كتب - جعفر الديري:
«دلمون» حضارة قامت في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية وعرفها السومريون بأرض الفردوس وأرض الخلود والحياة. كان مركزها قبل خمسة آلاف سنة تقريباً في جزر البحرين وجزيرة تاروت في القطيف. مثلت مركزاً استراتيجياً مهماً فهي حلقة الوصل بين بلدان الشرق الأوسط والأدنى حيث كانت في الشمال حضارة بلاد ما بين النهرين (العراق) وفي الشرق حضارة ميلوخا في وادي السند (باكستان) وفي مصر حضارة الفراعنة. وامتدت حضارة دلمون على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية من الكويت عند جزيرة فيلكا حتى حدود حضارة مجان في سلطنة عمان وحضارة أم النار في إمارة أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعرفت دلمون بهذا الاسم عبر التاريخ لأنها: محاطة بالماء من كل ناحية».
العصور القديمة
ذلك تعريف موجز لحضارة دلمون، تردّد ذكره كثيراً في الموسوعات العربية والعالمية، يشهد على عراقة هذه الأرض وتاريخها المجيد. الأمر الذي دفع جملة من الباحثين قديماً وحديثاً للنقيب عن «دلمون». وأشهرهم «بيتر كورنوول» صاحب كتاب «دلمون.. تاريخ جزيرة البحرين قبل قورش»، الذي أكد أن «دلمون كانت ذات قيمة كمركز تجاري وميناء؛ ومن خلالها لم تعبر البضائع التجارية فحسب وإنما عبرت الأفكار أيضاً. لقد كانت حلقة وصل بين الكثير من الشعوب القديمة، ولهذا لابد من أن يكون لها فضل في قيامها بدور ليس بالقليل في نشر الحضارة في منطقة الشرق الأدنى القديمة».
هذا الكتاب القيم ترجمه الباحث والمترجم البحريني د.محمد علي الخزاعي بعنوان «دلمون. .. تاريخ البحرين في العصور القديمة»، وأشار إلى أهمية الكتاب، وأبان أن الكتاب ترجمة لبحث قدمه كورنوول وعكف على إعداده قبل أكثر من 6 عقود، ونال عليه درجة الدكتوراه من دائرة التاريخ بجامعة هارفارد الأمريكية. وتكمن أهميته في كونه أول أطروحة علمية عن البحرين بحسب اعتقاد الخزاعي، وفي محاولته إثبات أن حضارة دلمون القديمة التي تعود إلى حوالي خمسة آلاف عام قبل الآن كان مركزها جزيرة البحرين أو كبرى جزر مملكة البحرين الحالية. فكما كان إقليم البحرين يشمل المنطقة الساحلية للجزيرة العربية الممتدة من جنوب العراق حتى عمان كذلك كان إقليم دلمون مشابهاً له في امتداده. ولعل هذا الإقليم تطور على مر العصور ليعرف بإقليم البحرين في صدر الإسلام وبداية قيام الدولة العربية الإسلامية والخلافات المتعاقبة في تاريخها الطويل.
وأوضح الخزاعي سبب اختيار المؤلف لعنوان كتابه، وتصرف المترجم في عنوان الكتاب بقوله إن بيتر كورنوول كعادة الأكاديميين اختار لكتابه عنواناً يتسم بالإثارة وهو «دلمون.. تاريخ جزيرة البحرين قبل قورش»، والمعروف أن قورش هذا كان أحد أباطرة الفرس في الألفية الثالثة قبل ميلاد السيد المسيح «ع» وقد اختار كورنوول هذا العنوان للتدليل على تلك الفترة القديمة، لذلك فعندما عمد المترجم إلى هذه الترجمة وجد أنه من الأفضل استبداله بعنوان يحمل المعنى نفسه، وهو «دلمون.. تاريخ البحرين في العصور القديمة» حين وجده يرمي إلى الغرض نفسه الذي قصده المؤلف وخصوصاً أن الكتاب لا يتعرض لقورش وعلاقة بلاده بدلمون في تلك الفترة.
