أحياناً تدير وجهك للدليل، فيما هو جاثم أمامك على ركبتيه، فاغراً فاهه وعينيه ويشاور بكلتا يديه، فيما أنت مشغول في البحث عن دليل قاطع، يقطع الشك باليقين، ويكشف بشاعة الجريمة. الراصد والمتابع للتدخل الإيراني في ثورة سوريا ومنذ أول يوم، كان يبحث عن دليل قاطع على هذا التدخل، وكثيرون كان يصنف التدخل الإيراني، على صورة سلاح أو أموال أو دعم لوجستي، تأخذ أشكال عدة منها نقل وحدات إيرانية متكاملة بأسلحتها الثقيلة ومعداتها الحربية، بجانب التدخل المباشر في عمليات قتالية في الكثير من المناطق، إذ تتحدث أنباء عن وجود مفارز إيرانية داخل سوريا، ولكن لا أحد تخيل بأنها احتلال أو تمهيد لاحتلال إيراني لسوريا، فبعد العشرات من التصريحات التي كان يطلقها الإيرانيون بين الفينة والأخرى على خلفية الثورة السورية، ومنها اعتراف بوجود قوات للحرس الثوري الإيراني تقاتل بجانب الأسد، إضافة إلى اعتراف «علي ولايتي» نائب المرشد العام علي خامنئي: «الاعتداء على سوريا يمثل اعتداءً مباشراً على إيران، وأن سوريا خط أحمر إيراني» حتى جاء التصريح الفاضح والواضح من نوعه على لسان رجل الدين الإيراني «مهدي طائب» الذي يترأس مقر «عمار الاستراتيجي» لمكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد الجمهورية الإيرانية، وقال فيه: «سوريا هي المحافظة الـ 35 وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا، فإذا هاجمنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، الأولى بنا أن نحتفظ بسوريا» وهو اعتراف ضمني باحتلال إيران لسوريا، يثبت وبشكل قاطع ما قاله رئيس وزراء سوريا السابق رياض حجاب: «إن سوريا محتلة من قبل إيران، ويديرها اللواء قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثورى الإيراني»، ويكشف بما لا يدع مجال للشك بأن مقولة «سوريا الأسد» انتهت وبدأت حقبة «سوريا سليماني». ويتدفق على سوريا آلاف المرتزقة يومياً؛ وفي يونيو المنصرم كشف مصدر أمني سوري لوكالات الأنباء عن وصول الآلاف من المقاتلين العراقيين والإيرانيين في الآونة الأخيرة إلى سورية للدفاع عن دمشق وضواحيها بدرجة أولى، بعد اعلان «النصرة» أن دمشق هي هدفهم المقبل.وأوضح المصدر الذي رفض الكشف عن هويته ان «الهدف هو الوصول الى عشرة الاف مقاتل لمؤازرة الجيش السوري والمسلحين الموالين لها في دمشق اولا، وفي مرحلة ثانية استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور التي تفتح الطريق الى المدن الساحلية ومنطقة حماة في وسط البلاد».ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «ارنا» الإثنين تصريحاً لقائد فلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سلماني قالت إنها «لا تتحمل مسؤوليته» وجاء فيه «سيفاجأ العالم بما نعد له نحن والقادة العسكريون السوريون حالياً».وقد زار قائد فيلق قدس الإيراني قاسم سليماني مناطق في ريف اللاذقية للمرة الأولى، وقد ابتدأ زيارته بمنطقة جورين التي تقع على نقاط التماس مع قوات المعارضة التي تتمثل بـ«جيش الفتح»، واستقبل العلويون هذه الزيارة على أنها نصر بحد ذاتها، وراحوا ينشرون التهديدات ضد المعارضين، وأشار إلى أن هدف الزيارة هو دخول الضباط الإيرانيين للإشراف والمساعدة في معارك الساحل السوري لأول مرة منذ اندلاع الثورة، في حين أن الدعم المقدم في السابق كان يقتصر فقط على الدعم اللوجستي وتقديم سلاح وذخائر.