كشف استشاري طب الأطفال بالمركز الطبي الجامعي بمدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية عبدالعزيز الأمين أن متوسط عدد المواليد في البحرين بلغ وفق أحدث الإحصاءات نحو 20 ألف مولود سنوياً، مشيراً إلى أن مركز الأميرة الجوهرة الذي يستطيع إجراء ألف فحص في المختبر يومياً يسعى للتعاون مع وزارة الصحة في مملكة البحرين لتأسيس برنامج وطني لفحص الأطفال حديثي الولادة.وقال الأمين، في تصريح صحافي أمس إنه «حال نجاح البرنامج الوطني لفحص الأطفال حديثي الولادة المرتقب سيكون له العديد من الفوائد على مختلف الأصعدة؛ إذ إنه إنسانياً سيخفف من معاناة الأطفال من الأمراض أو مضاعفاتها، كما إنه سيكون له مردود نفسي على الوالدين والأسرة التي لن تصاب بالضغوط النفسية جراء إصابة أطفالها بأمراض خطيرة ومزمنة».وأضاف أنه «على صعيد الصحة العامة والصعيد الاقتصادي فسيحسن البرنامج من مستوى الصحة العامة للمواليد، وسيقلل من وفيات المواليد الجدد، وهو ما سيوفر موازنات تخصص في علاج أمراض يمكن الوقاية منها ومن مضاعفاتها، ولدى مركز الأميرة الجوهرة طاقة استيعابية تمكن من فصح جزء كبير من المواليد في البحرين ودول الخليج «. وأكد د.الأمين أن «لدى مركز الجوهرة طموحاً مستقبلياً لحث دول الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي على تطبيق برامج الفحص المبكر لحديثي الولادة»، مشيراً إلى «استعداد المركز لمساعدة دول التعاون عبر إجراء الدراسات والأبحاث والتدريب في مجال الفحص المبكر».وأشار إلى أن الأمراض النادرة مجتمعة تصيب طفلاً من كل 1500 طفل سنوياً على المستوى العالمي، بمعدل طفل واحد من بين 1500 طفل، وغالباً ما تؤدي هذه الأمراض -وإن كانت نادرة- إلى مشاكل صحية جسيمة كضعف النمو والتخلف العقلي إذا لم تعالج في الوقت الصحيح، ويصل الضرر في الحد الأقصى إلى وفاة الطفل الوليد.وقال إن الكشف المبكر عن الأمراض النادرة والخطيرة لدي الأطفال حديثي الولادة يعطيهم أفضل فرصة للعيش بصحة سليمة، ويحقق فائدة اقتصادية للأسرة والحكومات من خلال تقليل تكلفة علاج المرض ومضاعفاته حال تأخر التشخيص، داعياً الآباء والأمهات إلى سؤال طبيب الصحة العامة أو طبيب التوليد أو الأطفال عن الأمراض التي يستطيع التحري عنها، وطلب إجراء الفحص الشامل.وفي هذا السياق، تظهر الإحصاءات والدراسات انتشار الأمراض الوراثية والاستقلابية في البحرين، ودول مجلس التعاون الخليجي في النطاق الأعم، بشكل يفوق المعدل العالمي لانتشار هذه الأمراض، وعزت تلك الدراسات السبب لكثرة الزواج بين الأقارب في دول المنطقة، وهو ما يدعو إلى تطبيق برنامج الفحص المبكر لحديثي الولادة لوقاية الأطفال المرضى من المضاعفات التي تتدرج من متوسطة لبالغة الخطورة، قد تودي بحياة الطفل، والتعجيل في تطبيق برنامج الفحص المبكر لحديثي الولادة والاستفادة القصوى من خدمات مركز الجوهرة؛ لما يمتلكه من خبرات وتقنيات عالية في هذا المجال.ويتعاون مركز الأميرة الجوهرة مع المؤسسات الطبية المحلية، إذ يوضح الدكتور الأمين أن مركز الجوهرة بدأ في تقديم خدماته في الفحص المبكر لمستشفى البحرين التخصصي، ومستشفى عوالي، كما قدم ذات الفحوصات لبعض العينات من مجمع السلمانية الطبي، ومستشفى قوة الدفاع، ومستشفى الملك حمد الجامعي.