فرغسون - (وكالات): عاشت الولايات المتحدة ليلة ثانية من الاضطرابات خاصة في مدينة فرغسون رداً على إسقاط الملاحقات القضائية بحق الشرطي الأبيض دارن ويلسون الذي قتل الشاب الأسود الأعزل مايكل براون في أغسطس الماضي، فيما عمت التظاهرات سائر أرجاء الولايات المتحدة، الأمر الذي قابلته الشرطة بتفريق المتظاهرين بقنابل الغاز المسيلة للدموع وقنابل الصوت، واعتقال المحتجين.
وقال مايكل جاكسون وهو من سكان ضواحي فرغسون في ولاية ميزوري «إنني هنا لدعم مايكل براون وعائلته ولرؤية العدالة تأخذ مجراها».
وفي الضاحية الصغيرة لسانت لويس التي تعد 21 ألف نسمة انتشر 2200 عسكري من الحرس الوطني، أي أكثر بثلاث مرات من أمس الأول، لمنع تكرار إشعال الحرائق وعمليات النهب.
وأمام مركز الشرطة قام شرطيون بلباس مكافحة الشغب يساندهم عناصر من الحرس الوطني مجهزون بالهراوات والدروع، بصد نحو 100 شخص يحملون لافتات كتب عليها «لن يسكتونا».
وتراجع الحشد نحو مقر البلدية حيث تم إحراق سيارة دورية وأطلق عناصر الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وفي سانت لويس أحرق متظاهرون أيضاً سيارة للشرطة وأعلنت السلطات أن التجمع «غير قانوني» مهددة بتوقيف المحتجين والصحافيين.
وبذلت السلطات كل ما بوسعها لمنع أعمال العنف مثلما حصل قبل يومين. وقد دان الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشدة أعمال العنف. وقال في خطاب ألقاه في شيكاغو بولاية إيلينوي «حرق المباني وإضرام النار في السيارات وتدمير الممتلكات وتعريض الناس للخطر: لا يوجد أي مبرر لذلك إنها أعمال إجرامية».
وتابع «هناك وسائل بناءة للتعبير عن الإحباط» مقراً بوجود شعور قوي لدى العديد من الفئات بأن «القوانين لا تطبق دائماً بنفس الطريقة وبشكل عادل». وبعد 3 أشهر من المداولات خلصت هيئة المحلفين الإثنين الماضي إلى أن الشرطي دارن ويلسون تصرف بحكم الدفاع المشروع عن النفس بإطلاق 12 طلقة باتجاه مايكل براون الذي صفعه أولاً على وجهه قبل أن يلوذ بالفرار.
وقال محامي الضحية «في كل أمريكا، في نيويورك ولوس أنجليس وكاليفورنيا وكليفلاند، يقتل الشبان السود بأيدي الشرطة». وفي كليفلاند بولاية أوهايو سار متظاهرون احتجاجاً على مقتل فتى في الثانية عشرة بداية الأسبوع الجاري على يد شرطي فيما كان يحمل سلاحاً زائفاً.
وفي نيويورك تم توقيف عدد من المتظاهرين بعد اعتقال شخصين الإثنين الماضي.
وحملت أثناء التجمعات لافتات كتب عليها عبارات مثل «السجن للشرطيين القتلة» و»نطالب بالعدالة لفرغسون» و»ارفعوا أيديكم، لا تطلقوا النار»، و»حياة السود مهمة» و»ليتوقف عنف الشرطة».
كذلك نزل مئات المتظاهرين إلى شوارع بوسطن وفيلادلفيا أو ناشفيل. وأحصت شبكة التلفزة سي إن إن تجمعات في 170 مدينة أمريكية. ومعظم هذه التجمعات سلمية لكن تخلل بعضها قطع طرق سريعة مثلما حصل في لوس أنجليس أو أوكلاند على الساحل الغربي. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين مثلما حدث في دنفر أو بورتلاند. وتمدد كثيرون أرضاً لقطع مفارق طرق وخاصة في لوس أنجليس حيث تذكر قضية مايكل براون بقضية رودني كينغ الذي تعرض للضرب المبرح على يد 4 شرطيين تمت تبرئتهم مما أثار اضطرابات في عام 1992. وقال سيماجي يونغ أثناء مسيرة نحو مقر الشرطة في لوس أنجليس حيث تجمع حشد متعدد الأجيال والأعراق من 400 شخص تقريبا، «سئمت من رؤية الأقليات تواجه ظلم الشرطة».
