علي الشرقاوي





«أنا لا أكتب الشعر.. كي أبلغ المجد..أو أنتشر.. في صفحة الإعلام.. أكتب كي أضيء.. كذا الشعاع.. ينسل خلسة ليمحو الظلام!».
كلما تذكرت الشاعرة حمدة خميس، أو التقيت بها، أو سمعتها، عدت بالذاكرة إلى أواخر الستينات، حين نشرت قصيدتها (اعتذار للطفولة) والتي كانت بشارة لبروز شاعرة جديدة على الساحة الشعرية في البحرين
كنت وعبدالحميد القائد ويعقوب المحرقي، عشاق الشعر ومتابعيه في البحرين وفي الوطن العربي، نتابع بشغف كل ما يطرح في القاهرة أو بيروت أو بغداد، من تجارب جديدة خارجة عن المألوف، والمرتبطة بالروح السريالية كما وصلت إلينا حينذاك، وفي نفس الوقت كنا نفتش بإلحاح ونبحث عن الأصوات البحرينية الشابة، بالإضافة إلى الشعراء الذين استطاعوا أن يبرزوا في ساحة الشعر البحريني كقاسم حداد وعلي عبدالله خليفة وعلوي الهاشمي. كنا نبحث عن جيل جديد، يشبهنا وقريب من أحلامنا وطموحاتنا، مستفيدين بالطبع من تجارب سبقتنا وبالذات الشاعر غازي القصيبي وأحمد محمد آل خليفة من الذين كانت أصواتهم قوية، فيما شكّل لنا غازي القصيبي خطوة قوية وأرضية ثابتة للانطلاق. خاصة في مجموعته الشعرية «قطرات من ظمأ».
من الأصوات الجميلة التي فرحنا بها صوت حمدة خميس ومعها الشاعرة الراحلة منيرة فارس آل خليفة التي كانت توقع كتاباتها النثرية تحت اسم عاتقة، رأينا فيهما أصواتاً شعرية نسائية طازجة، سوف يكون لها شأنها في قادم الأيام، جيث تشاركنا معهما في أول أمسية شعرية في نادي النسور.
من هي حمدة خميس؟
حمدة خميس شاعرة من البحرين، ولدت سنة 1946 في المنامة. أكملت دراستها الابتدائية والثانوية في البحرين، والجامعية في بغداد، حيث حصلت علي البكالوريوس في العلوم السياسية.
عملت بعد تخرجها في شركة الخطوط الجوية البريطانية، ومراسلة لعدة صحف، كما عملت مدرسة في البحرين لمدة تسع سنوات، ثم استقالت لتعمل في عدد من الصحف الخليجية منها: الأزمنة العربية، الاتحاد الذبياني، الفجر، أبو ظبي – اليوم.
عضو مؤسس في أسرة الأدباء والكتاب بالبحرين، وعضو في اتحاد كتاب الإمارات، واتحاد كتاب العرب.
نشرت قصائدها في كثير من الصحف والمجلات العربية مثل أدب ونقد، والسفير، والنداء، وصوت الكويت، والعامل، والوطني.
دواوينها الشعرية:
اعتذار للطفولة 1978.
الترانيم.
يقول الشاعر والناقد الدكتور علوي الهاشمي في كتابه «شعراء البحرين المعاصرون»: «تتميز تجربة حمدة الشعرية بقوة العاطفة الوجدانية الذاتية التي تسلطها على الموضوعات الوجودية والمضامين الواقعية والأفكار الفلسفية، فتحولها إلى كتلة حية من خصوصية تجربتها الذاتية، حتى يبدو بعض قصائدها وكأنها قصائد عاطفية ذات نفس ذاتي محض. فهي تعبر عن تجارب ذات نزعة وجودية استعانت فيها بالحوار الداخلي وتعدد الأصوات في القصيدة الواحدة مع محاولة الانفلات من شكل القصيدة السيابية».
وفي كتاب «ما قالته النخلة للبحر» يقول الهاشمي «وإذا كان الحب عاطفة إنسانية وحاجة بشرية، فإن محكها الصحيح هو المجتمع، أي الآخرون، حتى لا تتحول هذه العاطفة إلى مستنقع راكد معزول عن مجرى الحياة.