وحول طريقة وقاية الأطفال من الإصابة بالأمراض الوراثية أو الاستقلابية، قال: «من خلال المختبرات الجينية في مركز الأميرة الجوهرة التي تعمل على فحص الـ DNA للوالدين الراغبين في الإنجاب، وخصوصاً إذا كان هناك سجل أمراض وراثية في العائلة»، لافتاً إلى أنه بعد فحص الـ DNA يتم التأكد من أن المولود القادم خالٍ من أي أمراض وراثية انتقلت له من الوالدين». الفحص المبكروشدد الدكتور الأمين على ضرورة الفحص الطبي المبكر للأطفال حديثي الولادة للكشف عن بعض الأمراض الوراثية الخطيرة، موضحاً أنه هو برنامج صحي معتمد من هيئة الصحة العالمية وجمعيات طب الأطفال الدولية، وتعمل به كل دول العالم المتقدم، حيث تجرى اختبارات فحص لجميع الأطفال حديثي الولادة قبل مُغادرتهم المستشفى الّذي ولِدوا فيه، وذلك للكشف المبكر عن بعض الأمراض الموروثة والحالات الخطيرة أو المهدِّدَة للحياة قبل ظهور الأعراض والعلامات الخاصة بها. وقال: «إن اختبارات تحري الأمراض لدى الأطفال حديثي الولادة إجراء مهمٌ جداً، لأن الطفل الذي يعاني من أحد هذه الأمراض قد يبدو معافى، ولكن عند ظهور الأعراض يكون الضرر الدائم أمراً واقعاً، وهذا الضرر الدائم قد يؤدي الى التخلف العقلي أو الإعاقة أو الوفاة، وعادة منا يكون الفحص بإجراء اختبارات معملية أولية كثيرة وشاملة، وتستعمل معظم هذه الاختبارات بضعة قطراتٍ من الدّم تؤخذ عن طريق وخز كعب الطفل وليس عن طريق الحقن أو الوريد».وأضاف: «إذا أوحت الاختبارات الأولية بوجود مشكلةٍ ما، فإن الطبيب سوف يطلب اختباراتٍ إضافيةً، وإذا أكدت الاختبارات الإضافية وجود المشكلة، فسوف يحيل الطبيبُ الطفلَ إلى طبيب استشاري مختص من أجل المعالجة وشرح المشكلة الطبية للأهل، وفي المحصلة فإنّ اتباع خطة المعالجة التي يقرّرها الطبيب المختص يمكن أن تحمي الطفل من الوفاة المبكرة، ومن مشاكل ومضاعفات صحية من الممكن أن تؤثر على نموه وتطوّره العقلي والجسدي مدى الحياة، أيضاً يتطلب الأمر أن يقابل الأهل طبيب مختص في علم الجينات والوراثة لشرح سبب مرض الطفل وعلاقته بالوراثة واحتمالات حدوث المرض في الأطفال الذين سوف يولدون في المستقبل».تقدم التقنية الطبيةوأكد الدكتور الأمين أنه مع تقدم التقنية الطبية، أصبح من الممكن تحليل الدم بحثاً عن مقادير ضئيلة جداً من المواد الكيميائية، وهو ما يدل على احتمال أن يكون المولود مصاباً بأحد الأمراض الاستقلابية أو أمراض الدم أو أمراض الهرمونات، مما يدفع الطبيب إلى إجراء اختبارات إضافية، مثل الفحوص الجينية. وأشار إلى أن بعض هذه الأمراض التي تصيب الأطفال حديثي الولادة تكون خطيرة للغاية، ومن هذه الأمراض مرض نادر يسمى بـ«عوَزْ نازِعة هيدروجين تميم إنزيم الأسيل المتوسط السلسلة» أو MCAD، وتسير البيانات إلى إن 25% من الأطفال المصابين بهذا المرض، دون اكتشاف وجوده لديهم، يموتون عند إصابتهم بأول مرض، ويمكن أن تكون معالجة هذا المرض بسيطة، وهي مجرد تجنب أي امتناع عن بعض أنواع الطعام مع إعطاء الطفل وجبات كثيرة متكررة. ومن جهة أخرى، يوضح الدكتور الأمين ان مرض «الفينيلكيتون يوريا» من أول الأمراض التي يتحرى الأطباء عنها لدى الأطفال حديثي الولادة، إذ ليس لدى الولدان المصابين بـ«الفينيل كيتون يوريا» الإنزيم الذي يتعامل مع مادة «الفينيل ألانين»، ولهذا السبب فإن «الفينيل ألانين» يتراكم في الدم وفي الدماغ مما يؤدي إلى التأخر العقلي، ويشمل علاج مرض «الفينيل كيتون يوريا» نظاماً غذائياً يتضمن كمية قليلة من «الفينيل ألانين»، مما تسمح للطفل بالنمو نمواً طبيعياً دون تأخر عقلي أو جسدي.