عواصم - (وكالات): عززت السلطات الفرنسية التي لا تزال تعيش تحت وقع التهديد الإرهابي، إجراءاتها الأمنية عشية حشد ضخم متوقع أن يشارك فيه أكثر من مليون شخص تضامناً مع ضحايا الاعتداءات التي نفذها متطرفون.
وغداة النهاية الدامية لأسوأ هجمات إرهابية تشهدها فرنسا منذ نصف قرن، انتهت بمقتل 3 مسلحين متطرفين و17 شخصاً، وإصابة 20، لا تزال قوى الأمن تبحث عن حياة بومدين رفيقة محتجز الرهائن اميدي كوليبالي الذي قتل في باريس، بينما أكدت مصادر أمنية فرنسية في وقت لاحق أنها غادرت إلى تركيا «منذ بعض الوقت». وأعلنت قيادة أركان الجيوش الفرنسية أنه سيتم نشر نحو 500 عسكري إضافي تدريجياً في العاصمة وضواحيها ما يرفع إلى 1350 العدد الإجمالي للجنود الذين سينشرون اليوم إلى جانب قوات الشرطة.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف الإبقاء خلال الأسابيع المقبلة على خطة مكافحة الإرهاب المطبقة في المنطقة الباريسية والتي رفعت الأربعاء الماضي إثر الاعتداء على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة، الذي أوقع 12 قتيلاً، إلى أعلى مستوى، موضحاً أن السلطات ستعزز الأمن بكل الوسائل البشرية والمادية. ويتوقع أن تكون «المسيرات الجمهورية» التي ستنظم اليوم وأهمها بباريس، استثنائية لجهة العدد ومشاركة قادة أجانب. وقال رئيس الوزراء مانويل فالس «ستكون تظاهرة غير مسبوقة، ويجب أن تظهر قوة وكرامة الشعب الفرنسي الذي سيهتف بحبه للحرية والتسامح. فهبوا لها». وسيتظاهر كبار القادة الأوروبيين في باريس تضامناً مع فرنسا. وعلاوة على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يشارك في تظاهرة باريس، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ورئيس أوكرانيا بترو بوروشنكو، ورئيس مجلس أوروبا دونالد توسك، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، ورؤساء حكومات السويد والنرويج والبرتغال والدنمرك وبلجيكا وهولندا ومالطا وفنلندا ولوكسمبورغ، والرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كايتا ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ورئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تلبية لدعوة هولاند. وسيمثل المغرب التي تشهد علاقاتها مع فرنسا فتوراً، وزير الخارجية صلاح الدين مزوار لكن الرباط حذرت من أنه في حال شهدت التظاهرة عرضاً لرسوم مسيئة للرسول محمد، فإن وزيرها لن يشارك في التظاهرة. من جهته، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تضامن بلاده بكل قوة مع فرنسا مشيراً إلى «القيم العالمية» التي تربط بين البلدين مثل «الحرية». وقال في كلمة ألقاها في نوكسفيل في ولاية تينيسي الجنوبية غداة زيارته سفارة فرنسا في واشنطن «أريد أن يعرف الفرنسيون، الولايات المتحدة تقف إلى جانبكم اليوم وستكون إلى جانبكم غداً أيضاً». وأضاف أن الإدارة الأمريكية كانت على اتصال دائم مع الحكومة الفرنسية «طوال مدة المأساة»، مؤكداً إزاحة «التهديدات الآنية» رغم أن الحكومة الفرنسية تواجه تهديدات إرهابية و«يجب أن تتوخى الحذر واليقظة». واتصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الفرنسي، وأكد له «تضامن الشعب الفلسطيني مع فرنسا ضد العملية الإرهابية»، كما نددت «حماس» بالعملية. وشهدت فرنسا تظاهرات حاشدة في عدة مدن شارك فيها أكثر من 700 ألف شخص. وتركت الهجمات الإرهابية الدامية في الأيام الثلاثة الأخيرة فرنسا في حالة من الصدمة العميقة مع تساؤلات عديدة بشأن إخلالات محتملة في المستوى الأمني. وانتهت مطاردة الشقيقين منفذي اعتداء الأربعاء الماضي على مقر «شارلي إيبدو» بشكل دموي إذ قتل سعيد وشريف كواشي شمال باريس. كما قتل ثالث الإرهابيين المتطرفين أميدي كوليبالي المرتبط بالشقيقين، حين اقتحمت الشرطة متجراً يهودياً في شرق باريس كان يحتجز فيه رهائن وقد قتل منهم 4. وأعلن المتطرفون الثلاثة قبل قتلهم بأنهم نسقوا فيما بينهم، وأكد الشقيقان كواشي انتماءهما إلى تنظيم القاعدة في اليمن فيما أكد كوليبالي انتماءه إلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
وكشف مدعي عام باريس فرنسوا مولان عن قيام روابط «متواصلة ومكثفة» بين شريف كواشي واميدي كوليبالي من خلال رفيقتيهما.
وتعتقل الشرطة منذ الأربعاء الماضي الزانة حميد زوجة شريف كواشي في حين أصبحت حياة بومدين «26 عاماً» رفيقة كوليبالي من جهتها المطلوبة الأولى في فرنسا. وحياة بومدين متدينة وترتدي النقاب ما أرغمها على التخلي عن وظيفتها كأمينة صندوق، وفق ما أوردت صحيفة «لو باريزيان».
وبحسب مصدر أمني فإن كوليبالي طلب وهو يحتجز رهائنه، من مقربين منه «مهاجمة أهداف مختلفة وخصوصاً مفوضيات الشرطة في ضواحي باريس».
وأميدي كوليبالي صاحب السوابق الذي سبق وأدين في قضية تطرف التقى شريف كواشي في السجن حيث اعتنق التطرف. وبرر كوليبالي المتحدر من أصول مالية، فعلته أمام الأشخاص الذين احتجزهم رهائن قائلاً إنه انتقام للتدخل العسكري الفرنسي في مالي والقصف الغربي في سوريا، خلال حديث تم تسجيله وبثته إذاعة «ار تي ال». في هذه الأثناء، هدد المسؤول الشرعي في تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» حارث النظاري فرنسا بهجمات جديدة في شريط فيديو بثته مواقع متطرفة. وقال النظاري في الشريط «أيها الفرنسيون أولى بكم أن تكفوا عدوانكم عن المسلمين لعلكم تحيون في أمان وإن أبيتم إلا الحرب فابشروا فو الله لن تنعموا بالأمن ما دمتم تحاربون الله ورسوله والمؤمنين». وكان شريف كواشي معروفاً لدى أجهزة الاستخبارات الفرنسية وكان الشقيقان مدرجين «منذ سنوات» على القائمة الأمريكية السوداء للإرهاب.
ويعقد مؤتمر حول الإرهاب اليوم في باريس سيضم 12 وزير داخلية أوروبياً وأمريكياً. من جهته، اعتبر مركز سيمون ويزنتال أن هجمات المتطرفين ضد صحيفة «شارلي إيبدو» والمتجر اليهودي في باريس تعتبر «كارثة» بالنسبة لأجهزة المخابرات الفرنسية وتسلط الضوء على فشلها.