كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
واصل د.عيسى أمين حديثه الشيق والمثير حول جزر البحرين والآثار الموجودة، ونقل تفاصيل من تقرير الكابتن ديوراند المساعد الأول للمقيم السياسي في بوشهر، مرفقاً مع رسوم تبين المقبرة القديمة، والتي يذكرها الكابتن ديوراند في تقريره، قائلا:ً «لم أجد أي وصف سابق لها سواء من قبل الكتاب أو المؤرخين، لذلك فإن هذا التقرير على ما أتصور سيكون محل إعجاب المهتمين بالآثار، ولقد استلمت بالفعل رداً إيجابياً من مجلس أمناء المتحف البريطاني، والذي وعد بتقديم مائة جنيه منحه من أجل التنقيب، وإذا ما قامت الحكومة بطباعة التقرير فإنني أود الحصول على اثني عشر نسخة منه»...


وحول التقرير الفريد من نوعه، ذكر د.أمين، أنه يتضمن واحداً وعشرين معلومة عن البحرين وجزرها ومواقع التنقيب عن الآثار فيها، ومدى الاستفادة منها كجزيرة غنية بالعديد مــن المـــوارد، هـــي: -1 هذه الجزيرة تم احتلالها بواسطة الفرس في 1622 بعد أن كانت خاضعة للبرتغاليين والتي كما قال أحد المواطنين فيها «بأن هذه الجزيرة فضة وبحارها لآلئ».-2 تحيط بهذه الجزر سواحل مرجانية مما يعطيها جمالاً أخاذاً. -3 لو أمعنا النظر صباحاً في اتجاه البحر سوف نجد السماء الصافية، وتبدو الصورة كما لو أن الطبيعة قد استهلكت كل اللون الأخضر لديها في تلوينها وبعد أن أرهقها العمل انتهت بلون بنفسجي رائع في مقدمة هذه الصورة. -4 بحرها نقي حتى إنك تستطيع رؤية القاع والصخور المرجانية وينابيع المياه العذبة التي تخرج من هذا البحر في كل مكان على الساحل. -5 لقد أخبرني أحد المهتمين بالتاريخ في البحرين في فترة حكم عبدالملك بن مروان، أنه جاء أحد رؤساء القطيف طالباً يد ابنة أحد وجهاء البحرين، وقوبل طلبه بالرفض برغم الجاه والمال، فانتقم الرجل من أهل البحرين وقام بقطع الماء عنهم من ثلاثة آبار رئيسة الأول في عالي، والثاني بلاد القديم، أما الثالث ففي الدراز، بعدما ردمت الآبار قامت «آلهة الماء» بتحويل مجاريها إلى ينابيع في المحرق، وهزمت بذلك المعتدي الذي عاد إلى بلده. -6 برغم جمال شواطئ البحرين إلا أنها تخفي خطراً كامناً حيث لم يقم أحد بتخطيط هذه السواحل، ومعرفة المداخل فيها عدا واحد فقط في الشمال والشمال الشرقي، ويؤكد أرباب السفن هنا بأن السواحل بالفعل خطرة.
مركز تجاري
واستطرد د.أمين في ذكر الـ 21معلومة التي تضمنها التقرير، قائلاً»: -7 تحيط بجزر البحرين أرض الجزيرة العربية من ثلاثة واجهات وتبتعد مسافة 30 – 40 ميلاً عنها تبقى واجهة بحرية واحدة فقط تصعب حراستها كانت ومازالت مصدراً ومدخلاً لكل الاعتداءات الخارجية على هذه الجزر. -8 من قمة جبل الدخان في وسط الجزيرة الكبرى يمكن مشاهدة كل السواحل ولذلك فإن من الممكن إنشاء نقطة مراقبة على قمة الجبل. -9 التجارة ليس هناك الكثير الذي من الممكن التحدث عنه ماعدا تجارة اللؤلؤ والتي تعتبر الدخل الرئيس للبلاد، وتستورد البحرين الأرز والقماش وكل ما تحتاج إليه من قهوة وأشياء أخرى من الهند ويقوم التجار «البانيان» بنقل المواد المستوردة إلى البحرين. -10 من الممكن لو تهيأت لهذه الجزر إدارة جيدة، أن تتحول إلى مركز تجاري لكل مناطق الخليج، وسيتوافد إليها التجار من البصرة إلى عمان. -11 ومن الممكن في هذه الحالة وبصورة ممتازة بناء مستودعات البضائع على أرض محيطة بالميناء بعد ردم جزء من البحر، وأنني أتصور البحر الذي تم ردمه يمتد من قلعة البرتغال إلى المحرق، خاصة أنه وفي حالة الجزر من الممكن بناء حائط صخري كأساس لهذا العمل الهام. -12 أما عن البحرين الداخل فإننا نجد في الجنوب والشرق تبدو الجزيرة وكأنها خاوية عدا بساتين النخيل، والتي تقع قريبة من الساحل وتمتد من الشمال إلى الشمال الشرقي، وبطبيعة الحال فإنها تحصل على الكم الكبير من الماء العذب، -13 مصادر المياه قد أوجدت ينابيع الماء العذب في البحر في كل مكان والتي يعتبرها العرب - كما يذكر فورستر- أنها آبار في البحر مثل تلك التي على الأرض، وأنها جميعها تنبع من نهر جوفي هو امتداد لنهر الفرات، وتعتبر عين قصارى من العيون الرئيسة وهي قريبة من المنامة وبلاد القديم وأم الشعوم على بعد ميل من شرق المنامة وأبوزيدان في بلاد القديم وعذارى، والتي يمتد جدول الماء منها بعرض 10 أقدام وعمق قدمين إلى بساتين كثيرة، بينما يبلغ عمق العين نفسها 30 إلى 35 قدماً، ويتدفق الماء منها بقوة إلى أعلى، وقام أهل البحرين قديماً ببناء جدار هذه العين بعرض 22 قدماً وطول 40 قدماً والماء فيها شفاف ذو لون أخضر خفيف، وبها أسماك وسلاحف، والماء في هذه العيون ليس عذباً كما يعتقد لأن المياه العذبة تجلب من أم غويفة والحنينية من جبال الرفاع.