الأمراض الاستقلابيةإلى ذلك، بين الدكتور الأمين وجود أنواع عديدة من الأمراض التي يمكن الكشف عنها من خلال تحري حديثي الولادة، مثل الأمراض الاستقلابية أو الاضطرابات الأيضية، والاضطرابات الهرمونية، وأمراض الدم، لافتا إلى إن اختبارات الكشف عن الأمراض الاستقلابية تشكل معظم اختبارات تحري الأمراض عند حديثي الولادة، موضحاً في الوقت ذاته أن الأمراض الاستقلابية أو الاضطرابات الأيضية هي أمراض تتعلق بالاستقلاب أو الأيض، وأن الاستقلاب هو الطريقة التي يستخدم الجسم من خلالها العناصر الغذائية للحفاظ على سلامة الأنسجة وإنتاج الطاقة، مشيراً إلى أن الاضطرابات الهرمونية تتعلق بالهرمونات. والهرمونات هي مواد كيماوية يطلقها الجسم في الدم لتنظم وظائف الجسم. وقال: «في حال ضعف الجسم عن تحليل المواد المذكورة فإنها تتخزن في الجسم وتكون مركبات ضارة تنتج عنها مضاعفات تكون في كثير من الأحيان خطيرة على حديثي الولادة، وهنا تكمن أهمية الفحص المبكر الذي أتاحته لنا التقنيات الحديثة المدعومة بخبراء واختصاصيين في مركز الجوهرة الطبي للطب الجزيئي وعلم المورثات والأمراض الوراثية، والذي بدوره يقدم لنا كأطباء معالجين نتائج الفحوص المخبرية التي تساعدنا على تشخيص المرض وتقديم العلاج»، مؤكداً أن هذا يساعد في الحد من المضاعفات والأمراض الأخرى التي قد تصيب الطفل المصاب عبر التدخل المبكر في العلاج. إذ نجحت هذه البرامج في أوروبا والولايات المتحدة في الوقاية من العديد من الأمراض.تجارب متقدمةويستشهد الدكتور الأمين، بتجارب الدول الأخرى فيقول: «تختلف اختبارات الأطفال حديثي الولادة من بلد لآخر من حيث عدد الأمراض التي يتم التحري عنها، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتم التحري عن أكثر من ثلاثين مرضاً في معظم الولايات، بينما يتم التحري عن عشرين مرضا في اليابان، وفي المنطقة العربية، قررت المملكة العربية السعودية البدء في هذه الاختبارات في جميع أنحاء المملكة اعتباراً من هذا العام، كأول دولة من دول الخليج التي تعتمد هذا البرنامج، وهناك بلدان يكون فيها فحص المواليد الجدد أمراً إلزامياً، والحقيقة الأكيدة أن عدد الاختبارات المطلوبة في كل البلدان يتزايد مع الوقت، جراء تعاظم أهمية تلك الفحوصات المتقدمة».وعن إجراء الاختبارات يقول: «يؤخذ الدم اللازم لإجراء اختبارات تحري الأمراض لدى الأطفال حديثي الولادة عن طريق وخز كعب الطفل وأخذ عينة دم على ورقة خاصة، وتترك الورقة حتى تجف ثم ترسل إلى المختبر حيث تجرى عليها الاختبارات اللازمة، وعادة ما تؤخذ عينة الدم حين يكون عمر الطفل بين 24-48 ساعة، هذا لأن بعض الأمراض، مثل «بِيلةُ الفينيل كيتون» لا تظهر إذا تم أخذ العينة فور الولادة. أما إذا خرجت الأم من المستشفى قبل أن يصبح عمر وليدها 24 ساعة، فلابد من إجراء الاختبار قبل الخروج، وتكراره بعد فترة قصيرة من الولادة، من الممكن أن تؤدي بعض الأمراض التي يمكن التحري عنها إلى موت المواليد الجدد في غضون خمسة أيام إذا لم يتم اكتشافها وعلاجها». وشدد في ختام حديثة على أهمية بث الوعي في المجتمعات المحلية حول الفحص المبكر وآثاره. وقال إن جامعة الخليج العربي قدمت العديد من المبادرات التوعوية في هذا الشأن عبر المحاضرات والندوات، كما إنها تساهم في رفد الكادر الطبي باختصاصيي الأمراض الاستقلابية القادرين على علاج هذه الأمراض.