حسن الستري


رفضت لجنة الشـؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب مشروع قانون يجرم زنا المحارم في قانون العقوبات، عبر إضافة مادة تنص على أنه «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات كل ذكر أو أنثى واقع أحد محارمه وكان يعلم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأنه أحد محارمه».
وبينت اللجنة في تبريرها للرفض أن النص المقترح غير واضح من حيث تعريف المحارم بحسب مرئيات التنمية الاجتماعية، كما أنه بحسب مرئيات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فإن النص المقترح غير ملائم لجسامة الفعل عن الزنا بالمرأة الأجنبية عند الاكتفاء فقط بالسجن من خمس إلى سبع سنوات وهي الجريمة التي يفترض أن يشدد فيها العقاب مما قد يثير في حق العقوبة شبهة مخالفة الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع وعدم دستورية النص بناء على ذلك، كما أن الحالات التي وردت من وزارة التنمية الاجتماعية تدل على حدوث الجريمة بالفعل بيد أنها ليست بالمتنامية أو التي تعبر عن ظاهرة يتعين مواجهتها بتشريع جديد وأن كل ما ورد لدى وزارة التنمية الاجتماعية هي حالات منظورة بالفعل أمام القضاء بنصوص تنظمها بقانون العقوبات، وأن الحالات التي ترد إلى الجمعيات الخاصة فلا سبيل للجنة لمخاطبتها وفقاً لاختصاصها إلا عن طريق الوزارة المختصة التي تعرض الحالات التي ترد إليها أو إلى الجمعيات الخاصة العاملة في ذات المجال وأي تقصير في تلك البيانات لا ينسب إلى اللجنة.
وذكرت اللجنة أن العقوبات الواردة بالمادتين 345 و346 أشد من العقوبات الواردة بالمادة محل الاقتراح وتكفي لمواجهة حالات الزنا المعروضة بنص أشمل وأعم، إضافة إلى النصوص المقارنة في كل من الكويت وقطر والأردن قررت تعريفاً صريحاً لكلمة المحارم، ووصلت في التشريع السوداني إلى عقوبة الإعدام وكذلك شددت العقوبات الواردة في مواد هذه التشريعات عن السجن لمدة سبع سنوات. كما ورد في الاقتراح الماثل، أن زنا المحارم جريمة قد يكتنفها الغموض وصعوبة الإثبات، حيث قد تلجأ بعض العائلات إلى إخفاء وقوع مثل هذه الجرائم خوفاً من الفضائح وكذلك فإن جريمة الزنا تتطلب إذنَ من لحقه الضرر لإقامة الدعوى الجنائية وهو ما قد لا يتوفر في حالة زنا المحارم، حيث إن المتضرر قد يكون هو المتهم ومن ثم يقطع النص الطريق على من يتعين عليه العقاب.
ويتألف مشروع قانون بإضافة مادة جديدة برقم 316 مكرراً إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976 فضلاً عن الديباجة من مادتين، تضمنت المادة الأولى إضافة مادة جديدة برقم 316 مكرراً إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976، أما المادة الثانية من المشروع بقانون فجاءت تنفيذية.
ورُفع تقرير اللجنة للمجلس وعرض في جلسة المجلس الثانية والعشرين المنعقدة بتاريـخ 19 مايو 2015م وأُعيد للجنة لمزيد من الدراسة.
ويهدف المشروع بقانون إلى سد الفراغ التشريعي في قانون العقوبات الذي يخلو من نص يجرم زنا المحارم، حيث لا يوجد عقوبة على الاتصال الجنسي بين بالغين مهما كانت درجة قرابتها دام كلاهما غير متزوجين والاتصال كان من غير عنف أو إكراه، إذ أنه لا يوجد مبرر للمشرع البحريني لعدم تأثيم زنا المحارم على الرغم من تأثيم عدد من القوانين الغربية لهذا الفعل المشين مثل القانون الألماني والسويسري والإنجليزي كما جرمته القوانين العراقية والجزائرية والقطرية باعتبار أن هذه الجرائم مما يستهجنها الشرع والعرف والفطرة السليمة. كما يتعدى ضررها إلى شرف الأسرة بكاملها التي هي أساس المجتمع، خصوصاً مع تنامي حالات زنا المحارم المسجلة لدى المراكز الاجتماعية لضحايا العنف الأسري.
وارتأت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية سلامة المشروع بقانون من الناحية الدستورية.
من جانبها، أكدت وزارة الداخلية في ردها أن مشروع القانون المذكور جاء لسد الفراغ التشريعي في قانون العقوبات الذي خلا من نص يجرم زنا المحارم، بالإضافة إلى أن العقوبة الواردة في المشروع المقترح جاءت مناسبة لردع من يرتكب تلك الجريمة وذلك لصون وحماية الأسرة البحرينية التي ترفض مبادئها وقيمها الإسلامية مثل تلك الأفعال.
