السيل يخترق المدينة ويمر وسطها والأحجار المتراصة تحمي المنازل
تلال التويج تبدأ من الحوطة والخرج والرياض والشعاب صعوداً إلى الزلفى والقصيم والوشم
أتباع الشيخ بن عبدالوهاب سيطروا على الرياض واتخذوها عاصمة
الرياض شيدت على هضبة تقع قريبة من وادي حنيفة
أخبرني محبوب عن علاقة حكومة الرياض مع المقيم السابق وما وصلت إليه من سوء
كان الإمام طبيعي البنية والملامح ويتسم بالهدوء والصلابة في نفس الوقت
أكدت للأمير رغبة الحكومة الإنجليزية في أن يعم المناطق العربية الرفاه والأمن والسلام
عباس باشا حاول إنشاء خط بريدي مع نجد ولكنه ألغي خوفاً من تعرضه لهجمات القبائل
اتفقنا على حساب عمق الطبقة المائية والطلب من إنجلترا إحضار أنابيب ومضخات
خيل نجد الأصيلة تمتاز بتعدد الألوان ولكن الرمادي ومشتقاته كان المسيطر
الإمام قرر فتح صفحة جديدة معنا ووعد بالكتابة المنتظمة والإخبار عن أحوال رعيته


كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
أنجز لويس بيلي رحلته إلى الرياض في 1864 – 1865 والتي كرسها لجمع المعلومات عن شبه الجزيرة العربية وخاصة نجد، إلى جانب تأكيد إمكانية السفر لرجل إنجليزي في هذه المناطق دون أية عقبات، وكانت رحلة بيلي للرياض استجابة لدعوة من قبل الجمعية الجغرافية الملكية، وقبل بدء الرحلة كتب بيلي لحكومة صاحبة الجلالة في لندن طالباً الموافقة على مشروع رحلته إلى الرياض وجاء الجواب بالموافقة في ديسمبر 1864، وبالحصول على هذه الموافقة كتب بيلي إلى الإمام فيصل بن تركي راغباً بزيارته في الرياض، وكانت تلك المحاولة من مقر المقيميه في بوشهر ونظراً لعدم تلقي أي جواب قرر بيلي أن يبدأ مغامرته دون الحصول على الموافقة.




دار الاعتماد أدب الرحلات
وصل بيلي إلى الكويت في يناير 1865 ومنها أرسل برقية أخرى إلى الأمير فيصل بن تركي آل سعود يبلغه عن وصوله إلى الكويت، وأنه في طريقه إلى الرياض، وأضطر إلى البقاء في الكويت حتى 18 فبراير 1865 حين تلقى جواب الموافقة والدعوة إلى زيارة الرياض.
ويواصل د. عيسى أمين الحديث عن هذه الرحلة، وفي هذه الحلقة نكمل الرحلة مع لويس بيلي ومرافقيه في طريقهم إلى الرياض منذ مائة وخمسة وأربعين عاماً، ...هذه المنطقة ترسل لها خيل الأمير للرعي وأقربها للرياض يقع على مسافة مسير يوم واحد، وتبعد القلعة والحوطة مسافة ثلاثة أيام أخرى.
وقد عبرنا أعلى منطقة في الهضبة – وبعدها ابتدأنا في الهبوط إلى وادي حنيفة والذي دخلناه من منطقة قريبة من خرائب العينيه – هذه المدينة كانت عاصمة لبنى عامر، ومسقط رأس الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لقد كانت هذه الخرائب منتشرة في الوادي والذي يبلغ اتساعه ما يقارب « مئات فقط من الياردات « ورغم خلو المساكن من أهلها إلا أن الكثير منها لا يزال في حالة جيدة.. مع وجود بعض الأشجار التي تضفى جمالاً على المنطقة، عند نزول الأمطار يخترق السيل المدينة ويمر في وسطها من طرف إلى آخر وتبقيه الأحجار المتراصة على طرفيه من الوصول إلى المنازل وعلى مسافة ميلين تقريباً، تقع قلعة الحاكم القديمة في الطرف الأيمن من الوادي محصورة بين تلال العارضة وقاع الوادي، في هذه المدينة المهجورة تعرفنا على اثنين فقط من الفلاحين يقومان بزراعة الذرة في بعض الأراضي الزراعية القديمة، أقمنا مدة ساعة واحدة قرب مسكن الرجلين وقدموا لنا لبن الجمال، وعندما أخبرناهم بأننا إنجليز وفي طريقنا إلى مقابلة الأمير فيصل لم يدركوا الحكمة في ذلك.
