أكد استشاري الطب النفسي في مركز مطمئنة - البحرين د.عبداللطيف الحمادة أن كل متطرف مشروع إرهابي مؤجل بانتظار الظروف الملائمة لشحنه وإيجاد الوسائل المتاحة لانفجاره بوجه المجتمع.
وقال إن الجميع يتحدثون عن سقوط ضحايا الأعمال الإرهابية من أعداد القتلى والجرحى إضافة إلى حجم الدمار الذي لحق بالممتلكات الخاصة والعامة ويتناسون الآثار النفسية التي ألمت بالآمنين من جراء ترويعهم بتلك الأعمال الإرهابية.
وأشار إلى أن الإرهاب هو اختيار العيش على هامش المجتمع والتربص بالوطن للانقضاض عليه في أية لحظة بتبرير أنه مجتمع غريب عن نفسية الإرهابي وهو سبب مآسيه المزعومة أو الانصياع لأجندات خارجية وأن الوقوف على النقيض من سياساته وتوجهاته هو السبيل للفت انتباه المجتمع أنهم يعيشون فيه غرباء أو مضطهدين.
وأضاف أن الإرهاب هو علاقة إحساس نفسي بالغربة ونزوع سلوكي للعدوان وأن كل متطرف هو مشروع إرهابي مؤجل بانتظار الظروف الملائمة لشحنه وإيجاد الوسائل المتاحة للانفجار بوجه المجتمع.
وأوضح أن الإرهاب هو أسلوب إجرامي باللفظ أو الفعل يهدف إلى ترويع الآمنين سواء كانوا أفراداً أم جماعات أم دولاً «بغية تحقيق أهداف» لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية أو الإنسانية أو السماوية ويأخذ الإرهاب أشكالاً متعددة مثل: الفردي: كالإرهاب الفكري والقتل والاغتصاب وغيرها، والجماعي: كأعمال التخريب والنهب والحرق والتفجير والتهجير وغيرها، والدولي: كالضغط الدبلوماسي والحصار الاقتصادي وشن الحروب وتدمير البنى التحتية للبلدان الآمنة.
ونوه إلى أنه في عام 1990 شارك في حرب الخليج العربي ضد العراق 100 ألف جندي أمريكي من أصل 700 ألف جندي شاركوا في تلك الحرب ظهرت عليهم مجموعة أعراض هي: الاهتياج والإجهاد المزمن والاضطرابات الهضمية وآلام المفاصل والطفح الجلدي والصداع النصفي وتساقط الشعر والنسيان وصعوبة التركيز، كل تلك الأعراض تسمى متلازمة حرب الخليج العربي، ونجم عن أحداث سبتمبر 2001 انتشار واسع لاضطراب الكرب بعد الصدمة بنسبة 11.4% وانتشر مرض الاكتئاب بنسبة 9.7% بعد مرور شهر واحد على الأحداث، ويعاني أكثر من 25 ألف من اضطراب الكرب تتعلق بهجمات 11 سبتمبر بعد مرور سنة على الأحداث، وغزت أمريكا وحلفاؤها أفغانستان في عام 2001 وغزت العراق في عام 2003 وخلفت كلتا الحربين اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى 17% من الجنود العائدين.
وقال إن الدراسات الحديثة أثبتت بأن عدد الحالات النفسية الذهانية والعصابية تصبح أربعة أضعاف عددها في الظروف الاعتيادية بعد وقوع أي عمل إرهابي.
حيث تظهر على الشخص أعراض القلق وصعوبة النوم والاهتياج والعدوانية ونوبات الغضب وعدم القدرة على التركيز وضيق في التنفس وتوتر وعجز جنسي وغيرها.
