بقلم - د. خالد الشنو:
تخيل! لو أن ابنك دخل إلى غرفة نومك، ونثر فيها محتويات سلة القمامة من علب معدنية فيها بقايا سوائل، ومناديل متسخة، وأغلفة فيها آثار شوكولاتة، وقشور الحب الشمسي والفصفص، وفتات الأوراق الصغيرة، ونشارة أقلام الرصاص والألوان!
ما هو شعورك حينها؟ وماذا ستكون ردة فعلك تجاه ابنك؟ وما هو الوصف المناسب والكلام اللائق الذي يستحقه ابنك وقتها؟ سأترك لخيالك العنان، ليتصور هذا المشهد المأساوي المقزز!
والسؤال الآن، بعد أن نقف مع أنفسنا قليلاً: ألسنا أحياناً نفعل ما فعله هذا الابن، ولكن في مكان آخر، في الشارع العام، في المنتزه والحديقة، عند ساحل البحر، في المرافق العامة، في طريق السفر... ؟! ما هو الوصف المناسب الذي يليق بنا ونحن نفعل هذه الأفعال المشينة الضارة؟! ربما يقول قائل: من الطبيعي أن نفعل ذلك، لأنها من مهام البلدية وجامعي القمامة، أو لأنه شارع عام وكبير، أو لأن الكل يفعل ذلك «يعني حبكت علي؟!»، أو عوامل الطقس والتعرية كفيلة بها!
قد يظن البعض أن الحديث حول هذه الموضوع لا داعي له، وربما يقلل من شأنه، وقد يعتبرها جزئية بسيطة جدا لا تستحق مقالاً، والحقيقة غير ذلك تماماً! لأن هذه الجزئية البسيطة قد تدخلك الجنة، وقد تكون بسببها من أصحاب النار! وقد تجعل صاحبها متحضراً ومواطناً صالحاً نافعاً، وقد تجعله متخلفاً ليس من المواطنة الصالحة النافعة في شيء! وإليكم البيان.
إن إماطة الأذى عن الطريق من جملة الإيمان العملي التطبيقي، قال رسولنا عليه الصلاة والسلام، «الإيمان بضعٌ وسبعون -أو بضع وستون- شعبةً، أعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان». متفق عليه.
والحرص على إزالة القاذورات من الطريق من حسنات هذه الأمة، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن». رواه مسلم.
ودخول الجنة قد يكون بعمل صغير في الأعين، ولكنه كبير عند الله تعالى «مر رجل بغصن شجرة في ظهر الطريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين، حتى لا يؤذيهم، فأدخل الجنة». رواه مسلم.
وإماطة الخمام عن الطريق، لا يقل أهمية عن ذكر الله عزوجل في الثواب، «خلق الله ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجراً عن طريق المسلمين، أو عزل شوكةً، أو عزل عظماً، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد الستين والثلاثمائة السلامى، أمسى من يومه وقد زحزح نفسه عن النار». رواه مسلم.
وفي المقابل، فإن إلقاء القاذورات من نافذة السيارة، أو ترك بقايا المأكولات والمشروبات على الأرض بعد انتهاء رحلة البر أو البحر، من أفعال غير المؤمنين، ففي الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» رواه البخاري، وهو من أنواع إيذاء المؤمنين المنهي عنه، وفي هذا يقول الله عز وجل: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً»، «الأحزاب: 58».
وأخيراً، تذكر، أن وطنك هو بيتك الكبير، فحافظ عليه!