عرف عن مدينة المنامة أنها مدينة الإخاء والتسامح وملتقى الحضـــارات؛ فقـــد احتضنـــت الكثير من السكان والمقيمين من مختلف الأجناس والأعراق والديانات ومن دون تمييز، مما جعلها مدينة حضارية وعالمية، وأصبحت مركزاً مهماً للمؤتمرات والفعاليات وملتقى الأديان والحضارات.
تحت رعاية كريمة من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه استضافت مدينة المنامة مؤخراً مؤتمر حوار الحضارات والثقافات تحت شعار: «الحضارات في خدمة الإنسانية بمشاركة أكثر من 150 شخصية من 24 دولة يمثلون أصحاب الديانات السماوية الثلاث وأصحاب المعتقدات الأخرى وناقشوا 12 ورقة عمل خلال ثلاثة أيام حول دور الحضارات الإنسانية في تعزيز وحدة المجتمع البشري، وتم رفع توصيات المؤتمر إلى جلالة الملك تمهيداً لاعتمادها كوثيقة للبحرين لدى الأمم المتحدة للتأكيد أن البحرين محطة مهمة من محطات الحوار بين الحضارات، وكانت الأمم المتحدة شريكاً أساسياً للمؤتمر.
مملكة البحرين صغيرة في حجمها إلا أنها كبيرة بحكامها وشعبها، مما مكنها من تكوين علاقات تعاون وصداقة ومودة مع مختلف دول العالم، لأن لها أرث تاريخي عريق يقارب سبعة آلاف سنة، وبها كثير من الآثار التاريخية التي تعود إلى حوالي خمسين ألف سنة، وبها أكبر مقبرة تاريخية في العالم وهي تلال عالي الشهيرة.
عرفت البحرين منذ القدم بأسماء عدة مثل ديلمون، وأرض الحياة، وجنة عدن، وذكرت في ملحمة جلجامش السومرية العظيمة أنها أرض الخلود، وذكرت في مدونات يونانية باسم تايلوس، ومركز تجارة اللؤلؤ، ومر بها الإسكندر الأكبر، وذكرها العديد من الرحالة الأوروبيين والعرب في مذكراتهم؛ لأنها تركت لديهم كثيراً من الانطباعات والاهتمامات كونها تقع في منطقة مهمة وحيوية لخطوط الملاحة القديمة، مما مهد لها لأن تكون في قلب الأحداث والفعاليات المرتبطة بالحضارات القديمة وتطورها والذي أدى لأن تكون البحرين منذ القدم مهداً لالتقاء الحضارات، وكذلك مدينة المنامة فإن لها تراث اجتماعي وغنساني واقتصادي وحضاري وتاريخي عريق يقارب السبعمائة سنة، وتميزت بأنها بوتقة متجانسة انصهرت فيها كل الأديان والمذاهب والأفكار ووجد بها سكانها ومقيموها وزوارها الأمن والألفة والتواصل والمحبة والهدوء والصفاء، لأن حكامها وسكانها حافظوا على جو من الحرية والألفة والأمن والمحبة وتشربوا بالعبر الروحانية والتاريخية ما جعلها مكاناً آمنا للعيش والعمل والتعليم وأداء الشعائر والمعتقدات الدينية في جو راقٍ من الألفة والانسجام والتناغم والمحبة وكأنهم أسرة واحدة متحابة ومتعايشة مع بعضها البعض في السراء والضراء لا يفرق بينها اختلاف أصل أودين أومذهب.
مدينة المنامة لها أحداث وأحقاب ومعالم جميلة وثقت وخلدت في سجل التاريخ؛ فقد أعطى هذا الزخم التاريخي والحضاري لسكانها اعتزازاً بمدينتهم، وهناك عوائل كثيرة مازالت قاطنة فيها منذ قرون عدة وتركوا بصمات وتراثاً لا ينسى في ذاكرة التاريخ، وسجلوا بذلك أروع تقدم اجتماعي واقتصادي وأمني وتجاري وحضاري في تاريخها العريق في أصالته وأعرافه وتقاليده، حيث تتجاور الجوامع والمساجد والمآتم والكنائس والكنيس والمعابد فى ألفة ومحبة وحرية في التعبير والمعتقد في إطار حضاري بهر الآخرين، مما مهد لمدينة المنامة أن تكون مدينة التقاء الحضارات؛ فالحب والعطاء يجوب مناطقها ولها ذكريات محفورة في قلب ووجدان ساكنيها الذين يمثلون مختلف الفئات والانتماءات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية ولا يوجد لديهم مفردات عرقية أو طائفية خلال تعاملهم وتعايشهم، والثقة متبادلة بينهم، وهناك تزاوج وزيارات عائلية ومجالس مفتوحة، لأن القلوب مفتوحة نحو جميع الأطياف وأبناء الأديان والمذاهب الأخرى، والزيارات الاجتماعية مستمرة فى جميع الأوقات والمناسبات، وهناك كثير من الشعائر والمناسبات الدينية الإسلامية والوطنية التي تقام في الجوامع والمساجد وفي المآتم خاصة أثناء أداء الشعائر الحسينية والاحتفالات المسيحية بعيد الفصح ومولد السيد المسيح عليه السلام في الكنائس والاحتفالات اليهودية بعيد الغفران والاحتفالات الهندوسية بعيد ديوالي وهولي والاحتفالات الأخرى.