وممكن أن يعاني الأشخاص الذين تعرضوا للإرهاب من الرهاب الاجتماعي ورهاب الأماكن المفتوحة بشكل ملحوظ ويتجنبوا الذهاب إلى التجمعات والأماكن العامة ويؤثر ذلك سلباً على نوعية حياتهم وعملهم وتزداد حالات العصبية والاهتياج والغل وعدم التسامح في المجتمع بصورة عامة، وتزداد حالات رهاب المدرسة بين الأطفال وتظهر عليهم علامات العصبية والسلوك العدواني مع الأهل والزملاء والعناد والمراوغة والأرق وفقدان الشهية والإدمان على العقاقير المضادة للقلق وإدمان الحشيش والكحول وغيرها، وقد يعاني بعض الشباب والمراهقين من محاولات انتحارية أو محاولات إيذاء النفس، وظهرت حالات كثيرة من اضطراب الكرب الحاد واضطراب الكرب بعد الصدمة لدى الذين قد هددت حياتهم بشكل مباشر من جراء الأعمال الإرهابية الإجرامية مثل التفجيرات الانتحارية والاغتيالات أو هددت بشكل غير مباشر من خلال التأثر بالمقاطع الفيديوهية التي تعرض على شاشات التلفاز أو في وسائل التواصل الاجتماعي حيث عانى الكثير منهم من علامات انعدام الأمن وفرط الحركة وضعف الذاكرة ونوبات الهلع وتجنب الأماكن وضيق التنفس وضعف التركيز واضطرابات النوم، كما ظهرت على الكثيرين منهم علامات الاكتئاب والحزن المرتبطة بالفقدان والحرمان لأنهم فقدوا بيوتاً وأشخاصاً وأعمالاً تجارية ووضعاً اجتماعياً أو أجزاء من أجسادهم، إضافة إلى أنهم يعانون من فقدان النوم والشهية والرغبة الجنسية وفقدان اللذة والاهتمام بكل شيء وتتسم أفكارهم بالسلبية والشعور بالذنب والأفكار الانتحارية وهنالك من تتكون لديه رغبة في الانتقام حيث تتجسد من خلال ردات الفعل العفوية السريعة أو المخطط لها.
ولفت إلى أن أكثر الناس عرضة للضرر من جراء الأعمال الإرهابية هم الأطفال والشباب لأنهم في مرحلة نمو وبناء شخصياتهم وبذلك فهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية لأنهم لم يكتسبوا الخبرة الكافية للتعامل مع تلك الأحداث المروعة فالصدمات تعيق نموهم العقلي والنفسي والبدني واستقلالهم الذاتي وثقتهم بالنفس ويفتقرون لروح المبادرة وتنخفض إنجازاتهم المرتبطة بقدراتهم الموروثة، ويمثل الأشخاص المصابون بفجيعة مزمنة (الحزن المزمن) نوعاً آخر من ضحايا الإرهاب فالحزن العادي لوفاة طبيعية قد يستمر من 6 أشهر حتى سنة وتساعد مراسم الجنازة وطقوس الدفن أفراد الأسرة في تخطي حالة الفقدان، ولكن الناس الذين يعانون من خسائر بشرية ناجمة عن الإرهاب تكون فجيعتهم أفدح وقد تمتد لسنوات لذلك لا بد من وجود إستراتيجيات فاعلة للتعامل مع الآثار النفسية للعمليات الإرهابية من أجل تقليل الأذى والضرر النفسيين الناجمين عن تلك العمليات منها استحداث مراكز للتأهيل والدعم النفسي وتطوير أقسام الطوارئ في المستشفيات لاستقبال مثل هؤلاء المرضى وتصميم برنامج توعوي وقائي وعلاجي وتأهيل فرق الإسعاف نفسياً للتعامل الفوري مع الحالات النفسية بشكل سليم في الموقع.
