التسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم رد الإساءة بالإساءة، والترفع عن الصغائر، والسمو بالنفس البشرية إلى مرتبة أخلاقية عالية، والتسامح كمفهوم أخلاقي اجتماعي دعا إليه كافة الرسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهمية كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات.
ويعني التسامح احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسية لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات الإنسانية العامة. وليس التسامح فقط من أجل الآخرين، ولكن من أجل أنفسنا وللتخلص من الأخطاء التي قمنا بها، والإحساس بالخزي والذنب الذي مازلنا نحتفظ به داخلنا، التسامح في معناه العميق هو أن نسامح أنفسنا فمن هذه الناحية نرى كم هي عظيمة تلك النفوس المتسامحة التي تنسى إساءة من حولها، وتظل تبتلع حماقاتهم، وأخطاءهم، لا لشيء سوى أنها تحبهم حباً صادقاً يجعلها تعطف على حماقاتهم تلك، وتضع في اعتبارها أنه لا يوجد إنسان معدوم الخير، ولكن يحتاج إلى مخلص يبحث عن ذلك الخير، فهي تعذرهم؛ لأنها تضع في اعتبارها أن من يسيء لغيره قد يعيش ظروفاً صعبة أدت به أن يسيء لمن حوله، لكنه لا يجد من يعذره ويتسامح عن زلته.
التسامح قد يقلل كثيراً من المشاكل التي تحدث بين الأقران والأحبة؛ لسوء الظن، وعدم التماس الأعذار، فقد يكون شخص ما صديقك، وأخاً لك، ولكن لتصرف صدر منه خطأ قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأ الشيطان يوسوس لابد بأنه فعل كذا لأنه يريد كذا، أو قال كذا يقصد كذا، وهو لم يقل تلك الكلمة لشيء ولا لسبب، إنما خرجت منه دون قصد، لذلك نقول إنه علينا أن نزن كلماتنا قبل أن تخرج؛ لأن الكلمة رصاصة، إذا خرجت لا تعود.
وحتى تكون نفوسنا عظيمةً كتلك النفوس، صافيةً شفافةً لا تعرف الأحقاد، كالزجاجة تشف عما بداخلها؛ لأنها لا تحوي سوى الحب والإخلاص، تلك النفوس حقاً هي التي تستحق أن تقدر وتحترم؛ فهي تأسر القلوب بسرعةٍ ولأول وهلة؛ لأنها صدقت مع الله، ثم مع نفسها، وبالتالي مع جميع الخلق.
ويعتبر التسامح أحد المبادئ الإنسانية، وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني، كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل إرادتنا، وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سببٍ قد حدث في الماضي، وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلاً من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحداً منهم.
والتسامح أيضاً هو الشعور بالرحمة، والتعاطف، والحنان، وكل هذا موجود في قلوبنا، ومهم لنا ولهذا العالم من حولنا. والتسامح أيضاً أن تفتح قلبك، وألا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأي شخصٍ أمامك. وبالتسامح تستطيع أن تعلم بأن جميع البشر يخطئون، ولا بأس بأن يخطئ الإنسان.
التسامح في اللغة معناه التساهل؛ فبالتسامح تكون لك نصف السعادة، وبالتسامح تطلب من الخالق أن يسامحك ويغفر لك. وبالتسامح تسامح أقرب الناس إليك؛ والديك وأبناءك وكل من أخطأ بحقك، كما أن التسامح ليس بالأمر السهل إلا لمن يصل إليه فيسعد، ونعني بالتسامح أيضاً أن تطلب السماح من نفسك أولاً ومن الآخرين.
عبداللطيف بن نجيب
متطوع بدار يوكو لرعاية الوالدين