أجرى اللقاء - عايدة البلوشي:
يبدو الفائز بالمركز الأول في جائزة البحرين للروائيين الشباب عبد الله إلهامي، شاباً طموحاً جداً، يحمل همّ أمته وثقافتها على كاهله رغم صغر سنه، فهو ورغم عدم توقعه الفوز بالمركز الأول، يداعبه حلم الفوز بجائزة نوبل في مجال الأدب لكي «يضمد شيئاً من جراح أمتنا العربية والإسلامية»، كما هو شأن الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ. إلهامي عبر لـ «الوطن» عن إيمانه بأنه قدم عملاً يستحق الإشادة، وأن الفوز بالجائزة الرائدة على المستوى العربي، يمثل بالنسبة له البداية نحو مشوار أدبي طويل. زوايا كثيرة أضاءها إلهامي، فإلى هذا اللقاء...
كيف انخرطت في عالم الرواية؟
- وهبني الله خيالاً واسعاً .. ومنذ صغري كنتُ أتخيل الأشياء بطريقتي الخاصة، وأغيّر من شكلها بحسب ما يقودني إليه عقلي، فمثلاً كنتُ أكسر الألعاب الصغيرة المهداة إليّ، لأتأكد فقط إن كانت ظنوني حول ما تحتويه بداخلها؛ صحيحة أم لا!. تخيلتُ دوماً المستقبل، الذي تحقق منه الكثير بفضل الله، واعتمدتُ على حاسة الخيال تلك كي أعيشَ عالماً ملائكياً، يفصلني تماماً عن الواقع، ولربما مع مرور الأيام، وزيادة الضغوطات الحياتية، بدأت تضعف تلك الملكة شيئاً فشيئاً.
أما روايتي «العين الورقية»، فتعتبر المدخل الواسع، الذي أعادني لممارسة هوايتي الطفولية، ودخلت ذلك الفن الأدبي من «جائزة البحرين للروائيين الشباب 24 ساعة»، التي استثارتني بمدى تحديها للقدرات الشخصية، وطرح إبداعاتهم في مدة زمنية قصيرة جداً.
وفتحت لي هذه التجربة، آفاقاً واسعة، اكتشفت فيها ما لم أتوقعه من قبل، إذ أني شخصياً منبهر تماماً بمدى انتشار «العين الورقية»، التي تجاوز عدد الروايات المهداة، 300 نسخة، خلال أقل من أسبوع.
«العين الورقية»، لماذا اخترت هذا العنوان؟
- اعتدتُ دائماً أن أبدأ بأي عمل كتابي، من خلال الجسم، ثم أتجه إلى الخاتمة، وبعدها أخطّ المقدمة، وأخيراً العنوان، وذلك رغبةً مني في أن يكمّل العمل بعضه بعضاً، ويصبح بأبهى حلة.
في نهاية الجائزة كان مسمى «العين الورقية» هو ما أملاهُ عليّ حدسي، والذي اكتشفتُ فيما بعد توزيع الرواية، إلا أنه خلق نوعاً من الإثارة والحماس لدى القرّاء، وتنوّعت التفسيرات، فالبعض اعتبر الشق الأول، كنايةً عن الأمل، والثاني كنايةً عن الحلم البسيط المتعلق بالطيران، فيما قصدت أن أعكس عمق الرواية، المترتبة على عين البطل، المتسببة في آلامه، والتي هي العقبة الأولى أمام حلمه، والعلامة التي كان يقف عندها دوماً ليراقب الطائرات في ذهابها وإيابها، وكانت تمثل قدراً معنوياً في عقله اللاواعي.
هل لك أن تحدثنا عن فكرة الرواية؟
- بدايةً .. تحوّل هذا المشروع إلى عمل أدبي ملموس، هو محض خيال لم أكن أتوقعه، فذات يوم حكى لي صديقي مازن عادل عن أحد أصدقائه محمد هشام ( بطل الرواية )، وعن محاولاته المستميتة في إنجاز حلمه، ما استثارني إلى حد كبير، ودفعني للإيمان بالقصة ككل.