عبر هذا الإحساس الواقعي بعاطفة الحب كانت حمدة خميس في بداية تجربتها مع الشعر تتلمس طريقها إلى فضاء الحرية ورحابة الحياة، ولكنه طريق يمر بظروف الواقع الصعبة مخترقاً جدارها الأصم، داخلاً مع إحباطاتها في صراع نفسي حاد ينعكس بالضرورة على عاطفة الحب نفسها، بحيث يسود القلق والشك نفس الشاعرة وهي في قمة الإحساس بالحب».
«بوابة الشعر الموصدة»
هذا عنوان الدراسة التي كتبتها الشاعرة الإمارتية ظبيه خميس عن تجربة حمدة خميس الشعرية، وهي تتكلم عن ظاهرة الانكسار الداخلي التي تلازم أقلام نساء الخليج وخاصة أثناء المرحلة الانتقالية، إذ غلب عليهن الاغتراب النفسي والمعنوي، تقول ظبية
قرأت كتابها الأول «اعتذار للطفولة» عام 1980، ووجدت الليل حالكاً، كأنه القهر يرتدي ساعات الزمن، وآمنت بأن فجراً ما تنتظره حمده، يقتسم قلبي ويشطره إلى شطرين في انتظار الزمن القادم، الزمن الرحب الذي تصبو إليه مقلتا الدموع المصلوبة.
وسبق لقائي الأول بحمدة خميس، لقاء بيني وبين كتابها الأول، ومقال كتبته حول شعرها في جريدة الفجر، وفي أواخر عام 1980، ثم التقيتها بعد ذلك، وقدمتها في العام نفسه في أمسية شعرية في النادي الثقافي – بالشارقة.
وتضيف ظبية: قالت لي الشاعرة، منذ وقت قريب، إنها اكتشفت أسلوباً جديداً للاستمرار في هذا العالم. «كي تستطيع أن تكلم النهار القادم عليك بقراءة أجمل الأشعار بعد دقائق اليقظة الأولى، ثم عليك بالتفكير مرتين قبل التورط في قراءة الصحف والجرائد اليومية».
حمدة الطفلة التي ما كبرت.
أحياناً، تبدو كطفلة عنيدة تتوقع أن يعطيها الجميع اهتمامه (أعني جميع من تحب) وأحياناً يغلبها منطق المادية التاريخية فتتحول إلى سليمان الحكيم متقمصاً شاعرة، خليجية، معاصرة.
نصف حمدة لأبيها هو البحرين، والنصف الآخر منها لأمها هو الإمارات.
«الترانيم» كتاب شعر صدر، بعد طول انتظار.
عام 1985، مشكلة النشر، والكتاب الخليجي «غير الرسمي» و»غير التافه»، وإهمال الشعر من قبل الناشرين، هي بعض أسباب هذا التأخير.
«الترانيم» هو عملها الثاني كما أسلفت، وهو عمل يضم قصائد كتبتها حمدة خميس في النصف الثاني من مرحلة السبعينيات، وأوائل أعوام الثمانينات.
تقول حمدة «إنها لا تطيق أن تقرأ هذا الكتاب من جديد، لأنها ملت قصائده التي طال انتظار نشرها، فأصبحت قديمة بالنسبة للحظة ذاكرة حمد الحاضرة».
و»الترانيم» هي عشر قصائد، كتبت معظمها بين دبي، والرفاع الشرقي في البحرين بين أعوام 1977 و1982.
هل أسمي احتضار التواقيت هذي:
الفجيعة أبكي
أم أسمي اشتعال التواقيت هذي:
فتيل انفجاراتك المقبلة؟!
«طوق الغواية»
أصدر بيت الشعر التابع لنادي تراث الإمارات في أبوظبي ديواناً شعرياً جديداً للشاعرة حمدة خميس بعنوان «طوق الغواية» ويقع الديوان في مئة وخمسين صفحة من القطع الصغير، ويحوي بين دفتيه ثماني عشرة قصيدة. تقول الشاعرة حمدة خميس في مستهل ديوانها الذي أهدته إلى أبنائها، «قد أنسج الكلام في الأحلام/ وحين يقظتي/ يضيع في الزحام/ أتوه مرة عن غايتي/ ومرة أنقش كالإزميل/ في ضراوة الزحام».. وتمزج قصائد الديوان بين العديد من الموضوعات المتنوعة تتنقل فيها الشاعرة بين هموم الهوية وهواجسها، وتطرح خميس في «طوق الغواية» مجموعة من الأسئلة: «أكنا شظايا/ فجمعنا الظل؟/ وكنا رهاف/ الطبائع/ فحجرنا الاشتهاء». يذكر أن للشاعرة حمدة خميس أحد عشر ديواناً منشوراً منها: اعتذار الطفولة، الترانيم، في بهو النساء، إس إم إس، وهو عبارة عن رسائل قصيرة أرسلتها الشاعرة إلى أصدقائها ومحبيها، إما رداً على رسائلهم إليها وإما مبادرة منها إليهم.
