في 18 نوفمبر من كل عام، يحتفل العمانيون بعيدهم الوطني معيدين إلى الأذهان ذكرى ميلاد النهضة العمانية التي انطلقت بعمان قبل 44 عاماً إلى آفاق التقدم والازدهار والانفتاح على محيطها الإقليمي والدولي تمد يد الصداقة والسلام إلى مختلف دول العالم بمرتكزات سياسية تستمد ثوابتها من هويتها العمانية الهادئة وثقافتها المنبثقة من إرثها الإسلامي وقيمها العربية الأصيلة الضاربة جذورها في أعماق الحضارة الإنسانية، مهتدية بالرؤية والدعائم التي أرساها السلطان قابوس فكان وهو يرسم خطط البناء والتعمير، حريصاً على أن يسابق الزمن ليعوض شعبه ما فاته، ويعيد له كرامته ومكانته، فانطلقت مسيرة النهضة العُمانية غير منغلقة أو محكومة بإطار ومنهج معين، بل كانت مزيجاً من الأصالة والمعاصرة، تأخذ من الآخر ما يصلح لها وتترك ما يتناقض مع مبادئها وأسسها، وكان الإنسان العُماني هو المحرك الأول لهذه النهضة بما يمثله من قيم وسلوكيات، زاده في ذلك ومثله الأعلى قائده وباني مسيرته السلطان قابوس بن سعيد، الذي امتلك رؤية واضحة لما يتمناه لعُمان، الوطن والشعب، الدولة والمجتمع، وتحمل مسؤولية إحياء حضارة الإنسان العُماني واستعادة أمجاده وربطه رباطاً وثيقاً بالأرض ليشعر بعمق الوطنية ومدى التجاذب بينه وبين أرضه الطيبة.
السياسة الخارجية
استقت السياسة الخارجية العُمانية أصولها ومنابعها من النهج العقلاني الذي ينتهجه السلطان قابوس في نظرته إلى الأمور وتقييمها بحكمة وموضوعية بعيداً عن الانفعال أو الاستعجال إزاء ما يستجد أو يستفحل من الأحداث السياسية سواء كان الحدث محليًا أو عربيًا أو على المستوى العالمي. وفي تعبير عميق عن مبادئ وأسس السياسة الداخلية للسلطنة، وسياستها الخارجية، أشار السلطان قابوس في كلمته خلال ترؤسه الانعقاد السنوي للفترة الخامسة لمجلس عُمان لعام 2012 «إن سياستنا الداخلية كما عهدتموها دائماً قائمة على العمل البناء لما فيه الصالح العام مواكبين تطورات العصر مع المحافظة على هويتنا وثوابتنا وقيمنا التي نعتز بها. أما سياستنا الخارجية فأساسها الدعوة إلى السلام والوئام والتعاون الوثيق بين سائر الأمم والالتزام بمبادىء الحق والعدل والإنصاف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وفض المنازعات بالطرق السلمية وبما يحفظ للبشرية جمعاء أمنها واستقرارها ورخاءها وازدهارها».
فعلى الصعيد الخليجي وانطلاقًا من إيمان عميق بأهمية وضرورة تعزيز التعاون والتكامل مع الدول الشقيقة اضطلعت السلطنة على امتداد السنوات الماضية، ولا تزال، بدور إيجابـي نشــط لتفعيل وتطوير التعاون والتكامل بيـن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، منذ ما قبل إنشاء المجلس وبعد إنشائه، وتسعى جاهدة من أجل تفعيل وتطوير أداء مجلس التعاون ليتجاوب مع تطلعات دول وشعوب المجلس.
وحرص السلطان قابوس بن سعيد دوماً على الالتقاء بإخوانه وأشقائه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس للتشاور في كل ما يخدم شعوب المنطقة.