غزلان البحرين
واستكمل د.أمين ذكر تفاصيل التقرير، قائلاً» -14 أما التركيبة الجيولوجية لجبل الدخان فهي من الحصى الكلسى، وأعتقد أن من المنطقة أخذ سكان البحرين القدماء الصخور لبناء القبور الأثرية. -15 عندما نقترب من السواحل نجد تلال المقابر تمتد على بعد البصر كبيرة وشاهقة تلال فوق تلال مجموعات على أرض مرتفعة وأخرى على أرض منبسطة أنها جميعها تحاول أن تشد انتباهك إلى حضارة كانت هنا على هذه الجزيرة، وأغلب التلال العالية موجودة في قرية عالي ولكن هناك مثيلاتها في بلاد القديم، مجموعة منها تتميز باللون الأحمر على اليسار من الطريق إلى الرفاع ومجموعة من خمسة أو ستة تلال كبيرة تواجه البحر في الجهة الشمالية. -16 يحصل سكان البحرين على الملح من المنطقة الجنوبية. -17 الأشجار والنباتات: تحتل النخلة المقدمة في الأشجار الموجود في البحرين، وفيها بساتين كثيفة وجميلة، ولكن هناك أشجاراً دمرت بسبب الإهمال كأشجار البرتقال في بستان الشيخ أحمد، وشاهدت منها المئات التي تحمل الفاكهة الذهبية، وتتخلل الأشجار اليانعة أخرى تحمل المشمش واللوز والتمر الهندي والتين والعنب والرمان، وعلى الأطراف أشجار زيت الخروع في مزارع أخرى يوجد البرسيم والذي يزرع بكثرة لإطعام البقر والحمير والماعز، وكما يبدو لي فإنه من الممكن زراعة أي نوع من الخضار في البحرين وعلى مدى ستة أشهر صالحة للزراعة، وخاصة أن الماء متوفر طوال الأشهر الستة، أما عن الحيوانات فهي البقر والجمال والحمير وكلها تتغذى على البرسيم، والجمال القوية يملكها الشيوخ وكذلك الخيل، أما الأبقار فهي جيدة، وتتميز البحرين بالحمير البيضاء المشهورة والتي يمتلك الغالبية منها الشيوخ وبعض التجار، أما الأخرى الرمادية والصغيرة نسبياً فهي تستخدم في كل القرى في الأعمال اليومية، وفي هذه الجزيرة توجد الغزلان والأرانب البرية، إلى جانب ابن عرس وغزلان البحرين تتميز بجمالها ورشاقتها مقارنة بتلك التي بالعراق وفارس.