وذكر الخزاعي -مترجم الكتاب- أن دلمون كانت منذ القدم مركزاً اكتسب أهمية استراتيجية بسبب موقعه في منتصف الخليج، لتكون حلقة وصل أو ميناء آمنا لرسو السفن في طريقها من بلاد وادي السند «ملوها أو ملوخا» وساحل عمان «ماجلان» إلى بلاد ما بين النهرين. وكانت الجزيرة جنة خضراء لكثرة عيونها ومياهها العذبة الطبيعية ما جعلها نهبا للطامعين من الدول الكبرى في قديم الزمان. ولعل الدور الذي لعبته دلمون في الأساس كان دوراً تجارياً يتمثل في القيام باستيراد المواد الخام كالنحاس والصخور والأخشاب وغيرها من السلع وإعادة تصديرها إلى بلاد ما بين النهرين التي كانت بحاجة ماسة إليها كما تبين ذلك السجلات المسمارية القديمة، إذ قام كورنول بإثبات أوجه الشبه بين دلمون القديمة والبحرين الحديثة، ليؤكد أن دلمون ما هي إلا هذه الجزيرة التي اتخذت تسمية كلاسيكية عندما أطلق اليونانيون عليها «تايلوس» التي كانت تحريفاً لدلمون أو «تلمون» كما كانت تكتب في بعض الأحيان. وأوضح أن دلمون منذ قديم الزمان كانت دولة مستقلة، وربما بسبب صغر حجمها كان حكامها يدفعون الجزية للدول الكبرى في المنطقة حفاظاً على سلامة الجزيرة. ولا تورد لنا المصادر التاريخية والأثرية وثائق وسجلات مكتوبة لنعرف اللغة التي كانت سائدة آنذاك. وغالبية الظن أن الدلمونيين كانوا امتداداً للجنس البشري الأول الذي كان يقطن الساحل الشرقي من الجزيرة العربية، ولا نعلم بأية لغة كان يتخاطب هذا الجنس أو بأي نوع من الكتابة كان يكتب، إذ إن المنقبين وعلماء الآثار لم يتمكنوا من العثور على أية ألواح منقوشة تشير إلى طبيعة الكتابة المستخدمة. وغالبية ظننا أن حضارة دلمون كانت في مرحلة متقدمة من مراحل التاريخ البدائي للبشرية، وبالتالي لم يكن سكانها على علم ودراية بلغة من اللغات السائدة ونوعية خطها في ذلك الزمان كالخط المسماري المستخدم في وادي الرافدين أو اللغة المصرية القديمة وخطها الهيروغليفي الذي كانت مصر الفرعونية تستخدمه في وادي النيل.
الكتابات المسمارية
لكن دلمون -كما أكد ذلك «كورنوول»- كانت ترد في الكتابات المسمارية والألواح المنقوشة وكذلك في الأساطير والملاحم الشعبية. ففي نص «لانجدون» عن أسطورة الخلق وفي ملحمة جلجامش تصور دلمون على أنها فردوس من الفراديس، وأرض خلود يسعى جاجامش إلى الوصول إليها بحثاً عن زهرة الخلود. وليس هناك من شك في أن لمخيلة الشعراء الخصبة ومبالغاتهم أثراً في تكريس هذه الصورة الخيالية عن هذه الجزيرة التي ألهبت مخيلتهم. فوفرة مياهها وينابيعها الطبيعية جعلت منها جنة الخلد الأولى. كما أورد كورنوول -الذي يعتبر من أوائل المنقبين الذين قاموا بالتنقيب في المدافن التلية- وصفاً مفصلاً لها ولمحتوياتها. والغريب في الأمر أن حضارة دلمون لم تخلف لنا سوى مدافنها المقببة الكثيرة وما اكتشف من معابدها القليلة كمعبد باربار وما يعتقد أنه قصر ملكي في موقع قلعة البحرين. أما مساكن الناس فلا أثر يذكر عن وجودها. وربما كان مرد ذلك إلى أن غالبية الناس كانت تمتهن الزراعة وصيد الأسماك، وكانت تسكن في بيوت صنعت من سعف النخيل التي وفرتها طبيعة الجزيرة المشهورة بكثرة بساتين النخيل. ولعل آثار هذه الجزيرة المتمثلة في مواقع المدافن التلية والمستوطنات المرتبطة بها هو كل ما تبقى منها تخليداً للموتى. وما يقوم به المنقبون من أعمال للتنقيب والكشف عن محتوياتها تنبؤنا بجديد عن تلك الحضارة وطريقة حياة أفرادها ومعتقداتهم.