ودائما ما يخلق النظام السوري عذرا أن وجود المرتزقة من الايرانيين والعراقيين وغيرهم على اراضه هو بهدف الدفاع عن الاماكن المقدسة والعاصمة السورية، دمشق، وفي ابريل الماضي تحدث بشار الاسد للقناة الفرنسية وقال أن جيشه هو من يدير المعارك في سوريا، وأن عدد ضباط الحرس الثوري في سوريا لا يتجاوزن الـ”50” مستشاراً عسكرياً، وما هي إلا ايام حتى خرج إعلام “ممانعته” ليعترف علانية بزج أكثر من 20 ألف مرتزق إيراني ولبناني وعراقي في معركة ادلب لوحدها ويكذب ما قاله الاسد.وقد كشف تقرير نشره موقع تابع لأبناء القومية البلوشية في إيران، أن الحرس الثوري الإيراني بدأ باتخاذ خطوات لاستغلال الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل في قرى تابعة لمحافظتي سيستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد، و اللتين تقطنهما الغالبية السنية، وذلك لإرسالهم إلى سوريا لدعم قوات الأسد في المعارك الجارية ضد المعارضه.ونقل موقع “بلوج” الإخباري في تقرير له، عن مصادر محلية في قريتي “فتوح ونيكشهر” البلوشية أن الحرس الثوري استطاع خلال الأسبوع الماضي إقناع 25 من أبناء القريتين وقام بنقلهم إلى العاصمة طهران لإخضاعهم إلى تدريبات عسكرية قبل إرسالهم إلى سوريا.وأضافت المصادر البلوشية السنية، أن “الأشخاص الذين استطاع الحرس الثوري إقناعهم بالذهاب إلى سوريا تتراوح أعمارهم من 18 إلى 15 عاماً”وأضافت أن “المبالغ التي سيمنحها الحرس للمقاتلين ستكون900 دولار مقابل البقاء في سوريا 45 يوماً”. وتعتمد إيران في دعم قوات الأسد منذ خمسة أعوام على الجماعات الأفغانية والعراقية بالإضافة إلى حزب الله اللبناني لإرسال مقاتلين إلى العديد من مناطق النزاع بين قوات الأسد ومعارضيه، وزادت عملية إرسال المقاتلين إلى سوريا بعدما تمكنت المعارضة من محاصرة الأسد وفرض سيطرتها على نحو 60 % من الأراضي السورية.وفي يونيو الماضي كشفت صحيفة التايمز البريطانية ، عن قيام إيران بتجنيد مرتزقة شيعة من أفغانستان وباكستان للقتال في سورية مع قوات الأسد، ونقلت الصحيفة عن زعماء جماعات شيعية في العاصمة الأفغانية كابول قولهم، إن السفارة الإيرانية في كابول تمنح شهرياً تأشيرات دخول للمئات من الرجال الشيعة الراغبين في القتال في سورية.وذكرت الصحيفة أن موقعاً باللغة الأوردية على الإنترنت يعمل على تجنيد المرتزقة الشيعة في باكستان، ويعد بتقديم 3000 دولار للراغبين في الانضمام، وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المحللين يقدرون أن نحو 5000 أفغاني وباكستاني يقاتلون إلى جانب الأسد.وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قد سبقت زميلتها البريطانية بالكشف في مايو 2014 أن طهران ترسل مقاتلين أفغاناً إلى سورية، للقتال في صفوف قوات النظام، مقابل راتب شهري يبلغ 500 دولار، ومنح تصريح إقامة لهم ولعائلاتهم في إيران.وفي نوفمبر 2014 كشفت وسائل اعلامية عدة عن تحرك كبير وجديد للحرس الثوري الإيراني في تجنيد الشيعة الأفغان المعروفين «بالشيعة الهزارة» في معسكرات الحرس الثوري في شمال طهران ومعسكرات فيلق بدر العراقي «الشيعي» في الأحواز وإرسالهم إلى القتال بجانب النظام في سورية.