وادي حنيفة
وأضاف بيلي عن الرحلة « كان طريقنا في وادي حنيفة دائرياً يمتد من الشرق إلى الغرب، وصلنا قبل مغيب الشمس إلى نهاية هذا الوادي حيث ينتهي بذراعين الكبير منهما يتجه جنوباً أما الذراع الأخرى فهي تنحني إلى اليمين، وبها يقع مسجد صغير وأرض مزروعة وجدول مائي صغير، ولوادي حنيفة طابع واحد ويبلغ اتساعه ما يقارب مئات فقط من الياردات تحيط به المرتفعات على الجانبين وفي كل الحالات لا يزيد ارتفاعها عن مائة إلى مائتي قدم، تلتحم عدة أفرع مع وادي حنيفة أكبرها ذلك الممتد من تلال التويج، وفي الطرف الغربي منه وتحمل كلها علامات للسيل الذي يندفع خلالها، ويقال إن عمق الماء فيها يبلغ عند الفيضان سبعة أقدام، وفي المنطقة الواقعة بين العينية وموقعنا الحالي توجدعدة قرى صغيرة بين المزارع، وتملأ كل الوادي وكلها مسكونة وقد استطاع الأهالي توجيه مجرى السيول بعيداً عن منازلهم مثل تلك التي شاهدناها في العينية، في هذه المنطقة قابلنا رجال الأمير الذين كانوا متجهين إلى الشمال وآخرين من السدير في طريقهم إليها وكان الجميع في غاية الأدب، تقع تلال التويج بين الخرج جنوباً والحوطة غرباً، ومن ثم إلى الشمال قرب الزلفى، وتمتد على مسافة مسيرة عشرة أيام.. لذا تمتاز تلال التويج الأصلية بعلوها واتجاهها الغربي بينما تمتد تلال العارضة على مستوى أقل من التويج وفي اتجاه وادي حنيفة والرياض، ونستطيع في النهاية أن نطلق اسم تلال التويج على كل التلال الموجودة في نجد ابتداء من الحوطة الخرج والرياض والشعاب صعوداً إلى الزلفى والقصيم والوشم.. وأن نعتبر تلال العارضة ما هي إلا مشتقات أو توابع لتلال التويج والتي هي تلال أرض نجد المرتفعة في وسط الجزيرة العربية.
هضبة العارضة وخرائب الدرعية
وقال بيلي إنه: «في صباح الخامس من مارس غادرنا موقعنا الحالي في وادي حنيفة وابتدأنا في الصعود إلى علو مائتين أو ثلاثمائة قدم على هضبة العارضة، ومن هنا استدرنا جنوباً ونزلنا في اتجاه الرياض، هذا الانحدارمن قمة الهضبة يتجه جنوباً، وأصبح وادي حنيفة على اليمين من طريقنا تفصله عنا مسافة وقدرها ميل أو ميلان، بعد خروجنا من هذا الوادي قابلتنا قرية صغيرة على يمين الطريق، وبعد ساعة منها وصلنا إلى خرائب الدرعية « العاصمة القديمة «، وهي أيضاً على اليمين من طريقنا وفي فجوة تؤدي إلى وادي حنيفة، هذا المكان مهجور تماماً وبنيت بعض منازله من طابقين، ويبدو لي أنه وبعد استيلاء أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على الرياض وأخذها من بن دواس قرروا أن يجعلوا منها عاصمة لهم، ولذا قاموا بتدمير مدن وادي حنيفة « والتي من ضمنها كانت الدرعية « بغرض ترحيل الأهالي إلى الرياض، ولكن عاد أهل الرياض إلى الدرعية مرة أخرى عند هجوم الأتراك على الرياض، وفي تلك الفترة القصيرة أقاموا بعض التحصينات الباقية حتى الآن، قبل ساعة من وصولنا إلى الرياض مررنا بمنزل ريفي ومزرعة خاصة بأمير الرياض، وبعدها مباشرة كانت الرياض أمامنا وعلى اليمين منا وقد شيدت على هضبة تقع قريبة من وادي حنيفة.