تقول حمدة خميس عن تجربتها الشعرية:
« تجربتي في الكتابة خاصة ومريرة، فقد كان علي دائماً الخروج من جلد الأنثى الناعم والالتحام بخشونة الأحلام. ولقد كان هاجسي هو التعبير عن الهمّ الإنساني، وليس همّ المرأة الجزئي.. إنني امرأة لذا فأنا أحمل تراث قرون من الاضطهاد الخاص والمزدوج. وكان على التجربة أن تخرج من إطار الهموم الضيقة التي طرحها أدب المرأة التقليدي لتلتحم بهمّ الإنسان، وطموحاته في الشمول، كما كان عليها أن تكتشف الموقع وتكشفه.
لقد اتسعت تجربتي بصعوبة خاصة بيني وبينك فتراثي الأدبي يضع المرأة في دور المتغزل به لا المتغزل، في دور المتمنع المدلل لا المعطي الباذل ولا المحروم الذي يعاني شظف العيش وخشونة السلوك.. وكان علي أن أخرج من هذا الاستلاب الرهيب، وكان الشعر ساحراً يأخذ بيدي رويداً رويداً نحو منطقة الإضاءة كان علي أن أختار واخترت.. ولم أشعر بالرغبة قط في التراجع عن هذا الاختيار.. وكان الشعر عالماً مازلت أرتجف انتشاءً كلما احتواني.
إنه لغتي رغم الصمت ورغم الضباب ورغم التغييب كان علي أن أخرج من عذرائي لأصنع الصعوبة والاحتمالات، إنني أنتشر من خلال حصار النشر، وألتحم بالحلم وأعد ديواني الثاني.. وبالرغم من عدم وصول صوتي للذين أعطوني صوتي.. وبعد ففي الإمكان أن أبدع مما كان.
تقول إنها قد تأثرت كثيراً بالشاعر اللبناني خليل حاوي، ولربما أصابت نصوصها بعضاً من سوداوية وتشاؤم خليل الذي التقى بتجاربها الشعرية والحياتية في رؤية لشعر حمدة خميس في عملها الأول «اعتذار للطفولة».
يقول الصحفي والناقد المصري الراحل أحمد محمد عطية في كتابه «كلمات من جزر اللؤلؤ» والذي اشتغل عليه حينما عمل صحفياً لبعض الوقت في البحرين وأجرى العديد من الحورات مع الأدباء البحرينيين: «وفي شعر حمدة خميس تبرز الرؤية السياسية، ويمتزج الرمز الشفاف بالواقع المعاش بالتراث البحريني، وخاصة تراث البحر والزرع والنخل وقد تحدثت عن مفهومها للسياسة قائلة في حوارها مع الناقد البحريني أحمد المناعي: (السياسة من وجهة نظري لا يمكن فصلها إطلاقاً عن حياتي عندما أعيش وأحس… وأحب… وأتألم.. وأفرح… أكون إنسانة متلاحمة بكل الأسباب والمبررات التي منحتني هذه الأحاسيس، عندما أحب مثلاً، وأشعر بأنه محظور علي أن أفعل ذلك أو أن هناك من يمارس تشويهاً على فكري، هنا أحس بأني مقهورة.. لذا أرفض مبرراته، وأكون في هذه الحالة داخل السياسة لأن مبررات التشويه هي عادات أو نظم اجتماعية معينة. وكذلك فالألم يعني سياسة والفرح كذلك، فمناماً أرى هناك ما يحول بين الفرح وبين الإنسان ويسبب له الألم فإني أرفض هذا الحائل، فالرفض هذا سياسي أيضاً، إذن صادمة أرفض، فإني أمارس السياسة وأتدخل فيها) «مجلة الأقلام» عدد خاص بالأدب العربي في البحرين، مايو 1980)».