انقسم بحث «كورنوول» إلى مقدمة كانت بمثابة الفصل الأول من الكتاب وتناول فيها البحرين: الجيولوجيا، الطوبوغرافيا والمناخ، وأوجه الشبه بين دلمون والبحرين والبحوث والتنقيبات السابقة بهذا الخصوص. أما في الفصل الثاني فتناول دلمون في العصور القديمة: العلاقات السومرية والآكادية مع البحرين ودلمون في الأساطير والديانة السومرية. وفي الفصل الثالث كانت هناك إشارة إلى انحسار الـتأثير السومري ومطالب آشور بالسيادة. بينما تحدث المؤلف في الفصل الرابع عن تاريخ دلمون في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد وعن دلمون والسيطرة الآشورية ودلمون والسيطرة النيو- بابلية. وفي الفصل الخامس انصب الحديث على القبور التلية وبنائها مع وصف لها وذكر للأشياء التي تم العثور عليها في غرف القبور وكذلك النشاطات التجارية والدلمونيين وحكومتهم مع حديث مهم عن ديانة دلمون. أما الفصل السادس وهو الفصل الأخير من الكتاب فأفرده الباحث لدور دلمون في التاريخ القديم. وفي هذا الصدد ذكر أن دلمون أول جزيرة يرد لها ذكر في السجلات التاريخية. وليس لدينا علم في فجر الحضارة البشرية، فيما إذا كان أولئك السومريون الموهوبون قد قدموا شمالاً إلى دلمون في طريقهم إلى وادي دجلة والفرات، لكننا ندرك أن الجزيرة وسكانها كانوا ذوي قيمة دائمة في تطور التجارة البحرية القديمة. ومن البين تماماً أن دلمون كانت مركزاً حيوياً عند تقاطع الطرق في الشرق الأدنى وأنها كانت نقطة تجمع للتجار والسفن من مختلف البلاد. وخلص كورنوول في نهاية بحثه إلى القول بأن دلمون كانت ذات قيمة كمركز تجاري وميناء؛ ومن خلالها لم تعبر البضائع التجارية فحسب وإنما عبرت الأفكار أيضاً. لقد كانت حلقة وصل بين الكثير من الشعوب القديمة، ولهذا لابد من أن يكون لها فضل في قيامها بدور ليس بالقليل في نشر الحضارة في منطقة الشرق الأدنى القديمة.
الآثار المكتشفة
بحث آخر لأحد المنقبين، أشار فيه لأهم الآثار المكتشفة في دلمون، وهي «مقبرة بالقرب من سار، وتعد أكبر مقبرة تاريخية في العالم، وتضم جزيرة البحرين الصغيرة أكبر مقبرة تاريخية اكتشفت في العالم حتى الآن، إنها مقبرة عالي وهي عبارة عن مجموعة من التلال المتجانسة وقد اكتشف فيها أكبر مقبرة تاريخية في العالم حتى وقتنا الحاضر، هناك أيضاً مدن ومعابد قديمة، إذ عثر المنقبون تحت قلعة البحرين وحولها على مجموعة من المدن المحصنة يعود تاريخ بناء أقدم مدينة فيها إلى حوالي سنة 2800 ق.م وقد أحرقت هذه المدينة بعد خمسمائة سنة من إنشائها وشيدت مكانها المدينة الثانية التي أحيطت بسور عالي يصد عنها الغزاة القادمين من البحر. وإضافة إلى هذه المدن القديمة وجدت آثار معابد كثيرة أهمها: معابد باربار الثلاثة في قرية باربار ولم تبن هذه المعابد مرة واحدة وإنما شيدت على التوالي شأنها في ذلك شأن المدن التي عثر عليها تحت قلعة البحرين، ومن الآثار القديمة لدلمون أيضاً: عثر المنقبون على الكثير من الأواني الفخارية المتنوعة مرصوفة في القبور كما عثروا أيضاً على آنية نحاسية للاستخدام المنزلي وتماثيل كانت لها مكانة دينية في نظر أصحابها وأختام كانت تستخدم لإثبات الملكية والتوقيع على الاتفاقات وعلى كثير من العقود في آنية فخارية.