ومضت الأيّام إلى ما قبل موعد المسابقة بسويعات، تفرّغت للجلوس مع الشخصية نفسها، وحكى لي عن حياته وتجاربه، وملأت عقلي بها، ودوّنت ملاحظاتي حولها، إلى أن جئت للجائزة في اليوم التالي وأعملتُ خيالي وبدأتُ في حبك أحداث الرواية، لذلك فإنها مقتبسة من قصة واقعية، أُضيفت لها العديد من المواقف، حتى تصبح عملاً ناضجاً مكتملاً. وحاولت تقمّص الشخصية، والتعايش مع واقعها، حتى تصبح حبكات الرواية منطقية، وكثير من القرّاء أكدوا لي بأن الرواية عكست شخصيتي أنا.
كيف كان حجم التحدي الذي دفع بك إلى إنجاز رواية متكاملة في 24 ساعة؟
- مجرد التفكير في الوقت .. بحد ذاته تحدٍ، فاستصعاب المسألة، وحاجة الكاتب إلى نوع من البحث والتقصي، عوضاً عن أن يكتب عملاً يليق بمستويات القراء وتنوع مستوى ثقافتهم؛ جميع ذلك يدفع المرء إلى التمعّن في العمل قبل نشره.
واعتبرتُ الجائزة تحدياً لذاتي وقدراتي، وعليّ أن أبذل قصارى جهدي لإثبات نفسي، إذ إن «الروائيين الشباب» تعتبر بمثابة منافسة على مستوى الثقافة والقدرة الأدبية والكتابية التي يتمتع بها كل مشارك .. لا أكثر، لذلك فإنه لا وقت للتفكير أو البحث، فكلاهما سيرغمان المتسابق على الخروج من المضمار، والتخلف عن البقيّة.
أما بالنسبة لي .. فكان التحدي ينحصر في جانبين مهمين .. الأول: يدور حول صناعة رواية متماسكة من حيث الشخصيات والأحداث والحبكات، والثاني: أن أعكس شخصيتي في هذه الرواية، وأخطّ لوناً مختلفاً خاصاً بي، ما جعلني أنعزل تماماً عن كل ما حولي، وأحصر تفكيري في القصة التي بين يديّ.
كما حاولت الابتعاد عن كل ما هو تقليدي في صياغة المواقف، وتقديم رؤية جديدة، اجتهدت في ألا يتوقعها القارئ خلال حيثيات الرواية. وبرز ذلك ولله الحمد .. في مدى الإقبال الذي لاقاه هذا العمل، والانطباعات المختلفة حيالها.
ما يميز هذه الرواية ؟
- بشكل عام .. قدمت قصة جديدة لم تُطرح من قبل، حاولتُ أن أبتعد فيها عن الإشارة إلى انتماء معين أو معتقد ما، لذلك كان التركيز فقط على وقائع حياة الشخصية التي تلعب دور البطولة.
الرواية أحد فنون الكتابة، فهل حاولت كتابة أنماط أخرى كالشعر أو الخواطر؟
- لي محاولات بسيطة في مجال الشعر .. لكنني أعتبر نفسي متذوقاً وليس صانعاً له، ودائماً ما أعبر عما يجول في خاطري من خلال جمل قصيرة تضم معاني أعمق .. أو هكذا ما أسعى إليه.
وفيما يتعلق بالخواطر، فإني مُحب لذلك النوع من الكتابات، وأمارسه بشكل أو آخر، فكتبتُ يوماً خاطرة بعنوان «كرهتك أكثر مما ينبغي!»، وقدمتها للروائية السورية المعروفة د.هيفاء بيطار، فشجعتني كثيراً بقولها «سأنتظر أعمالك المقبلة، إذ إن قدرتك على الكتابة والسرد والبلاغة رائعة جداً»، وتوقعت لي مستقبلاً جيداُ في المجال الأدبي، ويشاء القدر أن تكون أول «أعمالي المقبلة»، هي «العين الورقية».