المرأة تكتب كي تؤسس حضورها
تقول حمدة خميس من خلال دراسة للناقد صبحي حديدي تحت عنوان المشهد المعاصر لقصيدة المرأة في الخليج العربي
(فوزية أبو خالد- السعودية) صبحي حديدي (سوريا/فرنسا) في جواب لها على سؤال لماذا، إذاً، تكتب المرأة؟، تجيب حمدة خميس: «لأجل أن تفرغ البرمجة المضادة لذاتها وعقلها وروحها وكيانها.. من أجل أن تعيد برمجة ذاتها وفق شروطها هي وتطلعاتها هي.. وفق أحلامها وقواها الكامنة وقدراتها الخفيّة وجوهرها المتميّز. المرأة لا تكتب لأنها لا تريد أن تسقط في النسيان بعد موتها أو لكي توقف الزمن وتسرمد اللحظة، كما يجيب الرجال عندما يُسألون عن أسباب الكتابة. المرأة تكتب كي تؤسس حضورها، لا في الواقع الذي غُيّبت عنه طويلاً فقط، بل في الواقع الإنساني بشموليته، الواقع الذي وُضعت فيه في زاوية منحنية ومنسية! تكتب لكي تعبّر عن حركة وجودها، كي تعلن أنها كائن إنساني وموجود.. كي تنهض بذاتها.. وبالحياة في أرقى أشكالها وتجلياتها.. الكتابة فعل وممارسة للحياة، بل الحياة في عمقها وتعقدها، في حدّتها وشفرتها.. الحياة في مائها وتبدلاتها. فعل الكتابة هو فعل انبعاث وصمود.. هو فعل تهشيم للتهميش الذي حاق بالمرأة، وفعل تأسيس في الآن ذاته).
القاهر يحوّل
عري الجسد إلى وثاق للأنثى
يقول صبحي حديدي
وأمّا عند حمدة خميس، فإنّ الجسد الأنثوي بضاعة في سوق النخاسة (وهذا ليس جديداً)، غير أنّ القاهر يمكن أن يحوّل عري الجسد إلى وثاق للأنثى، هذه التي تستطيع بدورها تحويل عريها إلى موقف مقاومة حين تلبس عري الشمس فتستردّ بذلك وجهها، وجه الإنسان.
حمدة خميس..
سيدة القصائد البرية
يقول الكاتب محمد عرب في ملحق الخليج الثقافي
تاريخ النشر: 20/04/2015 وهو يتحدث عن بيت حمدة خميس في الشارقة ـ إن حمدة خميس تتذكر: «شغفي بالعمارة يبدأ من الطفولة حيث كان بيت جدي الذي نشأت فيه في البحرين قريباً من البحر، فكنت أجمع الصدف، وعظام الطيور المهاجرة من الشاطئ، وأصنع منها دمى وأواني مطبخية، وكؤوساً، وأرتبها في صناديق الخضار الخشبية» .
كل شيء يصبح قصيدة حين تمسسه يد الشاعر، كذلك تنجو خميس من رتابة اليوم إلى قصائد تنمو وقصائد تتحرك وأخرى تغني وتقرأ، وقصائد تصادقها، وأخرى تهجرها، فلا تعيش يومها كسيدة تنتظر صحو الشمس، بل تجلب الحياة إلى يومها كما تشاء، فما أن تصطحبنا إلى مكتبتها حتى تطل آلة حياكة، وتظهر عدداً من الطبول الإفريقية، وبيانو، والآلاف من الكتب التي تملأ ثلاث غرفٍ وتفيض على جانبي الأسرة، وفي المطبخ، وغرف الجلوس عليها» .
قالت خميس ذات يوم «إن الكتب معرفة تنسى وسلوك يكتسب»، لذلك لا تبدو الغرابة والشعرية التي تعيشها في ظل آلاف الكتب التي يفيض بها بيتها، فمع شغفها بالنباتات، والموسيقى، والحياكة، تعلمت فن «ألمكرميه» وهو واحد من الفنون القائم على نسج الخيوط المتينة التي تعلق على الأسرة، والتي تصنع منها «الهاموك»- الأسرة المعلقة على الشجر.