وفي أول تصريح له منذ مقتل مايكل براون أكد الشرطي دارن ويلسون لمحطة إي بي سي أن «ضميره مرتاح» وأنه لكان تصرف بنفس الطريقة مع شاب أبيض. وأوضح أنه خاف من أن يقتل لاعتقاده أن الفتى البالغ من العمر 18 عاماً كان بصدد انتزاع سلاحه ليطلق النار عليه. وقال «إنه انقض علي، وكان سيقتلني».
لكن عائلة براون قالت إنها «لا تصدق أية كلمة» من إفادة عنصر الشرطة. وقالت والدة براون إن هذه الرواية غير صحيحة منددة «بنقص تام في الاحترام» حيال ابنها. وقالت ليسلي ماكسبادين لشبكة «سي بي إس» «لا أصدق أي كلمة مما قاله، أعرف جيداً ابني، لم يكن ليقوم بهذه الأمور. لم يستفز أحداً». أما والده فندد أيضاً بإفادة الشرطي. وقال لشبكة إن بي سي، «أولاً، إن ابني كان يحترم قوات الشرطة. وثانياً، أي شخص عاقل يجرؤ على تحدي عنصر شرطة يحمل سلاحاً». أما محامي عائلة الشاب الأسود، بنجامين كرامب، فانتقد من جهته ما وصفه بـ»نظام قضائي في خلل»، مندداً بصلة تقارب بين المدعي الذي قتل والده الشرطي على يد أسود وشرطة سانت لويس. ولفت إلى التناقضات في شهادات الشرطي، معرباً عن أسفه لأن الأخير لم يواجه أي استجواب مضاد.
لكن دارن ويلسون الذي مازال في عطلة إدارية ليس في منأى عن أي ملاحقة. وقد ذكر وزير العدل إريك هولدر بأن ثمة تحقيقين جاريين ووعد بنتائج سريعة من أجل «إعادة الثقة» بين الشرطة والمواطنين السود.
ووصلت تداعيات هذه القضية إلى فرنسا حيث دعا الناطق باسم الحكومة الفرنسية وزيرة العدل كريستيان توبيرا إلى عدم الإدلاء بتعليقات حيال ما يحصل في الولايات المتحدة بعدما كتبت في تغريدة متساءلة «هل يجب قتلهم قبل أن يكبروا؟». وقال ستيفان لو فول أمام الصحافيين في ختام جلسة لمجلس الوزراء «يجب الامتناع عن الإدلاء بتعليقات حيال ما يحصل في الولايات المتحدة حيث هناك قوانين وإجراءات» سارية.
والمسؤولة المستهدفة هي الوزيرة توبيرا المتحدرة من غويانا واحد الوزيرين السود في الحكومة والتي تعرضت لإهانات عنصرية في 2013. وأثارت تغريدة الوزيرة ردود فعل عديدة لدى الطبقة السياسية الفرنسية حيث اعتبرها البعض من المعارضة اليمينية «تدخلاً». وفي وقت سابق، أعلنت روسيا أن أعمال العنف في مدينة فرغسون تؤكد أن الولايات المتحدة تواجه «مشاكل داخلية كبيرة على صعيد احترام حقوق الإنسان». وأتت أعمال العنف بعد يوم من مقتل طفل أسود آخر من أصول أفريقية بنيران رجال الشرطة في ولاية أوهايو، عندما كان يلهو بمسدس «لعبة» يطلق الكرات اشتبهوا بأنه سلاح حقيقي، رغم أن الطفل تمير رايس، لم يصدر عنه أي تهديدات لفظية ضد عناصر الشرطة أو يصوب المسدس نحوهم، بحسب نائب رئيس شرطة كليفلاند، إد تومبا.