظيراتها من الدول الغربية فمن الطبيعي أن يكون استلهامها للأسطورة وللتراث الشعبي متأخراً هو الآخر مع أنه تراث غني بالحكايات والأساطير. والآن يقف هذا السؤال يلتمس إجابة شافيه عليه؟ ما هو حظ الأطفال في البحرين من هذا الاستلهام؟ هل سعى كتابنا إلى استلهام الأسطورة والموروث الشعبي في نتاجهم للأطفال؟ وهذا التراث نفسه هل عني بالطفل وأفرد له أهمية في التخاطب معه؟.
تناول مختلف
وأستعرض جعفر الديري جملة من آراء أدباء وقصاصين بحرينيين، حيث يؤكد الكاتب والمتخصص في أدب الأطفال إبراهيم سند يؤكد أن الأسطورة والتراث حاضران ضمن اهتمام الكاتب البحريني وأن التراث بما فيه من أساطير وحكايات جزء لا يتجزأ من اهتماماته ولكن بلحاظ أن يكون هذا التناول ملائماً لروح العصر وللجوانب التربوية. يقول سند: «تناول التراث أو الأسطورة موجود لدى الكتاب البحرينيين فهم يعلمون أن الحكايات الشعبية تنتقل بشكل شفاهي وتستخدم كوظائف تربوية ودينية واجتماعية لكن ككتابة متخصصة لم تستغل بشكل واضح على مستوى الوطن العربي وإنما جاءت من فترة قريبة نسبياً. لكن من المهم الالتفات هنا إلى أن هذا التراث والأسطورة يحتاج إلى تناول تقني حديث يختلف عن العناصر السابقة فتناول الخرافة اليوم يجب أن يكون بلحاظ القضايا التربوية، فمن الصعب أن أقدم الأسطورة كما كانت تقدم بالأمس أو كما هي عليه في جو خرافي مليء بالعنف مع أن هناك بعض الكتاب ينادي بتقديم الخرافات كما هي من دون أي تغيير وهذه مدرسة من مدارس التراث ولكنني أختلف مع هذا التوجه لأن الطفل عقله وتفكيره يستقبل كل المؤثرات ومن الممكن أن يعيش في جو من الخوف والقلق تضر بنموه وتفكيره. فلابد إذاً من استيعاب هذا التراث وتلك الأسطورة حتى يكون الكاتب قادراً على كتابته بشكل جيد. كما نلمحه في بعض قصص خلف أحمد خلف وفي استخدم المسرح الشعبي لدى مسرح علي الشرقاوي وعبدالقادر عقيل».
ومقارناً بين التناول الحديث للتراث والأسطورة وبين اهتمام هذا التراث بالطفل ومراعاته لمراحله المختلفة يقول سند: «لو رجعنا إلى التراث الشعبي البحريني لوجدناه اهتم بصورة كبيرة بموضوع الطفل منذ التنشئة، ويتمثل ذلك في الكثير من الموروثات في الألعاب في أغنيات الطفل الشعبية، في أغنيات المهد والترقيص، وتم توزيعها ضمن منظومة زمنية لحياة الطفل، فكل فترة لها حاجات تربوية ونفسية. ولو لاحظنا من يقوم بتأليف تلك الأغنيات فسنجد أنه كان يهتم بصوغ واختيار هذه النوعية المميزة من الأغنيات. ولو انتقلنا إلى الأغنيات الخاصة بالطفل لوجدناها ترد لتعبر عن حاجات للأطفال وتعبر عن مكنوناتهم واحتياجاتهم الاجتماعية. ولا ننسى تأثير قصص ألف ليلة فهو كتاب مشهود له بالتأثير على مستوى التراث العربي غير أنه تظل هناك مادة صعبة حين نتناول هذه الحكايات الشعبية على مستوى الكتابة كقصة».
تنمية خيال الطفل
بينما ترجع المعنية بالطفل البحريني بهيجة الديلمي هذا الموضع إلى غياب أو قلة الكتاب المختصين بالكتابة عن أدب الطفل فهي ترى أن التراث الشعبي والأسطورة غنيان بما هو قادر على إثارة خيال الطفل لولا أن وجود المختصين قليل في هذا الباب. تقول الديلمي: «هناك قصور واضح في المكتبة العربية فضلاً عن البحرينية بشأن أدب الأطفال. فهي ليست بمستوى الطموح، إذ لا يوجد ليدنا متخصصون في الكتابة للطفل عدا عدد محدود. وليس كل من يكتب للأطفال هو بالضرورة متخصص في أدب الأطفال وذو إلمام بعلم الطفل نفسه، فالكتابة للطفل ليس سهلة وهي أصعب بكثير من الكتابة للبالغين. الأمر الآخر أنه لا توجد لدينا مؤسسات خاصة بالكتابة للطفل أسوة بتلك المؤسسات الموجودة في الدول المتقدمة، فالكتابة للطفل لم تعد جهوداً فردية وإنما هي تخصص مؤسسي يلزم أن يكون كاتب الطفل يمتلك رؤية في التربية والتكنولوجيا، بحيث يكون ما يكتبه محبباً للطفل». وتضيف الديلمي: «أن مجال الأسطورة مجال غني لأن الأسطورة فيها جوانب مثيرة للخيال وتنمي ملكات الطفل وبالتالي القدرة على الإبداع، فالخيال مهم في تهيئة التعليم. ولكنه مفقود لدينا مع أنه في الدول المتقدمة هناك اهتمام كبير به وبتنميته. أتذكر أني في إحدى رحلاتي إلى أمريكا وجدت مدرسة في إحدى الصفوف وأعطت كل واحد من التلاميذ أوراق كارتون بلون كحلي وأعطت كل واحد منهم كأساً من الحليب وطلبت منهم سكب الحليب على الورق. فسألتها عن سبب ذلك فقالت: إن هدف ذلك هو تنمية خيال الأطفال بسؤالهم عما يتصورونه من أشكال. إن ما قامت به المدرسة لا أجده لدينا فهو شيء مفقود فيجب علينا استثمار الأسطورة في إثارة الخيال مع الاحتفاظ بالقيم الاجتماعية التي يجب ألا نعرضها بشكلها المباشر وإنما عن طريق غير مباشر. فالتراث الشعبي ثروة ولكنها ثروة خام هي الأخرى، لذلك لا يمكننا تقديمها بشكلها المباشر البسيط مع وجود الأفلام والمثيرات وإنما يجب تقديمها بصورة عصرية مقبولة للطفل».