كتب – جعفر الديري: ليس في البيوت وحدها وبين الأهل والأقارب. وليس في مناسبات خاصة أو في الرحلات البرية والبحرية، بل في كل مكان.. في الشوارع.. الأسواق.. المجمعات التجارية.. في أماكن الدراسة. ستجد في كل مكان شباب يرتدون «البرمودا» و»التي شيرت»!. شباب يؤمنون بأن اللباس جزء من حرية شخصية كفلها القانون. ولا مبرر لمخاطبتهم بشأنها وهم المثقفون الواعون المتقدمون في الحضارة على آبائهم بدرجات. وإذا كان آباؤهم يعبرون عن استيائهم لضياع هوية أبنائهم، بفعل وسائط مدمرة، نزت على أبنائهم وحولتهم إلى أوربيين قلباً وقالباً، فان هؤلاء الشباب الذين يتواصلون مع العالم حولهم بكبسة زر، لا يقبلون بالحكم عليهم كما يتم الحكم على آبائهم في مجتمع منغلق على نفسه، لا يتابع التقلبات العالمية وأوضاع أنداهم في كل مكان. ولا يقبلون بنظرة يعتبروها قاصرة تجبرهم على ارتداء ملابس عفى عليها الزمن وأصبحت من تراث الماضي. فمن ناحيته، يؤكد الشاب يوسف حسن أنه لا يضع اعتباراً حين يختار ملابسه سوى لذوقه وسعادته، معتبراً الملابس جزءاً من حريته الشخصية، يجب احترامها وعدم التعدي عليها، حتى من قبل أقرب الناس إليه أبوه وأمه وإخوته وأخواته. يقول يوسف: ملابسي جزء مني، وعلى أبي وأمي أن يعون جيداً تأثير هذه الملابس في نفسي. فإذا كانا يطلبان نجاحي في الحياة فجزء من هذا النجاح مرتبط براحتي واطمئناني. وجزء من راحتي واطمئناني مرتبط بما أرتدي من ملابس. ويضيف: هذا من ناحية نفسيتي، أما من جانب آخر فإن ملابسي تعتبر جزءاً من تواصلي مع أقراني في المدرسة أو الشارع. وإذا كان زملاء الدراسة يرتدون ملابس الموضة، فليس مقبولاً أبداً أن ارتدي شيئاً يجدونه موضوع تندر، بل علي مجاراتهم فيما يرتدون. وإلا أصبحت أضحوكة بالنسبة لهم. كيف لي أن أرتدي مثلاً الثوب الشعبي و»الغترة» فيما جميع زملائي يرتدون لباساً غربياً مكون من بنطال وقميص أوروبي؟! وحتى في الشارع يرتدي أصدقائي لباساً غربياً، ولا أحد منهم يرتدي لباساً عربياً. ويستدرك حسن: لكنني في وقت أطالب فيه بحريتي، لا أقف حجر عثرة أمام من يرغب بارتداء اللباس العربي، أو التراثي، فكما أنني حر فهم أحرار بما يفضلون. علينا جميعاً أن نحترم قناعات بعضنا، ولا نحجر على أفكار الآخرين، فلكل منا رأيه الخاص الذي يجب أن يحترم. تقاليدنا أهم رغم أنها شابة إلا أن لها رأيا آخر، إذ تعتبر صباح ياسين الملابس جزءاً من حقوق المجتمع والناس، وليس حرية شخصية للفرد. فهي تحرص على مراعاة العرف والدين في ارتداء ملابسها وفي كل أمر له علاقة بالناس والمجتمع. وإلا أصبح الأمر -حسب رأيها- فوضى قد تجرّ إلى أمور أكثر سوءاً، بدافع الحرية الشخصية. تقول ياسين: تصور لو أن جميع الشباب آمنوا بهذه الفكرة، كيف تبدو لك الصورة بعد ذلك؟! لو تركنا للشباب حرية ارتداء ما يشاؤون لوجدتهم يرتدون ألبسة لا تمت