أما نظام الحكم في دلمون فكان ملكياً وراثياً، وتشير النصوص التي عثر عليها أنه لابد أن يكون خادم الإله ملكاً ولكن مملكة دلمون كانت في معظم الأحيان تخضع لسيطرة حكام بلاد الرافدين وتدفع الجزية لهم ولقد هاجمها سرجون الأكادي وأحرق مدينتها الأولى وأخضعها لحكمه.
أيضاً بنى أهل دلمون المعابد المقدسة ومئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال والأحجام، مما يدل على إيمانهم بعقيدة الخلود ويدل على ذلك تشييد المقابر الضخمة ووجود مخلفات مادية وجنائزية في القبور، إضافة إلى اكتشاف بعض المعابد التي عثر فيها على أقداح مخروطية الشكل مثل التي عرفت في العراق في العصر السومري ومن أهم هذه المعابد (معبد باربار).
وكانت دلمون بلداً زراعياً وافر المحاصيل نظراً لوفرة المياه العذبة والأرض الخصبة، وكانت تشتهر بإنتاج التمر، واشتهرت في دلمون صناعة الفخار والذي يتميز بأشكال ورسومات تختلف عن رسومات فخار الحضارات المجاورة كما ازدهرت صناعة الأختام الدلمونية الدائرية التي كانت تستعمل لإثبات الملكية وصناعة التماثيل والأواني الخزفية والنحاسية، واشتهرت أيضاً بصيد الأسماك واللؤلؤ، فقد عمل الكثير من سكانها في هذه المهنة منذ الأزل والتي مازالت قائمة لهذا اليوم».
العصور الحجرية
نقرأ في بحث واف، لمجموعة باحثات، ما يؤكد أن «حضارة دلمون (البحرين) كانت حضارة مزدهرة على مر التاريخ منذ العصور الحجرية وعصور قبل الميلاد إلى عهدنا الحالي، حيث إن هذه الحضارة هي بمثابة الوردة المتألقة في سماء الخليج فقد شهدت لهذه الحضارة حضارات العالم القديم الكبرى والدليل على ذلك أن ذكر دلمون كان مذكوراً في كل النصوص الخاصة بهذه الحضارات. وتتميز دلمون بموقع استراتيجي متميز، حيث إنها تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب مثل ما قيل سابقاً إنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة فهي الساحة الممتدة. وذهب كرامر إلى أن دلمون هي الأراضي التي تقع في جنوب غربي إيران وتمتد من جنوب مملكة عيلام إلى ما يقابل مضيق هرمز وكانت دلمون عبارة عن حضارة واسعة المدى، حيث إنها كانت همزة وصل بين حضارات العالم وبين بلدان الشرقين الأوسط.
وجاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي وجدت في بلاد الرافدين وفي موقع ايبلا في شمال سوريا وحاول العلماء معرفة مكان دلمون التي وصفت بأرض الخلود وبأنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة. وأثبتت التنقيبات الأثرية إن البحرين هي دلمون المشار إليها في النصوص المسمارية القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة بل هي مركزها النابض بالنشاط والحيوية ففيها المستوطنات من مدن وقرى تعج بحياة القصور و الدور و الأسواق و العيون الطبيعية والقنوات وفيها المعابد المقدسة وفيها مئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال والأحجام وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة وتقدم الصناعة والتجارة واتساعها حتى لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند، وأنحاء الجزيرة العربية الأخرى. وأفاد بعض المؤرخين أن دلمون ظهر ذكرها بأسطورة، نعم إنها ، أسطورة السومريين الذين أسموها أرض الخلود، حيث إن تلك الأسطورة يرددها السومريون في حكاياتهم الدينية، فقد وردت في نصوص أسطورة الإله Enki وكيفية نجاته من الفيضان الشهير، ثم بعد ذلك كيف توجه الإله إلى أرض الخلود في دلمون فسكنها. فجاءه جلجامش بطل السومريين ليتعرف منه على سر الحياة ويتعلم عنه أسرار الخلود في دلمون فأفاده عن كيفية موته تحت قاع البحر الذي يمتزج بعيون ماء عذب وبداخل تلك العيون زهرة بيضاء هي (زهرة الخلود)، ولو حصل عليها كتب له الخلود الأبدي. وسعى بطل السومريين في الحصول على زهرة الخلود لكن الحية الثعبان سبقته فأكلت الزهرة وهكذا كتب للثعبان الخلود- ولعل ذلك يكون بتغيير جلده رمزاً لتجديد حياته!».