ماذا استفدت من هذه الرواية .. ومن التجربة خاصةً؟
- أشعر وكأن الرواية تتحدث عن طموحي وأملي بالحياة وتفاؤلي الكبير بالمستقبل، وذلك ما جعلني أؤمن بها بشكل قاطع، وأستمتع كثيراً في كتابتها. وزادت لدي إيماني بأنه مهما كانت الأسباب والظروف فـ «أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا»، ويوماً ما سيصبح ذلك الحُلم والخيال إلى واقع مُعاش، كما هو الحال مع الرواية تحديداً.
وفيما يخص التجربة .. فإني أتقدم بالشكر الجزيل لسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة على رعايته، ولجريدة الوطن على كونها قدمت نوعاً فريداً من المسابقات، فتحت من خلالها المجال إلى الطاقات الشبابية، التي تبحث عمن يحتضنها ويفسح لها المجال لإبراز مواهبها، فبالنسبة لي؛ كسرت هذه التجربة عقبة الوقت، التي نعوّل عليها كسلنا وإهمالنا المستمر، بل وإنها خلقت بيئة مغايرة تماماً لما اعتدنا عليه، ما دفعنا جميعاً لاستغلالها وشحذ الهمة للوصول إلى النهاية.
هل توقعت الفوز والحصول على المركز الأول؟
إيماني الكبير بالعمل الذي قدمته، شجعني إلى أن أتوقع بلوغ أحد المراكز الأولى، وكُنت أخشى كثيراً ألا أكون الأول، خصوصاً مع وجود لجنة تحكيم بها رموز أدبية كبيرة، مثل الروائي أمين صالح، والأكاديميتين د.ضياء الكعبي، و د.أنيسة السعدون.
ولكني كنتُ متردداً كثيراً، بل وأحاول أكثر أن أتحاشى توقع الحصول على المركز الأول .. لذلك كنت أرغم عقلي على تغاضي التفكير في نتائج الجائزة، حتى لا أصدم فيما بعد بالواقع، وكنتُ أدعُ الله خفيةً ألا أكون المركز الثاني أو الثالث!.
هل ارتبط فوزك بعملك في مجال الصحافة؟
بداية كان لدي صراع من أن يكون التحكيم بالنسبة لي خصوصاً .. أقسى من المشاركات الأخرى، بسبب النقطة التي ذكرتها!، كما إنه قد تستبعد مشاركتي لكوني أحد أفراد الجهة المنظمة للجائزة، رغم انفصال اللجنة التنظيمية تماماً، عن الأقسام التحريرية التي أعمل بها.
وكم تضاعفت سعادتي حينما اكتشفت في حفل الختام بأن لجنة التحكيم المتكتم على أعضائها، تضم شخصيات مميزة على الصعيد الأدبي من بينها القامة الكبيرة أمين صالح، وتضم كذلك د.ضياء الكعبي ود.أنيسة السعدون، ما زاد من قناعتي بأنهم لن يضروا بمكانتهم العليمة في مقابل التحيز لأحد المشاركين، خاصة وأن رئيس الجائزة أخبرنا في الاجتماع المسبق للجائزة، بأن المشاركات ستعرض على لجنة التحكيم مرقمة، ودون أسماء مؤلفيها، ولم يعلم أحد بأعضاء اللجنة إلا في الحفل الختامي.
ما انطباعك حيال الجائزة عموماً؟
اختيار المكان كان مميز جداً، فوجودنا كمشاركين بحلبة البحرين الدولية، كان دافعاً رئيساً للعزلة عن كل المؤثرات المحيطة.
والجميل كذلك، وجود ذلك التنوع في شخصيات وعقليات المشاركين، والذي انعكس على مواضيع مشاركاتهم، ما زاد من صعوبة توقع الأعمال الفائزة.
كما إن سعادتي كبيرة جداً بأن أعلن عن تحوّل الجائزة لتصبح على المستوى الخليجي، وأتمنى أن تتحول إلى العالمية، وتصبح محطة لالتقاء الأعمال الشبابية حول العالم.