وأشارت مصادر من داخل إيران إلى أن معسكر مهدي باكري التابع للحرس الثوري الإيراني الذي يقع على الطريق الدولي بين مدينتي المحمرة وعبادان استقبل أكثر من 1200 مرتزق أفغاني قادمين من مدينة مشهد الإيرانية.وأكد المصدر نفسه بأن الشيعة الأفغان الذين تم تجنيدهم وتدريبهم على القتال في سوريا وعدتهم الجهات الرسمية الإيرانية بإعطائهم الجنسية السورية وتوطينهم في دمشق وحلب وبعض المدن السورية إلى جانب رواتب شهرية لا تتعدى الـ 250 دولاراً شهرياً لمساعدة عوائلهم مادياً في إيران.ويقدر عدد «الشيعة» الأفغان الذين تم تجنيدهم وتدريبهم على القتال في سوريا في معسكرات الحرس الثوري الإيراني بشمال طهران والأحواز بـ 12000 مرتزق تتراوح أعمارهم بين الـ 20 عاما و35 عاما.وتحصل عوائل المرتزقة الأفغان الذين تم تجنيدهم للقتال في سوريا على كوبونات للحصول على الحصص التموينية التي تحصل عليها كل عائلة إيرانية شهريا كالأرز واللحم والزيت والسكر، ويتم تسجيل أطفالهم في المدارس الإيرانية الحكومية على حساب النظام في إيران.وأضاف المصدر الذي قدم معلومات هامة وموثوقة من داخل إيران لصحيفة أن مراكز التجنيد الإيرانية للشيعة الأفغان نشطت بقوة في الفترة الأخيرة بمدينتي مشهد وطهران، وكان الدافع الأساسي لتطوع الشيعة الأفغان للقتال في سوريا هو الراتب الشهري الذي تحصل عليه عوائلهم الفقيرة في إيران، بجانب حصولهم على الجنسية السورية وتوطنيهم بشكل رسمي من قبل الحكومة السورية هناك.ووفقاً للروايات التي تتناقل بين الأوساط الأفغانية داخل إيران، فإن المرتزقة الأفغان الذين شاركوا بالقتال سابقاً بجانب النظام في سوريا قاموا بسرقة أموال ومجوهرات السوريين الذين يتم اقتحام بيوتهم، ويتم بيعها في الأسواق الإيرانية، حيث اشتهر بعض التجار الإيرانيين بشراء التحف التاريخية التي سرقت من سوريا عن طريق المرتزقة الأفغان، وإدخالها إلى إيران بعد رجوعهم من القتال في سوريا.ويذكر أن الشيعة الهزارة أو الشيعة الأفغان يعيش أكثرهم بدون إقامة قانونية داخل إيران، وتعد إيران أكبر دولة بالمنطقة يتواجد فيها الشيعة اللاجئون الأفغان وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، ويعمل الشيعة داخل إيران بصورة غير شرعية في المحلات التجارية وشركات البناء بمبالغ مالية زهيدة بسبب وجودهم غير الشرعي داخل إيران.واستغل الحرس الثوري الإيراني الظروف المادية والقانونية التي يعاني منها الشيعة الأفغان داخل إيران، وقام بتجنيدهم وزجهم في حروب المنطقة، مما أثار غضبا وانتقادات أفغانية واسعة، بسبب استغلال النظام الإيراني والحرس الثوري لظروف اللاجئين الشيعة الأفغان في إيران وتجنيدهم للقتال في سورية.وفي سبتمبر الماضي التقت نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، نغم غادري بالقنصل العام لأفغانستان في تركيا وطالبته بالعمل على وقف تجنيد المرتزقة الأفغان من قبل النظام الإيراني، للقتال ضد ثورة الشعب السوري على نظام الأسد.