وعن علاقة دلمون بجيرانها، نقرأ: «كانت علاقة السومريين بدلمون علاقة وطيدة، حيث إننا رأينا كيف كانت أسطورة السومريين الدافع لظهور دلمون. وأشارت نصوص السومرية أنهم كانوا على صلة وطيدة بدلمون والدولة السومرية هي أكثر حضارات العالم القديم اتصالاً وتمسكاً بحضارة دلمون، حيث إنها كانت أرض الخلود بالنسبة لهم وقد اشتهرت لديهم أنها الأرض الطيبة التي تنتج الثمار وأنها ذات المياه العذبة وأن بركة الإله بها كما أنهم قدسوا دلمون فجعلوها أرض الطهارة وأرض الحياة الأبدية والحياة المستقرة الهادئة فقرنوها بالآلهة، حيث إنه ينعمون فيها بحياة كريمة فحرموا فيها القتل والظلم وادعوا أن هذه الأرض هي أرض طاهرة لدرجة أنه من المحال أن يسمع فيها نعيق الغراب (ذكرت روايات أخرى أنهم حرموا فيها نعيق الغراب) وقد ذكرت دلمون في الكثير من النصوص السومرية، من هذه النصوص نص يقول هذا قصر ريموم خادم الإله ومن قبيلة اكاروم وهناك الكثير من النصوص السومرية التي ذكرت فيها دلمون او تلمون ولعل أشهرها نص أسطورة أرض الخلود، وقد ورد ذكر أرض دلمون مراراً في المخطوطات السومرية على أنها ميناء مهم بين بلاد ما بين النهرين ووادي السند. وكما سبق ذكره أن دلمون من المراكز الحضارية المتميزة فقد اتصلت بدولة الآشوريين، حيث إن الآشوريين كانوا قد استولوا على مناطق من تلمون فقد كانت دلمون تحت سيطرة الآشوريين في عهد مملكة أور وقد ذكرت تلمون في النصوص الآشورية ومنها النصوص الآشورية (في دلمون ومجان) التي تقول أن هذه الأرضيين تقع جنوب بيت يكين Matu Bit-ia-Kim التي تقع جنوب سومر على ساحل الأنهر المالحة أي مياه البحر وقد كانت هنالك نصوص دلت أن دلمون هي البحرين واهمها الإشارات الواردة في النصوص الآشورية التي تدل علي أنها كانت جزيرة تحيط بها المياه، وان ملكها كان يعيش كالسمكة في وسط البحـــــــــر على بعد 30 بيرو، وقد ذكرها سرجون 732- 705 ق. م وآشور بانيبال. ويفهم من أقوالهما أنها جزيرة في البحر. والمسافة التي ذكرها سرجون تكاد تساوي بعد البحرين عن فم نهر الفرات. وورد في أخبار سرجون الاكدي أنه غزى دلمون أضاف الأرضيين المتاخمة لها إلى مملكته. وأن «جوديا» حصل على الخشب. فبعد أن تمكن سنحاريب من بابل ودكها دكاً عزم على ضم دلمون إلى مملكته، أرسل وفداً إلى ملكها يخبره أمرين: إما الخضوع لـ»آشور» وإما الخراب والدمار. فوافق ملك الجزيرة على الاعتراف بسيادة سنحاريب عليه، أرسل له بجزية ثمينة. كذلك كانت هذه الجزيرة في عداد الأرضيين التي كانت خاضعة لآشور بانيبال. واختلف العلماء والمؤرخوون في ـصل الفينيقيين فالحضارة الفينيقية والمدن الفينيقية ليست ثمرة ظهور قوم يبدؤون خطى الحضارة في أناة يتعثرون مرات ليتوقفوا مرة، بل هي ثمرة هجرة لقوم ضاقت بهم الحيلة في أرضهم فنزحوا أقوياء عنها ثم رحلوا لغيرها يستكملون قوتهم ويتابعون نشاطهم ويمارسون حضارتهم على نطاق أوسع. فهيرودوت يعتقد أن الفينيقيين ليسوا من أهل البلاد الأصليين بل يجعلهم نازحين من البحر الارتيري. أما سترابون فيروي لنا في