وأتوقع أن القريب جداً سيكشف النقاب عن إبداعات شبابية في هذا المجال خصوصاً، وستصبح الساحة البحرينية سوقاً روائياً محلياً مزدحماً، يضم في طياته العديد من الأعمال الروائية الشابة.
هل بمقدورك التوفيق بين الجانب الأدبي والمهني والأكاديمي؟
- (ما جعل الله لرجلينٍ من قلبين في جوفه)، لابد أن يكون هناك اختيار بذاته، يطغى على اختيارات الحياة الأخرى، لذلك فإن العمل الصحافي، الذي أمتهنه؛ يستهلك الكثير من الوقت والجهد، كما تشغل الدراسة حيزاً آخر لا يمكن التنازل عنه، ويتوزع باقي يومي بين القراءة العشوائية، غير المرتبطة بوقت معين، وبين الكتابة التي لها طقوسها الخاصة عندي، فيجب أن يحضرني الإلهام والرغبة الذهنية الكافية، وذلك ما يزيد غرابتي، من أني أنجزت «العين الورقية» في يومٍ واحد.
ماذا عن الجانب الاجتماعي والأسري؟
- أنا ضعيف جداً في العلاقات الاجتماعية والأسرية، وهنا أجد نفسي مضطراً إلى التعذّر بالوقت غير الكافي، فأنا أحاول حصد أكبر قدر من الإنجاز في شبابي، مستغلاً بذلك نشاطي وحيويتي، وطموحي الذي يدفعني للنظر إلى أقصى مدى.
الصعوبات التي تواجهها في مشوار حياتك؟
- أكبر صعوبة أواجهها .. العجلة الدائمة، إضافة إلى أني شخصية منظمة جداً، وأتعب كثيراً من العشوائية التي أقع فيها كثيراً، بسبب الالتزامات والمسؤوليات المتزايدة.
وأعاني كذلك من قلة التفرغ لمشاريعي، التي تبقى حبيسة الذاكرة إلى فترات قد تطول أحياناً، وذلك ما ينطبق على «العين الورقية»، التي لم تكتمل إلا بفضل الله، ثم بفضل «جائزة البحرين للروائيين الشباب».
مواهبك الأخرى؟
- أجد نفسي مغرماً بالرياضة .. إلى الحد الذي يجعلني أستلهمُ منها حياتي، خاصة الدراجات الهوائية والجري، وكذلك أحب الشطرنج، وكثيراً ما أحاول الغناء والتلحين، ولكن صوتي دائماً ما يخونني ويتحول لا إرادياً إلى النشاز!.
المشاركات.. الجوائز؟
حصلت على الكثير من الجوائز وشهادات التقدير من خلال عملي في المجال التطوعي والطلابي، وكان أبرزها درع الملتقى الجامعي الخليجي الأول «حياة جامعية برؤى طلابية»، برعاية رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية تقديراً لوجودي ضمن اللجنة التنظيمية للملتقى. ومنحتني وزارة الأشغال درعاً، بمناسبة تعاوني المستمر مع الوزارة في ما يخص المجال الإعلامي.
طموحاتك المستقبلية؟
- أحمل على عاتقي حُلماً ثقيلاً .. أتمنى من الله أن يملّكني إياه، وذلك بأن أحوز على جائزة نوبل في مجال الأدب، فأضمد بذلك شيئاً من جراح أمتنا العربية والإسلامية.
الكلمة الأخيرة؟
- لا يجدر بنا كبشر أن نقيد أنفسنا وعقولنا بمزيج من الحواجز والخوف من المستقبل، بل يجب علينا أن نبادر ونتقدم لفتح الأبواب الموصدة، طمعاً في أن ينعكس ذلك على واقع شعوبنا العربية، ويتحول إلى أداة تزيد من حضارتنا ونهضتنا. وأتمنى أن نكون دوماً أصحاب كلمة ورأي سديد، وأن نحمل على أكتافنا هم الأمانة، ورفعة أوطاننا، وأن نصبح دوماً سفراء للنوايا الحسنة، برقيّنا وثقافتنا وأخلاقنا الحميدة، كما وصّانا ديننا الحنيف.