حاورته - سلسبيل وليد:قال كاتب سيناريو «الشجرة النائمة» فريد رمضان، إن الفيلم ينطوي على أبعاد ومضامين فلسفية عميقة، ويطرح أسئلة كثيرة ومتشعبة عن البعد الصوفي للحياة، قبل أن يضيف «الحياة تبدأ بنقطة وتنتهي كذلك، وبينها محطات كثيرة، يحاول الفيلم الإجابة عنها وتفسيرها».ونصح رمضان المبدعين بالاستعانة بالبحث ليكونوا قادرين على تحقيق منجزهم الإبداعي على مستوى الكتابة، «في فيلم الشجرة النائمة كنا أمام العديد من الأسئلة تحتاج لإجابات، وأهمها مرض الطفلة وإصابتها بشلل دماغي».ورأى الكاتب في بعض الأفلام الخليجية التي تتناول قضايا الرعب أو الإثارة أو «الأكشن» «شطحات» بعيدة عن الواقع، ولا تمت للواقع بصلة «تناولت أفلاماً كهذه، لكنها انطلقت واستندت للواقع، كحكايا الجن والبيوت المسكونة وغيرها من الموروثات الشعبية». *ما الفكرة المراد إيصالها عبر «الشجرة النائمة»؟«الشجرة النائمة» طرح العديد من المضامين الفلسفية، بمعنى أسئلة حول الوجود والبعد الصوفي للحياة، فإذا كانت الحياة عبارة عن رحلة تبدأ بنقطة وتنتهي بنقطة، هذه الرحلة كيف تكون؟ وما محطاتها؟ كيف يمكن أن يعي الإنسان معناه ووجوده وفهم ذاته باعتباره فرداً أو زوجاً أو مجتمعاً أو حتى وطن؟ هذه الأسئلة حاولت أن يأخذ الفيلم المشاهد لأجوبتها. * ما الصعوبات التي واجهتها في كتابة السيناريو؟هناك تحديات في الواقع لأي مشروع، وينبغي على المبدع أن يستعين بالبحث ليكون قادراً على تحقيق منجزه الإبداعي على مستوى الكتابة، كنا أمام العديد من الأسئلة تحتاج لإجابة وأهمها مرض الطفلة وإصابتها بـ»شلل دماغي».ومن خلال تجربتي الشخصية تناولت العديد من القضايا تتطلب نصائح وتوجيهات طبية وعلمية، بمعنى أن هذا المشروع قادني ـ كما قادتني مآرب سابقة ـ لأطباء ذوي اختصاص لهذا النوع من المرض، ولجأت في مشروع سابق لأطباء مرضى السرطان لكتابة مسرحية تتناول ذات الموضوع. في «الشجرة النائمة» استعنت بطبيبة أطفال مختصة في مرض الشلل الدماغي، لمعرفة علاقة الأمراض الوراثية في هذا النوع من الإصابة، ومن هذه المعلومات ننظر للجانب الإبداعي، فنحن لا نريد أي فيلم توثيقي أو توجيهي، وكيفية الاعتناء بالطفلة وكيف تعالج، ولكن الفكرة كيف نجسدها من خلال الشخصيات المحيطة بالطفلة والتأثيرات النفسية لحالتها على محيطها. * ما مراحل كتابة أي سيناريو؟في كل مشروع هناك مراحل تتطلبها النظرة الإبداعية، ونبدأ بفكرة تكون مشجعة للكتابة، وهذه الفكرة تبدأ بالتوسع فأسجلها على دفتر الملاحظات، وهذا جزء من العملية الإبداعية.أضع أسئلة للعلاقة بين الأب والأم والمرض، ومن ثم تكبر وتخلق ملخصاً للفيلم بحدود صفحة إلى اثنتين، وأكتب ملخص الحكاية ويتوسع مع الوقت ويتحول لمعالجة، وتصل إلى 10 إلى 20 صفحة.ويتم دراسة المعالجة وتتوسع وتصل لمرحلة كتابة السيناريو، وتطلب العديد من السنوات في الكتابة والدراسة والتحميص خصوصاً في الدراما، فأنت تنظر لعنصر الصراع في الفيلم، وتحاول أن تكون كل المصائر خاضعة لهذا الصراع ليخلق العمل الدرامي. * من أين أتت فكرة «الشجرة النائمة»؟أنا والمخرج لدينا هذا المرض في العائلة، وهذا النوع من المقابلات مع الأهل واكتشاف معاناتهم التي لم نمنحها الأهمية في وقتها، وأمام هذا المشروع طرحنا العديد من الأسئلة، واكتشفنا حجم الألم في المحيط والعائلة.وكانت في البداية عبارة عن مشروع قصير كتبتها مع مجموعة أفلام قصيرة لتشجيع الشباب على إخراج أفلام قصيرة ووضعها بشريط سينمائي لتصبح فيلماً طويلاً يتضمن 5 أفلام قصيرة.هذا المشروع واجهته العديد من المعوقات وتعطل، ولكن ظل محمد بوعلي متعلقاً بفكرة السيناريو القصير التي طرحتها وقتها، وطلب مني أن ننفذ هذا المشروع، ونحن نتناقش تيقناً أنه فيلم روائي طويل، وبدأنا العمل على هذا الأساس.