كتب – جعفر الديري:
الأهزوجة نوع من الأناشيد الشعبية الغنائية، لا يصاحبها أي نوع من الآلات الموسيقية، تعتمد في إلقائها على المد الطويل للكلمات مع إصدار الصوت الواضح الدال على هذا التمديد.
يعرف الباحث البحريني أحمد مبارك سالم، الأهازيج بأنها: نص مأثور شفهي، يتكرر على لسان شريحة من المجتمع، يمثلها فرد أو جماعة تقوم بعمل ما له صوت وإيقاع ووزن ومعنى، ويستجيب لمواقف معينة، ويقوم بدور تربوي وتعليمي ذي نزعة دينية، وبذلك تكون للأهزوجة سمات معينة تميزها عن غيرها مما كان يتغنى به الآباء والأجداد.
أما أغراض الأهزوجة، فمنها ما يرتبط بعلاقة الأمهات بالأطفال، فالأم لها أهازيج أثناء تنويم طفلها يطلق عليها الماودة، وأخرى عندما توقظه في الصباح، وتارة عند مداعبته، ولها أهازيج أثناء ترقيصه، وأثناء إطعامه الأكل، ولها أهازيج للتفاخر به، وتمني الخير له، ومن الأهازيج ما يمثل التفاعل مع المتغيرات الكونية، ومنها ما يرتبط بحياة الأطفال، وما يرتبط بممارسة العمل، كذلك ما يرتبط بإحياء المناسبات، وما يرتبط بطقوس المجتمع ومعتقداته.
ونقرأ في كتاب «الأهازيج الشعبية المرتبطة بحياة الأطفال في البحرين»، الصادر ضمن سلسلة «كتاب البحرين الثقافية»، إن الأهازيج الشعبية في البحرين، خرجت من بيئة تتسم في مختلف جوانبها بالتقليدية والبساطة، حيث كان الناس يجدون فراغاً في حياتهم حتى ينظموا هذه الأهازيج التي كانوا يتغنون بها، وتتردّد على ألسنتهم في مختلف جوانب حياتهم. وأن الأهازيج الشعبية شملت واستوعبت مختلف الجوانب التي عاشها الآباء والأجداد، وأن البساطة والتقليدية التي كانت عليها تلك الحياة، هي التي كانت تشكل أرضاً خصبة لبروز تلك الأهازيج. ويتضح من خلال استقراء الامتداد للأهازيج الشعبية أن منها ما هو ممتد إلى واقعنا المعاصر؛ وذلك لارتباطه بأشياء مازالت موجودة، وذلك كأهازيج رمضان، ومنها ما اندثر لارتباطه بأشياء لم يعد لها وجود كأهازيج الغوص، كما إن أنماط الأهازيج الشعبية تتعدد ما بين نثر، وشعر عامي موزون ومقفى وغير مقفى، ومنها ما نظم على نمط الشعر الفصيح، ومنها ما نظم على نمط الحوار.
وفي موضع آخر من الكتاب: إن الحياة الاجتماعية والثقافية، في البحرين قبل مائة عام، كانت ذات نمط مختلف عكست ذلك الواقع الذي كانت الأم فيه تدغدغ بحنانها طفلها منذ نعومة أظفاره.. لقد كانت حياة بسيطة وعفوية أفرزت تلك الأهازيج التي ارتبط جانب منها بحياة الأطفال في غدوّهم ورواحهم، وفي جدّهم ولعبهم، وفي نومهم وعند استيقاظهم مع إشراقة شمس كل صباح.. كانوا يتغنّون بتلك الأهازيج مع الباعة المتجوّلين، ومع الشيخ في الكتاب عندما يختمون القرآن، ومع أمّهاتهم بين العشيّ والإبكار، فلا ينامون إلا عليها، ولا يستيقظون إلا على أنغامها الشجية التي كانوا يتغنّون بها.. هذه هي الأهازيج الشعبية التي ارتبطت بحياة الطفل البحرينيّ قبل مائة عام، فشنّفت مسامعه، وجعلت حياته ذات تفاعل من نوع آخر عكس كلّ معالم البساطة والعفوّية والانسجام والألفة المجتمعية الحانية.