للخلق بشيء! نحن اليوم نعاني الأمرّين بفعل فضائيات لا تقيم وزنا لدين أو لعرف، تبث سمومها فتجد الشباب يسارعون للمحلات التجارية بحثاً عن لباس ارتداه النجم أو الفنان الغربي في فيلم كذا وكذا. ليظهر الشاب بعد ذلك لا تعرف هل عربي أو «افرنجي» إلا إذا تحدث! هذه النماذج موجودة رغم جهود الخيرين والوعاظ، ورغم المساعي الحميدة لبيان تأثير الحضارة الغربية أو السقوط الغربي! فكيف لو أن كل شاب ارتدى ما يحلو له من ملابس وغيّر هيئته بالصورة التي يراها، دون أدنى اهتمام بمن يحيطون به أو بالعادات والتقاليد التي تعتبر جزءاً من مكونات الشعب وتراثه؟! بالتأكيد لن يكون هناك مجتمع عربي أو إسلامي!. وتضيف: نحن نحترم قناعات الناس بمن فيهم الشباب، لكن على من يتبنى هذا الرأي أن يعي أنه جزء من مجتمعه، وليس محوراً يدور حوله المجتمع، وإذا كان يطالب بارتداء ما يشاء من باب الحرية الشخصية، فإن الحرية الشخصية تفرض عليه مراعاة الناس وتقاليدهم، لا القفز عليها!. أما ربة البيت زهراء خليل فتشن حملة شعواء على قنوات التواصل الاجتماعي، إلى جانب الفضائيات، متهمة إياها بسرقة أبنائها منها، وإظهارهم بصورة سيئة لم تكن تتوقعها لهم. تقول خليل: حرصت طوال عمري على تربية أبنائي تربية إسلامية تقوم على التقوى والورع والخوف من الله تعالى. حتى إذا كبروا لم أعد قادرة على السيطرة عليهم، فأصبحوا أسرى الكمبيوتر وغيره من صنائع إبليس، وبدأوا يرتدون ما يشاؤون، ويفعلون ما يحلو لهم، ولم يعد لتوجيهاتي أي أثر عليهم. هذا العصر للشباب تلك النظرة تفتقر بحسب رب الأسرة زهير عباس إلى الشمولية، فهي لا تقيم وزناً لتغير الظروف والأحوال، وانفتاح العقول أكثر من السابق، بل إنها تلغي تماماً الحاجة الطبيعية للشباب في مساحة أكبر يزاولون فيها حريتهم. يقول عباس: يبلغ ولدي الثامنة عشرة من عمره، وهو شاب متفوق في دراسته وناجح في علاقاته الاجتماعية. يرتدي أغلب الأحيان «برمودا» و»تي شيرت». ورغم أني لم أجده يوماً يرتدى اللباس العربي، إلا أنني لم ألمه على ذلك، لإيماني بعقله وحسن اختياره. بل إني أجد في لوم ولدي على ذلك الاختيار أمر جدير بالانتقاص مني في عين ولدي، فطالما أنه شاب ناجح ومتفوق وأخلاقه حسنه، فلماذا أحد من حريته وأطلب منه لباس كذا وتسريحة كذا؟!. ولا أعلم حقيقة الدافع الحقيقي وراء إرغام الأبناء على ارتداء لباس معين، مع أن هناك أمورا شتى أولى بنصيحة الأولاد؟!. ويتابع: نحن الآباء كثيراً ما ننشغل بأمور لا نحسبها بشكل جيد. وإلا فهل نحن واعون جيداً إلى أنهم خلقوا لزمان غير زماننا، وأن الحياة التي يعيشونها تختلف عن تلك التي عشناها؟! هل نعي مثلاً أنهم أذكياء، فطنون، ولديهم مواهب في العلاقات الإنسانية؟! هل نعي أنهم سبقونا بمراحل تجاوزت مسألة اللباس إلى قضايا حقيقية؟!. بين الحرية والعرف لعلها أبرز مرحلة عمرية تتقاذف