* ممن تستلهم كتابة القصص؟أنا جداً مهتم بالتجربة الأدبية والسينمائية، وأن تكون جزءاً من المجتمع الذي أنتمي إليه، وبشكل دقيق في كل مشروع أدبي أو سينمائي أحاول تسليط الضوء على الهوية البحرينية، والبحرين زاخرة بالهويات وتتنوع فيها وتختلف لأنها جزيرة ودائماً عندها قدرة على استقطاب هويات مختلفة.نحن نتنوع في جذورنا وأصولنا، وهذا التنوع الذي تزخر به البحرين وتشكل الهوية المتناغمة في كل تجربة، أحاول أن أسلط الضوء على هذا المجتمع وقضاياه وعلى قضايا تثيرنا على المستوى الشخصي.ولأني أنتمي لهذا المجتمع بحكاياته وتنوعاته، أحياناً تأتي الفكرة من صورة من الأصدقاء والأهل، وفي بعض الأوقات ألتقي بأشخاص لا أعرفهم ويريدون سرد القصص.الإنسان «حكاي» قصص ويحب سردها، ولست أنجذب لكل قصة وحكاية، أو تصلح لتكون سيناريو فيلم، وفي كثير من الأحيان عندما أبدأ بكتابة أي مشروع تتداخل فيه العديد من الشخصيات في شخصية واحدة.* ما أسباب قلة كتاب السيناريو؟حقيقة لا يعرفها الكثيرون، كتاب سيناريو الأفلام قلائل على مستوى العالم، فلما كنت أقرأ عن ندرة كتاب السيناريو السينمائي، اكتشفت أن هوليود تعاني من نقص في كتاب السيناريو.الإحصاءات تقول إنه يتم تسجيل ما يقارب من 300 ـ 500 سيناريو في مكتبة واشنطن للملكية الفكرية، ولكن لا تنتج إلا 100 ـ 150 منها، ما يعني أن البقية غير صالحة.ندرة السينمائيين والكتاب إشكالية عالمية، ولكن على المستوى المحلي لدينا كتاب، وبانتظار أن تدور عجلة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي على مدار العام، فهناك العديد من الأسماء الممتازة والجيدة لو تتاح لها الفرصة لما توقفت عجلة الدراما في البحرين. * هل فكرت باقتباس رواية لفيلم طويل؟اقتباس أو إعداد عمل سينمائي عملية مشروعة ومنتشرة في الدول الأوروبية والأمريكية، ولكن الاقتباس قليل ونادر على المستوى العربي، فمنذ عام 1990 وإلى اليوم، تم تحويل روايتين إلى فيلم سينمائي، الأولى «عمارة يعقوبيان» والتي كسرت الصمت السينمائي وحققت مبيعات عالية، والثانية في عام 2014 وهي رواية «الفيل الأبيض».ويبقى التساؤل هل الأدب العربي غير مؤهل ليتحول إلى سينما؟ بالطبع لا فهناك العديد من الروايات الرائدة وجربت على أفلام قصيرة، وأنا أعتقد أن القصص القصيرة يمكن أن تتحول إلى أفلام طويلة، وعملت شخصياً على ذلك بحدود ما أستطيع لتحويل بعض الأعمال البحرينية.* ما الطابع الغالب على ما تكتب من سيناريوهات؟أنا مهموم بقضايا اجتماعية، نحن في البدايات ومازلنا نؤسس للصناعة السينمائية، وهناك بعض «الشطحات» الموجودة بالخليج، مثل إنتاج أفلام رعب أو إثارة، ومن وجهة نظري هذه الأفلام إضاعة للمال.نحن نحتاج أن نفهم أنفسنا ونرى صورتنا الحقيقية على الشاشة الكبيرة، ولما تعكس هذه الشاشة همومنا ومجتمعاتنا ستؤهلنا أن نفهم هذا المجتمع الذي ننتمي إليه أكثر.أنا لا أميل لأفلام «الأكشن» والإثارة، مع أني جربت كتابتها، ولكن حاولت الانطلاق من الاعتقاد الشعبي بوجود أرواح وجن وبيوت مسكونة، وهذه حقيقة جزء من موروثنا الشعبي.* لماذا اعتمد الفيلم في الإنتاج على أكثر من شخص؟في الحقيقة اعتمد على 3 أشخاص أنا ومحمد بوعلي وسهى مطر، وهذا مشروع طويل نحتاج أكثر من شخص بنفس الحقل، وأكثر من منتج، لتأمين الميزانية المطلوبة لتمويل الفيلم.* ما الصعوبات التي واجهتكم مع المؤسسات؟نحن نريد أن نصنع فيلماً بمواصفات جيدة، وكانوا يعتقدون أننا نلهو ونلعب، وعلى العكس كنا في قمة الجدية ونصنع أفلاماً جيدة لا تقل مستوى عن التجارب السينمائية العربية. * ما أنواع الروايات المفضلة لديك؟