«حية بية ويات حية على درب الحنينية»، بهذه الأنشودة يبتدر أطفال البحرين احتفالهم في التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة) بـ»الحية بيه»، إحدى فعاليات عيد الأضحى المبارك، وهو تراث تقليدي، حيث يقضي الأطفال مع أهاليهم يوماً على ساحل البحر يرددون الأنشودة الشهيرة، ويقول الباحث البحريني محمد جمال إن هذه العادة التراثية الشعبية توارثها الأبناء من آبائهم وأجدادهم، وحافظت على استمرارها حتى يومنا هذا بفضل تمسك أبناء البحرين بعاداتهم وتقاليدهم، واهتمام المؤسسات والجمعيات المعنية بالثقافة والتراث، كونها إحدى فعاليات الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، فيعبر الصغار والكبار عن فرحتهم بهذا التراث السنوي.
وحول كيفية الحصول على «الحية بية»، أشار محمد جمال، في تصريح لوكالة أنباء البحرين (بنا)، إلى أنه إما أن يشتريها الأطفال من السوق جاهزة على هيئة سلة من الخوص تسمى «قفة» وهي السلة التي يضع فيها المزارع التمر ليأكله ثم يضع الأطفال حب الشعير لينبت، وكنا في السابق نقوم بصنعها في المنزل وهو ما نحبذه فيأخذ الأطفال علبة حديدية ونقطعها من الأعلى ونثقب أسفلها بثقوب كثيرة حتى يسمح بخروج الماء عند سقيها.
وغالباً ما تكون تلك العلبة هي علبة الأناناس الحمراء المعروفة والمتداولة بين الناس حيث يتم ملؤها بالتراب ثم يوضع بها بذر الحشيش أو الشعير وتسقى بالماء حتى تنبت وتكبر ويتم ربطها بحبل رفيع حتى تعلق بسهولة فنستيقظ صباح كل يوم لنرويها وهى تكبر يوماً بعد يوم، حيث تستغرق هذه العملية قرابة الأسبوع حتى تنبت البذور وتكبر. ويذكر الطفل الحية بأنه قد قام بإطعامها وسقيها بالماء واهتم بها فيطلب منها أن لا تدعو عليه وأن تجعله مسروراً بيوم العيد وبعودة حجاج بيت الله قبل رميها في البحر، وبعد قضاء يوم ممتع يعود الأطفال مع أهاليهم إلى منازلهم فرحين بعد قضاء هذا اليوم الشعبي الجميل ليستعدوا لعيد الأضحى المبارك.
وأوضح بأنه في هذا اليوم يقضى الأطفال مع أهاليهم يوماً اجتماعياً ممتعاً على ساحل البحر، وهم يرددون أنشودة «الحية بية» المشهورة حيث يتعلم الأطفال كيفية الاهتمام بحاجاتهم الشخصية والتضحية بأعز ما لديهم من أجل أهاليهم، وفي هذا اليوم الشعبي يتزين الأطفال باللباس الشعبي فتلبس الفتاة الثوب المسمى محلياً «بالجلابية» و»البخنق» وهو غطاء الرأس المطرز بخيط الزري الذهبي، أما الولد أو الصبي فإنه يلبس «الثوب والسديرى والقحفية» وهي غطاء الرأس ويكون الأطفال في أجمل حلة فيتوجهون مع أهاليهم قبل غروب الشمس إلى أقرب ساحل، ثم يبدؤون احتفالهم الشعبي بالافتخار بملابسهم وبجمال «الحية» المعلقة على رقابهم، ويردد الأطفال «حية بية ويات حية على درب الحنينية» حتى آخر الأنشودة، وفي بعض القرى يردد الأطفال «ضحيتي ضحيتي حجي بي حجي بي إلى مكة إلى مكة زوري بي زوري بي واشربي من حوض زمزم زمزم» حتى آخر الأنشودة. وأشاد الباحث محمد جمال بجهود الجمعيات والمؤسسات المعنية بالتراث الشعبي في حفاظها على هذا الموروث من الاندثار وإحياء عادة «الحية بية» لتستمر وتصل إلى الأجيال القادمة، حيث تستعد الجمعيات والهيئات الاجتماعية للاحتفال بهذه المناسبة قبل حلولها فيتم الإعلان في مختلف وسائل الإعلام عن تنظيمها لفعالية الحية بية، وعادة ما يكون موقع الاحتفال على أحد السواحل الجميلة التي تشتهر بها الدولة فيقومون بتوزيع الحية بية على الأطفال، كما تشارك في هذه الاحتفالية مختلف الفرق الشعبية التي تضفي مزيداً من الفرح والترفيه في قلوب الأطفال والأهالي.