الرياض تعني «حدائق خضراء»
وحول الرياض تحدث بيلي أنه تم بناء المنازل بالطوب المجفف وقام أهلها بالمحافظة على التنسيق العمراني الجيد وزرعوا بعض المزارع حولها وهذا ما تعنيه كلمة رياض «حدائق خضراء» وقد وجدت فعلاً عدة مزارع هنا ويتم ريها عن طريق آبار يصل عمق البعض منها سبعة وأربعين قدماً – وبصورة عامة تبدو المدينة وكأنها قد نالت اهتمام سكانها بها، قابلنا مبعوث الأمير قبل دخولنا المدينة وأخذنا إلى منزل يقع في بستان قد خصص للأتراك والكفرة لأنهم يدخنون وبعد برهة من الزمان وصل إلينا السكرتير الخاص بالأمير «محبوب» قمت بتقديم نفسي له، فنظر إلي قائلاً: «وماذا عن ذلك المرافق الذي يرتدي قبعة بحار، هل هو أحد الربابنة الذين يحتجزون السفن في الخليج»، أخبرني محبوب عن موقف حكومة الرياض من المقيم السابق، ومدى الوضع السيئ الذي وصلت إليه العلاقات بين الرياض وبينه وأضاف قائلاً « بأنه لو بقي ذلك المقيم في مكانه لكنا قد انتقمنا منه لما فعله الأسطول الإنجليزي في الخليج «.
في المساء عاد محبوب مرة أخرى وناقش نفس الموضوع في وجود كل المرافقين لي وطبعاً مع اختفاء القبعة المثيرة وأخبرنا بأنه ناقش موضوع زيارتنا مع الأمير، وقمت بدوري بإبلاغ محبوب بأن البحار المرافق لي لا علاقة له بالربابنة والقادة البحريين، والذين احتجزوا سفن تجارة الرق في الخليج، وأنه كان من الضروري مرافقته لي لحاجتي لخبير في علم النجوم وهداية الطريق في هذه الصحراء التي ما هي إلا بحر من الرمال.
شاهد سكرتير الإمام الهدايا التي سوف أقدمها لسيده ولابن الإمام، وكذلك هدايا صغيرة للسكرتير نفسه ولكن وجدت أنه كان غيرراغب في معرفة هذه الأشياء وقفز من مكانه في عجالة يريد المغادرة وتمتم قائلاً «إن الجواسيس يراقبوننا « فسألته متى نستطيع مقابلة الإمام ! فأخبرني « أن الإمام رجل متمسك بدينه لذا يقوم بالصيام يومين غير شهر رمضان وفي نهايته، واليوم أحد هذه الأيام وسوف تستحيل مقابلته».
في اليوم السادس من مارس انتظرنا وصول مبعوث الأمير ولكن لم يصل أحد وأصبح لدي إحساس أن مقابلتنا سوف تكون جافة، بعد الظهر وصل أخيراً هذا المبعوث وأخبرنا باستعداد الإمام لمقابلتنا في مكان أدائه الصلاة في القلعة، وما أن بلغني هذا النبأ حتى توجهت أنا ومن معي فوراً لمقابلته لم تكن القلعة بعيدة عنا، وصلنا إلى وسط المدينة وعبرنا مساحة كبيرة أمام القلعة حتى أصبحنا أمام البوابة الرئيسة.. والتي ارتكزت أمامها بعض المدافع القديمة.. لم تتميز القلعة بأي نظام عمراني معين .. أما حجرة المجلس فهي مستطيلة وتحمل سقفها دعائم خشبية عادية، أمام مدخل حجرة المجلس عتبات داكنة، دخلنا المجلس وكان الإمام في الطرف الداخلي من المجلس يفترش سجادة جميلة ويستند إلى مخدات كبيرة.. جلس أصغر أبناء الإمام بقربه وكان محبوب جالساً على مسافة أبعد من الإمام ، نهض الإمام بصعوبة لاستقبالنا ومد يده مصافحاً وطلب مني الجلوس بقربه على السجادة.. لقد كان الإمام أعمى ولكن طبيعي البنية والملامح يتسم وجهه بالهدوء والصلابة في نفس الوقت، صبور وواثق من نفسه.
