قال الشيخ خالد السعدون إن «سيادة الرسول على الأنبياء والمرسلين تجلت ليلة المعراج»، مشيراً إلى أن «الله سبحانه وتعالى اصطفى نبيه في رحلة الإسراء والمعراج».
وأضاف الشيخ السعدون أن «الرحلة بدأت كما ذكرها الرسول الكريم في قوله «بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان، فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، فاستخرج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيماناً وحكمةً»، وقد علم أن شارح الصدر وفارجه هو جبريل عليه السلام، وأمره بذلك ربه».
وأوضح أن «الإسراء مجملاً، هو اصطفاء الرحمن للنبي الأمي عليه السلام، إذ أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يقظةً، وقد امتطى حينها البراق، ثم عرج به فرأى الملائكة، والأنبياء في السموات مقيمين، كل قد علم مكانه وسماءه، فسلم وسلموا عليه ورحبوا به مستبشرين، داعين له بخير، ثم رفعت إليه سدرة المنتهى «فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها»».
وتابع الشيخ السعدون «كذلك فقد أراه الله الشجرة الملعونة في القرآن، شجرة الزقوم، ثم أدخل الجنة فرأى أنهارها، والكوثر».
وأشار إلى أن «شق صدر الرسول كان تهيئةً للقيا الله، فهو سبحانه لا يرى إلا بنضارة للوجه كالقمر، وطهارة للقلب من الغل والحسد، ودليله: «وجوهٌ يومئذ ناضرةٌ إلى ربها ناظرةٌ» فهذا نور الوجه، وأما صفاء القلب ففي قوله تعالى: «ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين»، وهذا لقاء الله في الجنة».
وأوضح الشيخ السعدون «أما في الدنيا فلم يرتقِ بالنبي إلا بعد حشو صدره إيماناً وحكمةً، وأما وجهه فهو أجمل البشر، بل هو القمر أو أكثر، فأسري به ثم عرج به، بروحه وبدنه جميعاً إلى سماء فسماء ثم سماء، حتى صار في أعلى سابعة السماء، وهناك رأى من آيات ربه الكبرى، رآها بعين رأسه لا بعين المنام، أو الرؤى والأحلام».
ولفت الشيخ السعدون إلى أن «سيادة الرسول على الأنبياء والمرسلين ما تجلت إلا ليلة المعراج، فقربه ربه نجياً، وكلمه تكليماً، ورفعه على كثير من خلقه، فبلغ مكاناً لم يقربه من قبل إنس ولا جان، فهناك فرضت الصلاة ركن الإسلام والإيمان، وقد رأى من آيات ربه الكبرى، وعندما نزل جمع له الأنبياء كلهم فصلى بهم إماماً، فرأى فضله على الأنبياء حساً، وفي الدنيا قبل الآخرة ليطمئن قلبه وينشرح للنعيم المقيم، كما شرح بالإيمان واليقين».
وأضاف أن «ما أجملناه وفصلناه من قبل جاء في السنة ذكره، وأما في القرآن فقد افتتح الله سورة الإسراء بقوله: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير»، فتسبيحه نفسه إشارةٌ إلى أنه على كل شيء قدير، ويفعل ما يشاء، ولكن لا يخرج فعله عن كمال حكمته المطلقة، فهو في فلكها يحور ويدور، وكذا فتسبيحه نفسه يتضمن الثناء على نفسه، ولا يستقيم ثناءٌ من أحد على نفسه إلا من الله، ذلكم بأنه العظيم الذي كملت عظمته، والسيد الذي كمل سؤدده، وكذا فتسبيحه نفسه إشارةٌ إلى علوه، وأنه مستو على عرشه، ولكأن الإسراء ليس مقصوداً لذاته بل للمعراج، فالله عال له العلو المطلق: «وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير». وعلى هذا فيكون الإسراء ذكر في الآية تنصيصاً، والمعراج إشارةً وتلميحاً».
وقال إن «التسبيح إشارة إلى أنه تعالى سيذكر ما تعجز العقول عن إدراكه، ومن ثم فالموفق من يسبح الله تعالى وينزهه من أن يقيسه بخلقه، وإلا فسيستبعد وقوع الإسراء والمعراج، ويستحيل أمرهما عنده». ورأى أن «من الفوائد، أنه تعالى ذكر الإسراء، وأعرض في كتابه عن المعراج ليبتلي المسلمين، فمن آمن بهما فهو المؤمن، وإلا فقد رد من الدين بقدر ما منهما جحد، وكذلك ليميز الخبيث من الطيب، وليقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ، لو عرج الله بنبيه لذكره كما ذكر الإسراء، قال تعالى: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً»».
وخلص الشيخ السعدون إلى أن «من حكم الإسراء تثبيتٌ من الله لنبيه بالآيات الكونية، والآيات الشرعية، كونه كان عليه الصلاة والسلام مستضعفاً هو وأصحابه في مكة، فلما رأى من آيات ربه الكبرى، هان عليه الأذى وما يلاقي من قومه من السفاهات الصغرى».