يا حيتي عشيتج وغديتج
من جانبها، قالت أم حسين الذوادي من مدينة الحد، إنه عندما كنا صغاراً كانت أمهاتنا ونساء الفريج ترسلننا لجمع العلب المعدنية، حيث تقوم النساء بعمل ثقوب أسفل هذه العلب لتسمح للماء الزائد بالخروج بعد الري، وبعدها تقوم النساء بوضع الرمل في العلب ويوضع فوقه بذور الشعير أو الماش، ومن فرحتنا بالحية بية نقوم بريها بالماء يومياً وبعد أسبوع تبدأ بالنمو والاخضرار. وأضافت أنه في يوم الوقوف بعرفة وقبل خروجنا لرمي الحية بية نقوم بإطعامها بهمزة أرز «العيش»، ونغني لها «يا حيتي عشيتج وغديتج نهار العيد لا تدعين عليا» وبعد أن نفرغ من الغناء مع أطفال الفريج نتوجه إلى شاطئ البحر ثم نرمي الحية بية في البحر، ومن الطرائف التي كانت تحصل أن يقوم الأولاد بإعادة جمع الحية بية ورميها مراراً وتكراراً إلى أن تغيب الشمس ثم نعود مع الأهل إلى البيت للاستعداد ليوم العيد.
وأشارت أنه منذ صغرنا ونحن نشهد هذه الاحتفالية إلى أن انتقلت إلى أبنائنا وبناتنا، مضيفة أن نساء الفريج يقومون بتجهيز الملابس الخاصة للفتيات وهي عبارة عن الجلابية والبخنق المطرز بالزري، أما الفتيان فهم يلبسون الثوب والسديري والقحفية.
عادة متوارثة
من جانبها أشارت أم جاسم من منطقة المنامة إلى أن الاحتفال بالحية بية هي عادة توارثناها عن آبائنا وأجدادنا، ومن أجل الاستعداد لهذا الاحتفال كنا نقوم بجمع العلب المعدنية، وتقوم والدتي بعمل ثقوب أسفل العلب باستخدام المسمار، وتضع الرمل في العلب وفوقها بذور الشعير أو الماش أو حب هريس لأنها من البذور التي تزرع بسرعة، وتقوم بربطها في العريشة لأنه أفضل مكان لنمو الزرع لأنها مصنوعة من الخشب، ومن ثم نسقيها بالماء.
وأضافت أم جاسم أنه في يوم عرفة تقوم النساء بعمل ما يسمى «بالنافلة» وهي عبارة عن طبخ الأرز أو الهريس أو المضروبة ويوزعنها على أهالي الفريج في ثواب المتوفين، ويقوم الأطفال بأخذ القليل من هذه النافلة ما مقداره ملعقة ونطعمها أو نضعها على الحية بية، ونكون بذلك عشيناها وغديناها، وفي يوم عرفة نذهب إلى شاطئ البحر ونحن نلبس أجمل الملابس التي تم خياطتها لهذه المناسبة، فبالنسبة للفتيات فإنهن يلبسن الفستان أو ما يسمى بالجلابية ويضعن على رؤوسهن البخنق، أما الأولاد فإنهم يلبسون الثوب والسديري.
وبعد الاستعداد وارتداء ملابسنا نذهب في جماعة إلى شاطئ البحر ولأننا من المنامة كنا نذهب لشاطئ البحر بجانب مستشفى النعيم الحالي، ويبدأ الأطفال بإنشاد الأغنية «حيه بيه راحت حيه ويات بيه على درب الحنينيه عشيناج وغديناج نهار العيد لا تعدين علي مع السلامة فمان الله»، وبعد الغناء نقوم برمي الحية بية في البحر وتذهب مع الماء.
وأضافت أنه وبعد العودة للمنزل فإننا نقوم بتجهيز ملابس العيد ونضعها بجانبنا في السرير وقبل أذان العيد نكون قد استعددنا وارتدينا ملابسنا الجديدة ونخرج مع أولاد الحي لنعايد على أهل الفريج ونأخذ العيدية وهي عبارة عن 4 «آنات» أي 10 فلس، أما الأهل كالأخوال والأعمام فإنهم يعطوننا 100 فلس أو الروبية.