كان يبدو وكأنه أكبر من سبعين عاماً.. ومرتدياً ملابس بسيطة ولكن بذوق حسن ويغطى رأسه بعمامة من الكشمير الأخضر.. حسن التعبير موزون الكلمات ، مرهوب وحسن المعشر ولكن مع ذلك خامرني إحساس بأنه يستطيع أن يكون قاسياً متى ما أراد، بعد التحية قمت بتقديم المرافقين لي وأبديت بهجتي وسعادتي بمقابلته، أخبرني سكرتير الأمير « أووزيره « بأن الأمير يود أن أعلم بأن الرياض مكان لا يدخله الأوروبيون وأنه محرم عليهم .. ولكن مع ذلك يعتقد أن النجاح سوف يحالفنا، أجبت الأمير «بأنني قد زرت من قبل عدة حكام في آسيا وأنا أحمل ذكرى جميلة لزياراتي تلك وأنا متأكد بأن زيارتي هذه سوف تكون على نفس المستوى وأرجو أن يحالفني الحظ في إزالة الشك في تصرفاتنا السابقة وأن أؤكد للأميررغبة الحكومة الإنجليزية في أن يعم المناطق العربية الرفاه والأمن والسلام وأن يعيش العرب مستقلين ضمن أوطانهم وتحت قيادة حكامهم».
أجاب الأمير على ذلك قائلاً: «إن علاقاته مع القوى الأجنبية محدودة ولكنه لديه ممثليه والذين يأتون له بالأخبار والمعلومات المطلوبة وكان وهو يتحدث يرمز إلى نفسه بصيغة الجمع وأخبرنا بأنه يعتبر شبه الجزيرة كلها تابعة له مشيراً إلى ذلك حين قال.. هذه البلاد العربية من الكويت والقطيف ورأس الخيمة وعمان ورأس الحد وما يليها كلها هبة الله لنا وأضاف قائلاً إنه ومنذ عدة سنوات سلب الأتراك بعض المناطق التابعة له ولكنه لم يأبه لذلك ودعانا إلى مساعدته في محاربة الأتراك وبعض القبائل».
كانت إجابتي للأمير كما يلي «إن سياسة الإنجليز في الشرق تلتزم بالمحافظة على الأمن والسلام وتود أن تعامل كل جيرانها بنفس المنطق ولا تشجع العنف».. عقب الأمير على ذلك قائلاً: «بأن أحد باشوات مصر أخبره عن الحكومة الإنجليزية بأنها حكومة تلتزم بالعهد» بعكس بعض الحكومات الأخرى ومع ذلك نحن نكره دينكم وهنا توقف ليقرأ سورة من القرآن الكريم يدعو فيها المشركين بالإيمان.. وعندما انتهى من ذلك قال «هناك فرق بين الدين والسياسة فإننا نقتل المشركين والكفرة ولكن في السياسة هناك حالات استثنائية».
ثم عاد الأمير إلى موضوع الفرنسيين قائلاً: «إن سفينة حربية وصلت من فرنسا إلى مسقط لتساعد السلطان في حربه ضدنا فأخبرته بأنه لا علم لي بذلك وأعتقد أن معلوماته خاطئة.
وعاد مرة أخرى إلى موضوع فرنسا قائلاً: «قبل عامين أرسلت له رسالة من سفينة حربية فرنسية يعرض فيها الفرنسيون خدماتهم لمساعدته كيفما شاء ولم يرد على ذلك وبعد عامين أرسلت أخرى مع توجيه بالرد من خلال القنصل الفرنسي في دمشق وقام فعلاً بالرد وشكر الفرنسيين مؤكداً عدم حاجته للدعم أو المساعدة «، سألني الأمير إذا ما كان هناك موضوع يجب مناقشته على انفراد فأخبرته بأن زيارتي له كان القصد منها التعرف على رجل ذائع الصيت مثله وأخباره بأننا نشترك معه في الأهداف وفي مقدمتها المحافظة على الأمن والسلام في الخليج .. وأن التعارف بين الرجال الأمناء يؤدي إلى الثقة ويمنع الدخلاء من التدخل في أمورهم، وإنني في زيارتي هذه أود أن أحسن العلاقات معه وأن أشاركه في دفع عجلة التقدم والرفاه للشعوب، في نهاية هذا الحديث كان الإمام مقتنعاً بما قلته له وطلب مني العودة لحديث خاص مرة أخرى.