وتحظى سياسات السلطنة ومواقفها على الصعيد العربي بتقدير واسع نظرًا للإسهام الإيجابي والمتزايد الذي تقوم به السلطنة تجاه مختلف القضايا العربية، وكذلك في تطوير علاقاتها الثنائية مع كافة الدول العربية، وبما يخدم الأهداف والمصالح المشتركة والمتبادلة لها جميعاً. وتؤيد السلطنة باستمرار جهود تطوير جامعة الدول العربية وآليات عملها وأجهزتها المختلفة، ومؤسسات العمل العربي المشترك بشكل عام بما يستجيب لتطلعات الشعوب العربية في تحقيق نهضة عربية شاملة في مختلف المجالات. ولم يقتصر الاهتمام والإسهام العُماني الإيجابي والنشط على ما يتصل بالقضايا الخليجية والعربية، ولكنه امتد أيضاً إلى الإطار الدولي الأوسع عبر أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا و»المنظمات الدولية والإقليمية التي تشارك السلطنة في عضويتها». وعلى الصعيد الآسيوي، اتسمت العلاقات العُمانية الآسيوية بالديناميكة والنشاط المتزايد في العديد من المجالات ومع العديد من الدول الآسيوية أيضاً تحقيقاً للمصالح المشتركة والمتبادلة خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية التي تستند كلها إلى علاقات سياسية قوية وراسخة. وعلى الصعيد الإفريقي، تشهد العلاقات العُمانية الإفريقية تطوراً ملحوظاً استمدت قوتها من الإرث الثقافي والحضاري الذي أسسه العُمانيون قديماً في شرق إفريقيا. وتتسم العلاقات العُمانية مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى وروسيا الاتحادية ودول الأمريكيتين بأنها علاقات وطيدة ومتنامية في جميع المجالات، فيما يتمتع جلالة السلطان المعظم بتقدير رفيع المستوى من جانب قيادات وشعوب تلك الدول الصديقة.
الشورى
تدخل مسيرة النهضة العُمانية الحديثة عامها الـ 44، وقد تمكنت السلطنة بالقيادة الحكيمة والاستشراف الواعي القويم للمستقبل أن تهيء للإنسان العُماني كل سبل ومقومات التقدم والنجاح والارتقاء بالذات، وشرعت عجلة النهضة في تنمية وبناء وتأهيل الإنسان ليكون شريكاً حقيقياً للحكومة في عملية التنمية والرقي.
ولأجل أن يؤدي المواطن دوره من منطلق ما تقتضيه هذه الشراكة، أُقيمت المؤسسات التي تتيح له أن ينهض بدوره في خدمة وطنه وتطور مجتمعه، حيث كان إنشاء مجلس عُمان بمجلسيه الدولة والشورى علامة أخرى ومفصلاً من مفاصل التاريخ تبرهن أن من جاء من أجل الوطن والمواطن، ومن يحرص على الالتقاء بشعبه في محافظاتهم وقراهم، لن يحيد عن وعده بتطوير منظومة الشورى العُمانية.
وإذا كانت الصلاحيات التشريعية والرقابية التي منحت لمجلس عُمان وفق المرسوم السلطاني رقم «39 /2011» الصادر في 12 مارس 2011، قد جعلته أكثر قدرة على التعبير عن تطلعات المواطنين، وإتاحة الفرصة أمامهم لمشاركة أوسع وأعمق في عملية صنع القرار، فإن تجربة المجالس البلدية شكلت في الواقع خطوة أخرى مهمة وذات دلالة على صعيد دعم الممارسة الديمقراطية وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين في خدمة مجتمعاتهم المحلية وتعزيز نهج الشورى العُمانية وهو ما ترافق أيضاً مع خطوات عدة لتعزيز استقلال القضاء والادعاء العام. من ناحية أخرى، كفلت السلطنة الحرية الدينية والفكرية للمواطن والمقيم على حد سواء باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الإنسان لا يمكن مصادرته، إذ من حق كل إنسان أن يمارس شعائره وطقوسه الدينية بكل حرية طالما لا يضر غيره.