حضارة قديمة
وذكر د.أمين في النقاط الواحدة والعشرين التي يتضمنها التقرير، قائلا:ً «-18 الآثار: لقد قدمت بعض التفصيل عن الآثار ولكنني أستطيع القول بأنك أينما تقف في البحرين فإن تحت قدميك أرضاً غير طبيعية أنها آثار بلاد كانت عامرة بالناس وتحت ترابها توجد آثار حضارة قديمة تمتد لقرون عديدة. -19 سأعطي فكرة مبدئية عن هذه الحضارة، وبعدها سأقدم تقريراً خاصاً عن عملية البحث والدراسة التي قمت بها وأترك استنتاجات للباحثين الآخرين للنفي أو التأكيد على ما توصلت إليه. -20 كما توصلت إلى أن الجزر كانت تحت سيطرة الفينيقيين والبابلين والفرس والعرب والبرتغاليين كما يذكر المؤرخ هيرودتس بأن الفينيقيين بدؤوا هنا ومنها انتقلوا إلى شواطئ البحر المتوسط، ويتساءل رولنسون عن إمكانية كون مدن الخليج مدن رئيسة فينيقية، أم أنها مستعمرات فينيقية ويؤيد كل من سيتزن وهيرين الجزء الأخير من الفرضية ويعود رولنسون ليعطي فرضية جديدة بأن قبور البحرين هي في الحقيقة فينيقية، وهذه النظريات أثبتت البعثات التنقيبية في البحرين عدم صحتها وعادت نسبة القبور والمدافن والمعابد إلى سكان البحرين وليس الفينيقيين. -21 بحثت في المساجد عن كتابات عربية ربما تنقل لي معلومات عن تاريخ البحرين وأخذني البعض إلى مشهد أبو زيدان قرب البلاد القديم، ووجدت لوحة بالخط الكوفى يبدو أنها نقلت من مكان آخر ولم أرسمها. بعد عدة فناجين من القهوة وعدة زيارات أخرى أبلغت عن حجر لا أحد يستطيع قراءة الكتابة المحفورة فيه، ورافقني البعض إلى الداودية في بلاد القديم، ووجدت أن هذا الحجر بازلتي أسود يشبه السفينة عند اكتشاف أهمية هذا الحجر أخبرت القائم على المسجد والمدرسة بأن هذا الحجر صنم تابع لعبدة النار، وتمكنت من الحصول عليه مقابل عدة روبيات استخدمت لترميم الحائط الذي أزيل منه هذا الحجر. وهذا الحجر أزاله الكابتن ديوراند في عام 1878، وكانت الكتابات المنقوشة عليه بالبابلية وقام هنري رولنسون بفك رموزها ووجد قصر ريموم خادم الإلهة آنذاك وهو من قبيلة أجاروم، ويعتبر آنذاك ابن الإلهة أنكي الإلهة الرئيسة في البحرين، ولقد فقد الحجر في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن هناك رسوماً وصوراً له فقط ويعتبر من الكتابات القليلة المنسوبة لحضارة دلمون في البحرين.
سعف النخيل
وأضاف، د.أمين، نعود الآن إلى المدافن، وسأقوم برسم وشرح بعض قبور قرية عالي، قرية عالي قرية صغيرة بنيت على آثار سابقة وتقع بجانبها مدافن قائمة كمجموعة مستقلة سأقوم بوصفها، ويتراوح عدد المدافن من 25 إلى 30 مدفناً وبعضها كبير ومرتفع والباقي تلال صغيرة، ويبلغ ارتفاع الكبيرة منها 40 – 50 قدماً، وذات أقطار تبلغ من 40 – 50 ياردة، وبدراستي للبعض منها وخاصة وجود حجرة علوية فيها فإنها تبدو لي وكأنها معابد أكثر من كونها مدافن للموتى، ولاشك أنها تقع في تشكيل فريد، وفي مقدمة مئات من التلال الصغيرة المتراكمة على امتداد البصر، والتي بلاشك أنها قبور تحتوي على بقايا الموتى الذين مازلت أتساءل من أين جاءوا وأين مساكنهم، وربما أستطيع القول بأن المنازل كانت مصنوعة من سعف النخيل، وهي في النهاية اختفت من الوجود، ولكن وفي اعتقاد آخر ربما كانت هذه قبور الفينيقيين الذين كانوا في «الجرعاء»، على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، واختاروا هذه الجزيرة لأشجارها اليانعة ومائها العذب لتكون أرض الخلود لموتاهم.
وبالعودة إلى تلال عالي الشاهقة، والتي بنيت من صخور مقطوعة وكبيرة فلقد تمكنت من الزحف والدخول إلى تجويف أحد هذه التلال الضخمة، ولم أجد أية كتابات أو نقوش على جدرانها وكما يفعل الإنسان دائماً لقد استخدم الناس.
وفي فترات حديثة هذه التلال كمصدر للصخور من أجل بناء مساكنهم وهذا بطبيعة الحال أدى إلى تعريض جدرانها للأجواء الخارجية.
قام الكابتن ديوراند بالتنقيب في التلال الملكية في عالي، ووجد رفات أموات وأوان فخارية وقطع معدنية أخذ الكثير منه إلى بريطانيا إلى جانب حجر المدرسة الداودية في بلاد القديم، واقترح أن يعود للتنقيب بحثاً عن الكنوز في هذه التلال كما كان يعتقد.
وفي ختام تقريره، يطلب من السلطات البريطانية اعتبار الساحل الممتد من خليج سلوى إلى جزيرة الزخنونية ماراً بالعُديد كلها مناطق أثرية مطمورة في التراب وتحتاج إلى أعمال التنقيب لم يكن ديوراند عالماً في الآثار ولكنه قام بوصف تلال المدافن ورسمها بصورة دقيقة من الممكن الاستفادة منها اليوم في أعمال التنقيب وبرغم اختلاف نظرياته من ناحية أصول أصحاب المدافن إلا أن تقريره يعتبر أول بحث علمي في آثار البحرين.