يرافق ذلك كله شغف بالفنون التشكيلية، فمنذ أن أنهت دراستها للعلوم السياسية والاقتصاد في جامعة بغداد في سبعينات القرن الماضي، وحين كانت تدرس طلاب المرحلة الابتدائية في المدرسة التي تخرجت منها - الرفاع الشرقي - كانت تعتني بدروس الفن وتحفز الطلاب على الإبداع والرسم بحرية فتأخذهم في جولات خارج المدرسة وتسهل لهم مواد الرسم للدرجة التي تصبح فيها أكياس البقالة الورقية مساحة ليبدع فيها الطلاب رسومهم. حتى اليوم يرافق خميس شغف الفن، وحتى اليوم تحتفظ بأدوات الرسم والأقلام لتذهب إلى اللوحة إذا شدها الفن إليه، وهي تعترف بأنها نقلت ذلك لأبنائها إذ واحدة من بناتها تجيد الرسم لكنها ترفض الاعتراف بذلك.
تراثي الأدبي يضع المرأة في دور المتغزل به لا المتغزل
في ذات بوح قالت حمدة خميس عن تجربتها
«تجربتي في الكتابة خاصة ومريرة، فقد كان علي دائماً الخروج من جلد الأنثى الناعم والالتحام بخشونة الأحلام، ولقد كان هاجسي هو التعبير عن الهم الإنساني، وليس هم المرأة الجزئي.. إنني امرأة لذا فأنا أحمل تراث قرون من الاضطهاد الخاص والمزدوج. وكان على التجربة أن تخرج من إطار الهموم الضيقة التي طرحها أدب المرأة التقليدي لتلتحم بهم الإنسان وطموحاته في الشمول، كما كان عليها أن تكتشف الموقع وتكشفه.
لقد اتسعت تجربتي بصعوبة خاصة بيني وبينك فتراثي الأدبي يضع المرأة في دور المتغزل به لا المتغزل، في دور المتمنع المدلل لا المعطي الباذل ولا المحروم الذي يعاني شظف العيش وخشونة السلوك.. وكان علي أن أخرج من هذا الاستلاب الرهيب، وكان الشعر ساحراً يأخذ بيدي رويداً رويداً نحو منطقة الإضاءة. كان علي أن أختار واخترت.. ولم أشعر بالرغبة قط في التراجع عن هذا الاختيار.. وكان الشعر عالماً مازلت أرتجف انتشاءً كلما احتواني.
إنه لغتي رغم الصمت ورغم الضباب ورغم التغييب كان علي أن أخرج من عذرائي لأصنع الصعوبة والاحتمالات. إنني أنتشر من خلال حصار النشر، وألتحم بالحلم وأعد ديواني الثاني.. وبالرغم من عدم وصول صوتي للذين أعطوني صوتي.. وبعد ففي الإمكان أن أبدع مما كان.
إله الكائن.. قراءة في ديوان
«وقع خفيف» لحمدة خميس
في قراءة له يقول الشاعر والناقد البحريني جعفر حسن عن تجربة خميس: عندما تبدع الشاعرة حمدة خميس إنما تبدع بكليتها لتعبر عن ذلك الكائن المعلى الذي نسميه الإنسان، فيبرز لنا ذلك التأمل العميق للوجود باعتباره تأملاً في كينونة الكائن الذي يعلو من الداخل ليعبر عن صيرورة لا تلين ذاهبة في اتجاه واحد بالضرورة، ذلك التعبير الإنساني المدرك للصيرورة وقوانين تحولها، باعتبارها علاقة لا فكاك من تروسها التي تدور رغماً عنا، تلك التي تتكون في جسد الكائن دون أن يستطيع إيقافها، وهي التي تستطيل لتعبر عن زمن يقيسه الإنسان بحركة الأفلاك التي لا تقع ضمن هيمنته، ولكنه يعرف صيرورة الزمن التي تقربه كل لحظة من نهايته.. الفاجعة التي يرسمها ميراث جيني كامن في أعماق مكوناته من الخلايا، ذلك الجين الذي يكتنز فيه من الأنانية ما يبدأ في افتراس الكائن من الداخل ببطء كأنه تعبير عن الزمن الذي يجعله ينطلق كوحش لم نكن ندرك كنهه، ولكننا كنا نحيله إلى عمل الوقت الذي نعده بالساعات، في تلك اللحظة نكون نحن فرائس لتلك الساعات المتوحشة التي تبقي الكائن في عذابات إدراكه بالنهاية الفاجعة التي ينبثق منها الأسى والكمد الناجم عن ذلك الوعي بأن كل كائن يغادر وحيداً ويعيش وحيداً فريسة الوقت.