وأكدت غادري للقنصل على «ضرورة توعية الشعب الأفغاني بحقيقة الثورة السورية وأنها قامت من شعب ضد نظام إرهابي لتنال الحرية والكرامة والانعتاق من نير الاستبداد الديكتاتورية، وليست كما يصورها نظام الملالي الإيراني أنها هجوم على المقدسات الشيعية في سورية».وقالت غادري: إن «الأفغان الذين يُجلبون لقتال السوريين جزء منهم سجناء عند نظام الملالي من ذوي الأحكام الطويلة، حيث يقوم النظام الإيراني بتقصير مدة الحكم ويجبرهم على القتال مع نظام الأسد ضد السوريين».وأضافت غادري أن «جزءاً كبيراً منهم أيضاً من الذين يتم حشدهم طائفياً بفتاوى مضللة تحمل حقداً طائفياً كبيراً على السوريين».وطالبت نائب رئيس الائتلاف الأمم المتحدة بمتابعة أمور اللاجئين والسجناء الأفغان في إيران، والذين تستغل إيران حاجتهم للحرية أو الإقامة أو المال لإرسالهم إلى سورية ليعيثوا فيها قتلاً وإجراماً.لكن ما الذي يجعل سوريا مهمة الى هذا الحد بالنسبة لايران؟ المتتبع لتاريخ العلاقات الايرانية السورية يدرك بأنها علاقة تأسست على الأبدية وليس التابعية كالعراق، ولذلك فان نظام خامنئي وفى سبيل تمتين وترسيخ وتجذير هذه العلاقة، عمد الى توسيع نفوذه في سوريا إلى مراحل متقدمة، فقام بتشيع عدد كبير من العناصر القيادية في سوريا وفي حزب البعث نفسه، وبذلك أصبحت هذه الخلايا تعمل لصالح إيران، حيث عمت الحسينيات كل المحافظات، والتى يديرها الآن المئات من رجال الدين والاستخبارات الإيرانيين تحت غطاءات مختلفة، وعمل المركز الثقافي المعروف بـ «المستشارية» كثيراً على تحقيق هذا الهدف، حيث أصبح له دور مؤثر في الوضع الداخلي السوري مذهبياً وثقافياً وسياسياً، هذا بالإضافة إلى تجنيس أعداد كبيرة من الإيرانيين في سوريا وهم يمتلكون الفنادق «جزء كبير منهم يدير الدعارة في سوريا» والعقارات وشركات الصرافة والمحلات التجارية، تم تحويلهم إلى أدوات لصالحها، وهي خلايا وفية للمشروع الإيراني، خاضت فترة تدريب وتسليح فكري ومذهبي منظم، فأصبحت جزءا من مشروع «ولي الفقيه»، وذلك كله تحقق في فترة وجيزة، وهي الفترة التي تولى فيها محمد حسن أختري، سفيرا لإيران في سورية لمدة 12 عاما، وبالمناسبة، هو مستشار خامنئي ومسؤول جمعية أهل البيت الصفوية، وهي اكبر جهاز للتوسع الصفوي المذهبي لإيران في العالم، وربما ما تقوم به ايران حاليا داخل سوريا، هو عملية تثوير الحالة الطائفية داخل المجتمع السوري، وما تعرف في مجتمعنا بالفتنة الطائفية، بهدف حماية نظام الأسد من السقوط او القضاء على كل أشكال الحياة داخل سوريا، والفضل يعود في تحقيق هذا المخطط، الى تلك الخلايا التي انصهرت منذ عشرات السنين في المجتمع السوري، وتغذت من الشعب السوري بالامس، واليوم تتغدى به. واليوم وفيما تستعد الثورة السورية لدخول عامها السادس تحت وقع الاحتلال الإيراني المكشوف، المراقب للشأن السوري سيكتشف أن هناك ثلاثة لاعبين على الأرض السورية: إيران وتنظيم «داعش» و «جبهة النصرة»، فأيران تهيمن على نظام بشار الأسد وتخطّط بالنيابة عنه و«حزب الله» ينفّذ، لكن التطورات السورية والوضعية المتقدمة للمعارضة السورية، لم تفيد ايران بل وضعتها أمام خطر لم تره مقبلاً، وهو أن احتمال سقوط حليفها في سورية، سيقزّم مشروعها ويلحق بها هزيمة ستنعكس حتماً على نفوذها في بقية أنحاء «حلم الإمبراطورية الفارسية».