شيء من الاستغراب أن سكان الخليج العربي أكدوا له أنهم يسمون عندهم باسم صيدا وصور واراد Erid وأن المعابد عندهم تشبه معابد الفينيقيين ويؤكد بلين هذه الواقعة ويقول جان جاك بيريبي: «يرى عدد من الباحثين أن البحرين كانت الموطن الذي نشأ فيه أولئك الفينيقيون ملاحو وتجار البحر الأبيض المتوسط الذين غدوا نقلة الحضارات القديمة. ويوطد هذا الرأي ذلك التشابه المدهش بين العديد من القبور التي عثر عليها في الجزيرة الكبرى وبين النواويس الفينيقية. وقد درس تلك الآثار عدد من العلماء ولكنهم لم يصلوا بشأنها إلى تعليل نهائي مجمع عليه. ومع ذلك يبدو من الثابت تماماً أن الفينيقيين كانت لهم مستعمرات تجارية على الخليج قبل أن يستوطنوا شواطئ البحر الأبيض المتوسط».
أسماء دلمون
ونقرأ عن أسماء دلمون على مر العصور «جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد و التي وجدت في بلاد الرافدين و في موقع ايبلا في شمال سوريا و حاول العلماء معرفة مكان دلمون التي وصفت بأرض الخلود وبأنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة. وتايلوس وأرادوس هما الاسمان اللذان أطلقهما الإغريق (اليونان) على جزيرتي (المنامة والمحرق) وذلك في القرن الثالث قبل الميلاد. وقد عرف الإغريق المنطقة قبل وصولهم إليها نياخوس قائد الحملة المرسلة من قبل الاسكندر الأكبر لاستكشاف المنطقة، وصفها بأنها جزيرة طيبة تتمتع بالموانئ الطبيعية وهي زاخرة بالنخيل وصيد اللؤلؤ والأسماك. وقد اكتشفت مؤخراً مواقع مهمة لهذه الفترة من تاريخ الجزيرة أضافت الكثير من الحقائق التاريخية من خلال اللقى الأثرية التي وجدت في المستوطنات وفي المدافــــن بشكـــل خـــــاص. وسميت البحريـــن كذلـــك باســـــم «أوال» خــــلال العصر قبل الإسلامي. والاســـــم يرتبـــــط بمعبود شركي كان إله قبيلة وائل التي سكنـــت البحريـــن خلال العصر قبـل الإسلامي. وسمـــــــيت البحرين بهذا الاسم منذ فجر الإسلام وقد دخلت البحرين في الإسلام طوعاً واستمر التقدم والتطور فيها. واعتماداً على تشابه الأسماء مثل مدينة صور في عمان وعراد أرادوس Aradus في البحرين، جاء بحاثة إنجليزي يدعى تيودوربنت وقام باكتشافات أثرية العام 1988 سمى بعدها هذه القبور بأنها فينيقية، إلا أن بعض الباحثين الآخرين عارضوا استنتاجات بنت وقالوا إن هذه القبور يرجع تاريخها إلى عهد أقرب من عهد الفينيقيين وإن أرض البحرين كانت في الأزمنة السابقة قد استخدمت كمدفن للموتى الذين يؤتى بهم من الساحل المقابل للبحرين من أرض لنجة حتى بوشهر ومن المحتمل أن الموتى يؤتى بهم من شبه الجزيرة العربية. إلا أننا عندما نأخذ بهذه النتيجة لا نستطيع أن نتجاهل استنتاجات هيرودوت وسترابون القائلين بأن هذه القبور فينيقية فقد استخدمت كمدافن موطن الفينيقيين وهذا لا يمنع من الاستنتاج أيضاً أن هذه القبور رغم أنها فينيقية فقد استخدمت كمدافن لأناس ينتمون إلى عصر أقرب من عصور الفينيقيين ولهذا فإن الحضارة التي استخدمت هذه القبور ربما هي حضارة قريبة الصلة من الفينيقيين».