إنشاء خط بريدي مع نجد
يواصل د . أمين الحديث عن رحلة بيلي « في الصباح الباكر وحسب الاتفاق ذهبت لمقابلة ألأمير وأخذت معي المترجم فقط، وعند وصولي إلى دار الإمام لم يكن قد أكمل لباسه بعد فقابلني وزيره والذي يتحول إلى إنسان مليء بالفضول والغرور في غياب سيده، ويتحول إلى الصمت التام في حضوره وقد أثارني بتدخينه السيجار في غرفتي الخاصة، دخل الإمام إلى المجلس تساعده في ذلك خادمتان من عبيده وبعد عبوره عتبة الباب تلقاه اثنان من الرجال العبيد وأجلساه في مكانه، لقد كان ترحيبه اليوم في غاية اللطف.. وتحدثنا في عدة مواضيع وتطرقنا إلى موضوع الكابل التلغرافي فقال علينا أن نتوقع المشاكل مع العرب.. لأنه وقبل عدة أعوام حاول عباس باشا إنشاء خط بريدي مع نجد ولكن وبسبب ما سوف يتعرض له هذا الخط ورجاله من هجمات القبائل فقد الغى المشروع برمته.
انتقل حديثنا عن الهند وعن ثلاثمائة عام من الوجود الانجليزي فيها والرفاهية العامة هناك وقارنا الوضع الحالي مع أيام الحكام المسلمين فيها.. وعاد السؤال مرة أخرى في استعدادنا لمساعدته إذا ما هو احتاج لتلك المساعدة وخاصة في احتلال الدول الأخرى ومحاربة أعدائه وإمكانية وقوفنا معه ودخولنا في حلف ضد الأتراك لمحاربتهم في الشرق.
أثارت هذه الأسئلة رغبة الضحك لدي فأخبرته بأننا على استعداد لأية علاقة تجارية ولكن نحن ضد العنف وحدثني الإمام عن الأمطار وأخبرني بأن هذه المملكة تحتاج إلى الكثير منه وأن المطر عماد أساسي للزراعة والتي إذا ما مورست فإن القبائل سوف تستقر وتعمر الأرض، وطلب مني الإمام بدل الوسائل البدائية المستخدمة الآن.
تم الاتفاق بيننا في أن أقوم بحساب عمق الطبقة المائية وان أرسل إلى انجلترا طلبات لإحضار الأنابيب والمضخات اللازمة لذلك، وبناء على ذلك وعندما عدت إلى انجلترا قمت بالاستفسار عن هذه الأشياء وحصلت على موافقة السيد لايارد (La yard) في رصد مبلغ مائة وخمسين جنيها لشرائها على أن تكون هدية للأمام ،ومع استحالة تقديم هذه الهدية إلى الامام في الوقت الحالي فإن ذلك لم يمنع من إدخال الطرق المحسنة في ضخ المياه، ولذا نجد أن أول مضخة متطورة سوف تصل إلى بوشهر، توجد في نجد قنوات أثرية لتوجيه وتجميع المياه وكان الإمام يأمل في إصلاحها، وخاصة تلك التي تنحدر إلى السدير، ولكن وبسبب معارضة رجال الدين « المطاوعة « وخوفا من أن يجلب الحسد للأمام توقف المشروع نهائياً.
