إسلام آباد - (أ ف ب): تشكل السيطرة الخاطفة لحركة طالبان على مدينة قندوز شمال أفغانستان نصراً مخيفاً لجماعة اعتقد كثيرون أنها منقسمة على نفسها، وكارثة تحمل بعداً رمزياً لأفغانستان وحلفائها الغربيين، وفق المحللين. وشكلت سيطرة المتطرفين على عاصمة الولاية الشمالية أكبر انتصار يحققونه منذ إخراجهم من السلطة في 2001.
وبدأت القوات الأفغانية بمساندة جوية أمريكية هجوماً مضاداً لاستعادة المدينة.
ولكن حتى وإن نجحت فإن مقاتلي طالبان أنهوا بعمليتهم هذه التكهنات المتصلة بوجود انقسامات داخل هيئاتهم القيادية وعززوا سلطة زعيمهم الجديد الملا اختر منصور وفضحوا عجز سلطات كابول عن مقاومتهم.
وقال الخبير العسكري الباكستاني أحمد رشيد «إنها كارثة بالنسبة لحكومة غني» التي وصفها بأنها «تفتقر تماماً للتنظيم».
ويبلغ عدد القوات الأفغانية في قندوز 7 آلاف عنصر بمن فيهم الميليشيات المحلية وفق أحمد رشيد في حين ذكرت التقارير المحلية أن أقل من ألف من مقاتلي طالبان هاجموا المدينة. لكنه أضاف أنه «ليس لدى الحكومة خطة استراتيجية ولا المقومات الكافية للدفاع عن المدينة» مشبهاً سيطرة طالبان على قندوز بهجوم تنظيم الدولة «داعش» الكاسح واستيلائه على مساحات واسعة في سوريا والعراق.
وأضاف رشيد أن توقيت الهجوم «مهم فهو يبين أن مقاتلي طالبان لايزالون متحدين عسكرياً، وهذا مختلف عن كونهم متحدين سياسياً. فهم لايزالون مصممين على إسقاط النظام».
ويتعارض ذلك مع التكهنات التي تحدثت عن خلافات داخل طالبان تحت قيادة الملا اختر منصور الذي يكابد للحفاظ على وحدة الجماعة أمام استقطاب «داعش» لمزيد من مقاتليه.
وبرزت حركة طالبان بين صفوف طلاب المدارس القرآنية في مخيمات اللاجئين الأفغان في باكستان في أواخر 1994 إبان الحرب الأهلية في أفغانستان.
وبدعم من باكستان انتشرت الحركة بسرعة بين السكان الذين أنهكتهم سنوات الحرب الدامية الطويلة والمتطلعين للاستقرار واستولت على الحكم في كابول في 1996.
ومنعت الحركة التلفزيون والموسيقى والسينما وحرمت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة وفرضت على النساء ارتداء النقاب وعلى الرجال إطلاق اللحى. وكان المخالفون يعاقبون بالضرب والسارقون بقطع اليد في الساحات العامة حيث يتم تنفيذ أحكام الإعدام.
ولكن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، غزت قوات دولية بقيادة أمريكية أفغانستان وأسقطت حكم طالبان في ديسمبر 2001 بعد رفضهم تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ما جعلهم يتحولون إلى حركة مسلحة تخوض نزاعاً دامياً مع السلطات الأفغانية الجديدة والقوات الدولية الداعمة لها.
وهرب عناصر طالبان والقاعدة إلى المناطق الجبلية الحدودية الباكستانية حيث قاموا بإعادة توحيد صفوفهم وشن هجمات على القوات الأجنبية والأفغانية من خلال التفجيرات الانتحارية والكمائن.
وتولى أشرف غني الرئاسة في سبتمبر 2014 بعد 13 عاماً من تولي حميد كرزاي الحكم. وفي ديسمبر الماضي أنهى الحلف الأطلسي مهمته القتالية في أفغانستان تاركاً القوات الأفغانية وحدها في مواجهة مقاتلي طالبان.
وفي يوليو الماضي، التقى ممثلو طالبان والحكومة الأفغانية لأول مرة بالقرب من إسلام آباد لبدء محادثات مباشرة ما أحيا الأمل ببدء مفاوضات سلام.
لكن المحادثات علقت إلى أجل غير مسمى بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر مؤسس طالبان وزعيمها التاريخي ما أثار حالة من الإرباك والجدل هددت بشق الجماعة.
وعين نائبه الملا اختر منصور زعيماً لطالبان لكن برزت خلافات إذ اعتبره المتشددون قريباً من المؤسسة العسكرية في باكستان.
وبدت هذه الخلافات فرصة اغتنمها «داعش» لاستمالة واستقطاب عناصر من طالبان وتعزيز حضوره في مناطقها. ومنذ يناير الماضي انضم إلى «داعش» العشرات من كادرات طالبان السابقين من أفغانستان وباكستان.
لكن الملا منصور وصف النجاح في اقتحام قندوز بأنه «نصر كبير».
وحذر أحمد رشيد من أن هجوم طالبان قد تكون له تداعيات أوسع بالنسبة لدول آسيا الوسطى وقد يثير القلق حتى في أروقة الكرملين.
وقال «المجموعات التي سيطرت على قندوز لا تضم فقط مقاتلي طالبان بل أيضاً جماعات من العرب ومن آسيا الوسطى والشيشان. وهذا يعني أن التداعيات ستكون أوسع».
ولا شك في أن السيطرة على قندوز ستعزز هيبة الملا اختر في صفوف المتمردين مع سعيه إلى ترسيخ سلطته من خلال تحسين رصيده كقائد للحركة. ويشكل ذلك تحذيراً للمسؤولين الأفغان الذين سعوا للاستفادة من الخلافات داخل طالبان لإضعافهم.