التربية والتعليم
حرصت السلطنة على الاهتمام بالتعليم وتوفير مختلف المهارات والمعارف للإسهام في بناء الكوادر البشرية المؤهلة التي تلبي احتياجات مسيرة التنمية في البلاد حاضراً ومستقبلا، حيث أولت الخطة الدراسية للتعليم الأساسي وما بعد الأساسي اهتماماً أكبر من ذي قبل للمواد العلمية والرياضيات وتدريس اللغات، واستحدثت مواد دراسية جديدة لمواكبة المستجدات على صعيدي تكنولوجيا المعلومات واحتياجات سوق العمل من المهارات المهنية. ويمثل التعليم العالي وتوفر مراكز البحوث والدراسات العلمية والثقافية المعيار الأول لقياس مدى تقدم البلدان والمجتمعات، وهي عامل أساسي لرسم إستراتيجيات بناء الإنسان والمكان، ومن هذا المنطلق كان التعليم العالي وما يزال من الأبجديات التأسيسية لخطاب النهضة العُمانية المعاصرة. وفيما يتعلق بالقطاع الصحي، احتلت السلطنة المرتبة الأولى عالمياً في الاستعمال الفعال للموارد الصحية مما يؤكد سعيها نحو توفير الخدمات والرعاية الصحية للمواطن أينما كان على هذه الأرض وعلى امتداد حياته أيضاً وبمستوى كفاءة يضارع أفضل المستويات. في الوقت ذاته، تمثل الرعاية الاجتماعية للمواطن العُماني صلب اهتمامات الحكومة العمانية، ويعكس مشهد التنمية الاجتماعية في السلطنة، الخطوات المتقدمة التي تمت في هذا السياق، والتي تستهدف تحقيق الرخاء والاستقرار وتحسين نوعية الحياة للمواطن باعتباره الوسيلة والغاية لمجمل عمليات التنمية.
التنمية الاقتصادية
استهلت السلطنة عام 2014 بإعلان أكبر موازنة في تاريخها يبلغ حجم الإنفاق فيها نحو «13.5» مليار ريال عماني، مركزة على زيادة الإنفاق الإنمائي والاستثماري بما يتناسب مع الأهداف المعتمدة في الخطة الخمسية الثامنة «2011 – 2015».
وسعت الموازنة العامة للدولة لعام 2014 إلى تحقيق عدد من الأهداف من أبرزها، دعم استقرار النمو الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، والاستمرار في تطوير ورفع كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، واستكمال وتطوير البنية الأساسية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير البيئة الداعمة لنموها، ورفع كفاءة وإنتاجية الجهاز الوظيفي للدولة، ورفع كفاءة استغلال المدخرات المحلية، والاستمرار في تعزيز المدخرات والاحتياطيات المالية، والمحافظة على مستوى آمن للدَّين العام. إلى ذلك، تم تشكيل اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية «عُمان 2040» العام الماضي، بهدف إعداد رؤية جديدة تستفيد من التطورات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، مع الأخذ في الاعتبار التقييم الذي قامت به الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط للرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني «عمان 2020». كما يعدّ قطاع الصناعة أحد المحركات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة بعد قطاع النفط باعتباره أحد أهم الطرق لتحقيق التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة، من حيث تحقيق القيمة المضافة وتوفير فرص العمل للمواطنين، إضافة إلى قدرته على الإسهام في سد جانب كبير من الاحتياجات السلعية للمجتمع، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
الموانئ العمانية
شهدت السلطنة في عهد النهضة الحديثة إنشاء العديد من الموانئ التجارية والصناعية والمرافئ البحرية تجسيداً للدور الذي تلعبه هذه الموانئ في جذب الاسـتثمارات وتطوير الاقتصاد وتشجيع القطاعات غير النفطية للمساهمة في تنويع مصــادر الــدخــل القــومــي. وتعمل السلطنة على تنفيذ بــرامـج إنمـائـيـة لتطــويــر المـوانــئ بما يواكب النمو الاقتصادي في البلاد. وفيما يتعلق بالنقل البري، تشهد شبكة الطرق بالسلطنة تحديثاً مستمراً يواكب الحركة التجارية والسياحية والنمو السكاني والعمراني. وبالنسبة للنقل الجوي، تسعى السلطنة من خلال تشييد مطاري مسقط وصلالة ومطارات داخلية إلى مواكبة النمو الاقتصادي وازدياد أعداد السياح والمسافرين وحركة الشحن الجوي. وفيما يتعلق بالنقل البحري، تعتبر ناقلة النفط الخام العملاقة «المزيونة» أحدث ناقلة ضمن أسطول الشركة العمانية للنقل البحري وقد انضمت إلى الشركة خلال عام 2014 ويصل طولها الى 332 متراً وعرضها 60 متراً وبسعة 319 ألف طن متري. من جهة ثانية، يمثّل قطاع السياحة أحد القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني، وقد تجاوزت عائدات السلطنة من السياحة الدولية مستوى المليار دولار خلال عام 2012، وهو ما يعكس نجاح جهود الترويج للسلطنة التي تعد رابع أكبر سوق للسياحة الدولية في دول مجلس التعاون الخليجي.