70 زعيما قبلياً في السجن
واصل الإمام حديثه قائلاً بأن هذه الأرض لنا وبأي شكل كانت فإننا لدينا القناعة بما لدينا وحتى لو أغلقنا أبوابنا عن العالم الخارجي، نحن أمراء وملوك مع كامل إحساسنا وفخرنا بذلك ونستطيع أن نتعامل مع العرب وأن نعاقب رؤساء القبائل التي تثير المشاكل، وأخبرني بأنه يوجد سبعون زعيماً من زعماء القبائل في السجن الآن، وأضاف «نحن نلتزم بالعدل» ، طلبت إلى الإمام مشاهدة الخيل الأصيلة فأخبرني بأنها في مراعيها في سيح الخرج وأن رغبت في التوجه إلى هناك فلا مانع لديه أستطيع أن أختار اثنين منها هدية منه لي، وإذا ما أحببت شراء البعض الآخر فلا مانع من ذلك وكان ردي أن طلبي رؤية الخيل لم يكن يعني طلب هدية بل إعجاباً بهذه الخيول الأصيلة ورغبة في معرفة سلالاتها، أخبرت الإمام بأن هنري رولسنون (Sir Henry Transitional) قد أخذ معه فرساً عربياً إلى بريطانيا ولكن وبسبب اللون أثيرت تساؤلات عن أصالتها، ولذا فإني أرغب في معرفة التفسير لذلك، فأخبرني الإمام بأن خيل نجد الأصيلة تمتاز بتعدد الألوان ولكن وبصورة خاصة يكاد اللون الرمادي ومشتقاته أن يكون اللون المسيطر وعلى العموم أن اللون ليس ميزة ولا الارتفاع ولكن تبقى السلالة أهم ميزة في هذه الخيول.
لقد كان الإمام على ما أعتقد يتوقع تعليقاً تجاه سلطان مسقط ولكنني توخيت الحذر في ذلك ولم أقدم أي تفسير أو تعليق أو تعقيب وذلك لاعتقادي بأن مثل هذه التصرفات تحتاج بالنسبة لي توجيه حكومي وقد بلغني بعد ذلك أن الإمام كان يعتقد أنني إنسان طيب ولكنه أبدى أسفه لكوني كافراً، أخبرني الإمام بأنني أستطيع زيارة أي مكان في بلاده وأنه قرر فتح صفحة جديدة في العلاقات معنا ووعد بأن يكتب لي بانتظام ويخبرني عن أحوال رعيته في المناطق القريبة من سواحل الخليج.
قبل مغادرتي أخبرني الإمام بأنه كان سعيداً بمقابلتي ولذكرى هذه الزيارة قدمت له بندقية، وساعة ذهبية ومسدساً وقماش صوف أحمر وسيفاً صنع لكي يكون مناسباً للذوق العربي. لقد أعجب الإمام بالسيف أكثر من أي شيء آخر، وبعد عودتي إلى السكن جاء « وزير الإمام « وناقش معي موضوع زيارتي إلى الشيخ في منطقة الخرج وعلمت منه بأن هذه الزيارة غير ممكنة وأنهم سوف يحضرون بعض الخيل لي في السكن لمشاهدتها، وأكد ذلك مرة أخرى في زيارته المسائية وطلب مني البقاء في الرياض من أجل ذلك، لقد جلب هذا الحديث استيائي وثورتي إذ كنت قد قررت أن أمضي وأنا في طريق عودتي بضع ساعات في إسطبل الأمير ولم يكن في نيتي البقاء أياماً في الرياض الأمر الذي حذرني «أصدقاء لي في الكويت» منه خوفاً من حدوث عارض أو حتى عملية انتقام أو تغير الموقف من قبل الأمير.
وبعد مراجعة الأمور وخوفاً من قيام الوزير بتغير رأي الإمام في الأمور الخارجية مما قد يسيء لعلاقتنا معه وعلماً مني بأن الإمام يختلف تماماً وبأنه عملي أكثر من هؤلاء المحيطين به والذين يتميزون بالحسد وبحب الانتقام والتطرف الخطير. لذا قررت إبلاغ الوزير بأنني سوف أغادر غداً وأخذت في الاستعداد لذلك.
أخبرني الوزير بأنه لا بد من أخذ إذن الإمام قبل السفر وتوديعه وبعدها عاد مرتين في المساء وقد تغيرت تصرفاته وأصبح حاد المزاج وعدائياً وأثار موضوع مصادرة السفينة وقانون منع تجارة الرق، وأدعى بأننا قراصنة واستهزأ بادعائنا أننا أناس خيرون.. ولم أقبل في الدخول في أية مناقشة معه في هذا الموضوع. وذلك لأنني في الرياض ولأنني أعتقد أن موقفنا تجاه تجارة الرق والممتد من موزمبيق وحتى شمال الخليج يحتاج مراجعة ودراسة جديدة إذ ربما نقر بعد ذلك أن هذا الموقف المتصلب يحتاج بعض الليونة الآن.