الإنسان ذات اليمين وذات الشمال. مرحلة الشاب عنيفة جارفة، بفضل قوة الجسم وشدّة الإحساس وتفجر الرغبات والعواطف. وإن كانت تفتقر إلى الخبرة والدراية بأمور شتى، تتطلب الدخول في تجارب مختلفة، يجدها الآباء المحك الحقيقي للإنسان وليس الفورات العاطفية وقوة العضلات. إنها مرحلة عمرية لا تقبل بأنصاف الحلول بل بمزيد من الحريات. ومن أمثلتها مطالبة الشباب بارتداء ما يشاؤون في كل مكان وفي أي وقت. وهي رغبة مبالغ فيها كثيراً بحسب الاجتماعية البحرينية هدى المحمود. إذ أن «حرية ارتداء الملابس مرهونة بالذوق العام المقبول اجتماعياً. وقد شكّلها المجتمع أساساً». لكن بالمقابل «على المجتمع أن يعي أن الشباب بطبيعته يحب التحدي، وليس من العقل إرغامه على أمر بدون إقناع. فالتناقض موجود حتى بين الأشخاص في البيت الواحد. فكيف إذا كان خارج البيت؟!». لكن الصورة ليس غائمة تماماً في مملكة البحرين، فشباب البحرين المعروف بحبه لوطنه وعاداته وتقاليده، لم يترك الحبل لحريته على غاربه. فلا يوجد كما تشير المحمود «تجاوز يصدم المجتمع، وإنما هناك قلة لا تمثل إلا نفسها. والغالبية شباب ينقسمون إلى مجموعة ترتدي «برمودا» و»تي شيرت» وأخرى ترتدي الثوب والغترة وتضع نقابا» لكنها حريصة على عدم جرح الذوق العام. هذا فيما يتعلق بالجيل الحالي من الشباب، فهل يمكن ضمان مراعاة الجيل المقبل للعادات والتقاليد في ظل حياة متقلبة ووسائط معرفية تتطور يوماً بعد يوم؟ كيف نضمن محافظة الشباب على النسيج الاجتماعي الذي يصلهم بأعرافهم وتقاليدهم بينما يعيشون متغيرات كثيرة على جميع المستويات؟ لا تخفي المحمود أن حياة اليوم ليست كمثل الأمس، وأن الطريقة التي يعيش بها أبناء اليوم تختلف عن تلك التي عاش عليها الآباء. تقول المحمود «نحن نعيش تغيراً عميقاً وجارفاً. لقد درسنا أن التغيير يمر عبر حقب لا تقل عن 10 أعوام، لكن ما يحدث اليوم مختلف، ففي عصر الانفتاح الإعلامي صار الناس يتلاقحون الأفكار عبر الوسائط. لذلك أصبح عصر اليوم عصر الشباب بامتياز فهم يلتقون عالمياً وليس محلياً، وسلوكياتهم أصبحت خارج الحدود. ومن حقهم أن يتساءلوا عن مدى تطابق عاداتهم وتقاليدهم مع ما يجري للشباب حول العالم». ما تذكره المحمود لا يدل على التفاؤل، غير أن لها وجهة نظر تعبر بها عن تفاؤلها بالجيل المقبل ومحافظته على تراثه وقيمه عاداته. وترجع المحمود ذلك إلى أسباب عدّة «فالطفل يعتمد على أسرته حتى العاشرة، تغرس فيه القاعدة أو الأساس. لكن بعد العاشرة يتأثر بالمجتمع، ولا ضرر عليه طالما أن أسرته قامت بواجبها وأسست قاعدة قوية ذات جذور، تشده مهما ابتعد إلى دينه وتراثه. ربما تصبح الأسر في مقبل الأيام أكثر انفتاحاً - وذلك ربما يكون أمراً إيجابياً- لكن في ظل الإطار العام، القائم على أعمدة قوية وأركان صلبة سيحافظ الجيل المقبل على قيم مجتمعه وتقاليده».