الروايات ذات الأبعاد الفلسفية والاجتماعية. * لمن من الكتاب تحب أن تقرأ؟العديد من الأسماء ولكن نجيب محفوظ يظل على رأس القائمة، وأعتقد أنه من أهم الروائيين العرب، ومازالت تجربته الروائية حية رغم وفاته وإعادة اكتشاف رواياته وهذا بحد ذاته عمل جميل، وهو أكثر روائي عربي محظوظ بتحويل أعماله لأفلام.السينما المصرية قدمت أعمال نجيب محفوظ بالعديد من الأشكال، والرواية الواحدة تم إخراجها إلى 3 أو 4 أفلام مختلفة، وأيضاً تم تحويل معظم رواياته لأفلام ومسلسلات. * من يلهمك في كتابة السيناريو؟الجميع ومن الممكن أن تكون أحياناً من قصيدة كتبتها زوجتي، أو من تأملي لابني، ومن قضايا عديدة مررنا بها كعائلة، كتبت مشاريع ومعظمها مرتبط بمحيطي. * هل ينتمي أبناؤك لنفس الميول؟ابنتي في الثانية والعشرين من العمر تكتب أغاني وأدباً ولكن باللغة الأجنبية، وابني البالغ من العمر 24 عاماً ميوله «بلاي ستيشن» وأعتقد أني وفرت كأب كل الظروف التي يتمناها الأب لأبنائه، وعندما اشتد عودهم كل شخص أخذ طريقه.* ما السبب وراء اتجاه الممثلين للمسرح مع صعوبته؟نظراً لعدم وجود غيرها سابقاً، المسرح الأصعب وأبو الفنون، ومن خلاله تولدت الفنون الأخرى، وعندما نتكلم عن حجم الدراما التلفزيونية أو السينمائية في الخليج هي قليلة جداً، في حين أن دراسة المسرح متوفرة في الكويت والسينما الآن توفرت في أكاديمية أبوظبي.قديماً كان من يود دراسة السينما عليه أن يتجه للقاهرة أو خارج الوطن العربي، وأعتقد أن توفر المسرح وتاريخه في المنطقة يعتبر منصة رئيسة لكل ممثل مبتدئ ليصقل تجربته، والفنان القادم من المسرح يكون قادراً على الظهور في التلفزيون والدراما.حجم الأعمال السينمائية شبه معدوم، وفي الوقت نفسه عندما نتأمل الأسماء الفنية على الساحة نرى أسماء مهمة خرجت من التلفزيون لأنه فتح نافذة لاستقطاب المواقف التمثيلية، ووجود المسرحي يخدمه في التلفزيون، فالمسرح يخدم التلفزيون وليس العكس، والحركة الفنية في البحرين معتمدة على المسرح، وهو البئر الذي يزود الدراما بالعناصر.8 ماذا ينقص السينما البحرينية؟ينقصها الكثير وينقصها التمويل والوعي بأهمية السينما والصورة، حيث إن لها تأثيراً خطيراً جداً وتخلق تأثيرات وردود أفعال على المجتمعات بسبب قوتها، وبدون كلام الصورة تقول الكثير مما تعجز عنه الصفحات والجرائد، وعندما نتكلم عن أهمية الصورة نعي دور السينما.ما الذي ميز العمل مع المخرج بوعلي؟محمد بوعلي طرق أبواب صحيفة الوطن في 2005 ومعه مقالات كتبها وأبدى رأيه بأفلام، ففتحت له الصحيفة المجال ليكتب كل سبت لأنه مميز.طلب مني بعد فترة نموذجاً لفيلم قصير فأعطيته بعض الكتابات، وأحضر سيناريو كان كتبه بعد فترة، فقلت له اذهب ونفذه، في الواقع لم أفهم شيئاً منه، فسألني إذا كان جيداً أو عليه ملاحظات، فأخبرته بأني لم أفهمه، ولكن من المؤكد أن هناك أشياء تدور في فكرك ويجب أن تعكسها. كلمات مسرح الصواري وعبدالله السعداوي لم يتوان عن مساعدته، ومن ثم قام بعمل أكثر من تجربة باجتهادات شخصية واهتمامه بوعي وذكاء وقراءته شجعني للاهتمام به، فكنت أرشح له أفلاماً وكتباً، كان يقرأه ويشاهد، ومن ثم يأتي ليناقشني بها، فعلمت أنني أمام موهبة. * ما نصيحتك للذين يميلون للكتابة؟يجب أن يتحلوا بنسبة عالية من الثقافة، ومن لديه موهبة الكتابة يجب أن يقرأ كثيراً في كل مكان وبأي وقت، وألا يتوقف عن القراءة مها بلغ عمره وخبرته.القراءة مصدر رائع لفهم الحياة.. أنا أفضل جميع أنواع القراءات، ولكن من يود كتابة رواية يقرأ رواية، كل يقرأ حسب ميوله واهتماماته.
970x90
970x90