وأشارت الوزارة إلى أنه لا توجد لديها إحصائيات دقيقة متعلقة بهذا الشأن لكون الجريمة المعاقب عليها وفقاً للقانون حالياً هي الزنا بشكل عام.
أما ممثلو وزارة التنمية الاجتماعية فقد ذكروا أن الوزارة تستطيع توفير حالات زنا المحارم لكنها لن تكون ذات دلالة معبرة عن العدد الحقيقي، وذلك لأن الوزارة تحصر عدد البلاغات فقط وقد تكون بعض هذه البلاغات كيدية وهذا ما يتضح بعد إحالتها للقضاء أو تتغير الأقوال في النيابة العامة وبالتالي فالإحصائيات التي ستقدم لن تكون دقيقة لتعكس حجم الظاهرة، كما إن الحالات التي ترد إلى وزارة التنمية الاجتماعية بشأن زنا المحارم تتعلق بالأطفال المتعرضين لهذا الشأن فقط، حيث يتم تبليغ الوزارة بها من قبل وزارة الداخلية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والنيابة العامة بغرض حماية ورعاية هؤلاء الأطفال وإيوائهم.
وقد وردت إلى الوزارة منذ 2012 حتى فبراير 2015 عدد من الحالات، قد تم إيواؤها ورعايتها في المراكز التابعة للوزارة، وذلك على النحو الآتي: حالتين من دار الأمان لحماية المرأة من العنف الأسري وردت من مراكز الشرطة و39 حالة من مركز حماية الطفل وردت من المستشفيات الحكومية ومراكز الشرطة ووزارة التربية والتعليم ومن شكاوى الأمهات وحالتين من بيت بتلكو لرعاية الطفولة بلغت عن طريق قاضي الأحداق أو بأمر من النيابة العامة.
كما أشارت الوزارة إلى أن البلاغات تقدم إلى كافة الجهات المعنية بالأمر ومنها وزارة التنمية الاجتماعية، وأنه لا يمكن عدها ضمن الإحصائيات الرسمية نظراً لعدم صدور أحكام قضائية نهائية لها، وأن الإحصائيات الرسمية عن الأحكام القضائية تدخل ضمن اختصاص وزارة العدل والشؤون الإسلامية باعتبارها الجهة الوحيدة المعنية بهذا الشأن.
من جهته، أكد المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مرئياته أن الزنا حرام، وتحريمه من المعلوم من الدين بالضرورة، أن لها عقوبة مقدرة شرعاً وهي رجم الزاني المحصن حتى الموت، وجلد غير المحصن مائة جلدة، وتغريب عام عند الجمهور، وقصره المالكية والجعفرية على الذكر دون الأنثى، إذا كان الزنا بالمرأة الأجنبية من الكبائر العظام، فهو بالمحارم أشد فظاعة وجرماً، لما فوق إثم تلك الفعلة القبيحة من قطيعة الرحم، وتدمير أواصر المحبة بين الأقارب، وتصل عقوبته إلى القتل.
وبين المجلس الأعلى أن التعريف المقترح لـ «المحرم» الوارد في نص مشروع المادة الجديدة (يقصد بالمحارم في حكم هذه المادة أصول الجاني أو فروعه أو حواشيه) هو تعريف غير جامع وغير مانع؛ لأنه يخرج منه ما هو منه ويدخل فيه ما ليس منه، فلم يشمل التعريف المحارم بسبب الرضاع والمحارم بسبب المصاهرة، ودخل في التعريف ما ليس من المحارم وهم أولاد الأعمام وأولاد العمات وأولاد الخال وأولاد الخالات لأنهم من الحواشي كما هو معروف لغةً وشرعاً.
من جهته، أوضح المجلس الأعلى للمرأة إن إضافة مادة إلى قانون العقوبات تجرم زنا المحارم يأتي ليسد فراغاً تشريعياً غير مقبول. وبالتالي، فإن التعديل يبدو ضرورياً، ولكن النص لا يأخذ بعين الاعتبار أي تشديد للعقوبة سبق وتم النص عليه في قانون العقوبات وخاصة في المادتين 349 و346، فالأولى تجعل العقوبة الإعدام إذا أدى الفعل إلى وفاة الضحية والثانية تجعل العقوبة حتى 10 سنوات سجن إذا كان المجني عليه أتم السابعة ولم يتم السادسة عشرة، وطالب بإضافة فقرة «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات ما لم يشكل فعله جرماً أشد بمقتضى هذا القانون كل ذكر أو أنثى واقع أحد محارمه وكان يعلم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأنه أحد محارمه».