مكونات أثرية
ويؤكد البحث أن «حضارة دلمون زاخرة بالمكنونات الأثرية التي تركتها الحضارات المتعاقبة على دلمون خلال العصور السابقة منذ العصور الحجرية وعصور ما قبل الميلاد وخلال العصر الإسلامي وباقي الولايات الإسلامية الأخرى وإلى الآن لاتزال البحرين في تقدم ملحوظ. ومن المكتشفات الأثرية في حضارة دلمون، عثر على الكثير من المكتشفات الأثرية في البحرين مثل الأدوات الحجرية وأحجار الصوان والمكاشط والابنية والمعابد والمقابر والقلاع والأسواق». ومن المكتشفات قلعة البحرين. وتقع على شاطئ البحر في الجهة الشمالية من جزيرة البحرين وهو محصور ما بين قرية كرباباد من الشرق وقرية حلة عبدالصالح من الجنوب والغرب. وهذا الموقع كبير جداً إذ أنه يشكل في الواقع المركز الرئيس لحضارة دلمون ويتمثل ذلك في هضبة القلعة حيث يحيط بها سور المدينة الضخم ويضم هذا الموقع قلعة البحرين القصر الإسلامي، المدن الدلمونية وميناء دلمون. وبنيت هذه القلعة من قبل حكام عرب محليين في القرن الرابع عشر الميلادي على مباني تعود لفترات مختلفة وتتكون من أربعة أبراج دائرية في كل زاوية برج وبعض الغرف الخاصة بالذخيرة والغرف الخاصة بالجند. وجدد البناء الأول من قبل حكام عرب محليين وتم توسعة القلعة من الخارج وذلك ببناء سور خارجي خلف السور الأصلي مع إضافة أبراج جديدة دائرية الشكل. برجان في وسط الجدار الغربي وبرجان في وسط الجدارين الشمالي والجنوبي. وبعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح قام البرتغاليون باحتلال الساحل الممتد من رأس الرجاء الصالح إلى الهند بقيادة الأدميرال (الفونسو البوكيرك) ولقد استولوا على البحرين في الفترة من 1521-1602. وفي تلك الفترة لفت انتباههم موقع قلعة البحرين الاستراتيجي واستخدموها قاعدة عسكرية لهم. وفي أثناء الاحتلال قرروا بناء إضافات جديدة في وسطها مثل بناء مقر خاص للقائد كما قاموا بتوسيع سور القلعة وأضافوا أربعة أبراج مربعة الشكل. وهناك أيضاً «القصر الإسلامي، ويقع في الجهة الشمالية شمالي سور المدينة ويعود تاريخه إلى الفترة من 100م - 1400م مبنى على جدران تعود لفترة تايلوس، وهو على شكل مربع طول كل ضلع من أضلاعه 52 متراً وفي كل زاوية يوجد برج دائري وفي منتصف كل جدار برج على شكل نصف دائرة، ما عدا الجدار الغربي فإنه يتوسط برجان على شكل ربع دائرة. حيث يشكلان معاً المدخل الرئيس وفي كل برج فتحات للرماية وتتوسطه فناء مربع وفيه أربعة ممرات تتعامد وتنفتح على الفناء وتوجد به مجموعة كثيرة من الغرف ومدبسة لتخزين التمور». الميناء الدلموني، ويقع في الجهة الشمالية من سور المدينة والذي يعتبر في الواقع البوابة الرئيسية لدلمون إذ إن السفن التجارية القادمة من الشرق والشمال والغرب لابد أن تمر بهذا الميناء المتصل بقناة عميقة تمتد إلى وسط البحر. ولقد وصلت إلى هذا الميناء السفن الشراعية القادمة من بلاد وادي السند وفارس وبلاد ما بين النهرين وعمان والكويت والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. وفي هذا الميناء تم اكتشاف مجموعة من الأوزان والأختام المستخدمة في ختم البضائع وفي الجهة الجنوبية من البوابة توجد مكاتب الجمارك وغرف التخزين ومواقف خاصة للنقل وبئر المياه. ونظراً لأهمية هذا الميناء فإنه جدد أضيفت عليه بعض التعديلات وهو يعاصر المدن الدلمونية».