وبين أن اضطراب الكرب الحاد واضطراب الكرب بعد الصدمة يعد من الاضطرابات الشائعة وقد يؤدي إلى أمراض نفسية أخرى كالاكتئاب والإدمان ويمنع المصاب من ممارسة عمله وأنشطته اليومية وعلاقاته الاجتماعية، وهما من الاضطرابات المتعلقة بالكرب والصدمة ينجمان عن التعرض لحدث أو عدة حوادث كارثية أو موقف أو عدة مواقف صادمة وشديدة ومفاجئة تهدد حياة الآمنين وتروعهم، وليس ضرورياً أن يكون التهديد مباشراً إلى شخص معين بل قد يكون موجهاً لأشخاص آخرين مثلاً إذا كان الشخص شاهداً على تلك الحوادث والمواقف العنيفة وبإمكانه أن يسبب أذىً «شاملاً» لأي شخص، لذلك فإن هذا الاضطراب لا يحدث بسبب المنغصات الاعتيادية أو الضغوط النفسية المعتدلة والتي قد توصف من قبل غير المختصين على أنها مواقف صادمة مثل: الطلاق أو فقدان وظيفة أو فشل في الامتحانات أو المضايقات اللفظية وما شابه... إلخ.
وأشار إلى أن أهم أعراض الاضطرابين -اضطراب الكرب الحاد واضطراب الكرب بعد الصدمة- أن السمة الأساسية لهذين الاضطرابين هي الذاكرة الصدمية وتتبلور في المعايير التالية: أن يتعرض الشخص لمشاهدة أو مواجهة حدث أو أحداث صادمة تتضمن موتاً حقيقياً أو تهديداً بالموت أو التعذيب أو إصابة بالغة أو تهديداً شديداً لسلامة الشخص أو الآخرين، وضرورة استجابة الشخص في وقتها لخوف شديد والهلع مع الشعور بالعجز التام من الخلاص من الحدث أو الموقف الصادم.
ويظهر ذلك لدى الأطفال بصورة سلوك مضطرب.
وأضاف أنه تتم إعادة معايشة الحدث الصادم بطريقة أو بأخرى من الطرق التالية: تذكر الحدث بشكل متكرر ومقتحم وضاغط متضمناً صوراً ذهنية أو أفكاراً أو مدركات، واستعادة الحدث بشكل متكرر وضاغط في الأحلام، والتصرف أو الشعور وكأن الحدث الصادم عائد، والضغط النفسي الشديد عند التعرض لمثيرات داخلية أو خارجية ترمز إلى أو تشبه بعض جوانب الحدث الصادم، واستجابات فسيولوجية تحدث عند التعرض للمثيرات سابقة الذكر، والتفادي المستمر لأية مثيرات مرتبطة بالحدث إضافة إلى خدر عام في الاستجابات، وأعراض زيادة الاستثارة بشكل دائم، وفي اضطراب الكرب بعد الصدمة نجد كل الأعراض أعلاه تبدأ بعد شهر من حصول الحدث أو الموقف الصادم، وهذا ما يميزه عن اضطراب الكرب الحاد حيث تظهر جميع الأعراض أعلاه خلال فترة من ثلاثة أيام إلى شهر، ويسبب هذا الاضطراب تدهوراً في الأنشطة الاجتماعية أو الوظيفية أو الجوانب الحياتية الأخرى، ومما هو جدير بالذكر، أن الأطفال لا تحصل لديهم عملية استعادة الحدث بالشكل المألوف مثل الكبار، بل نجد عملية تمثيل الحدث أثناء اللعب أو تنتابهم أحلام مفزعة لا يتذكر عادة الطفل محتواها.
وذكر أن أنواع «اضطراب الكرب ما بعد الصدمة»: الحاد: وتبدأ الأعراض بالظهور بعد شهر من حصول الحدث الصادم وقبل مرور ثلاثة أشهر عليه، والمزمن: وتبدأ الأعراض بالظهور بعد مرور ثلاثة أشهر على الموقف أو الحدث الصادم و قبل مرور ستة أشهر عليه، والمتأخر أو الكامن: وتبدأ الأعراض بالظهور بعد مرور أكثر من ستة أشهر.
وأردف أن الملايين من الناس في العالم يعانون من هذين الاضطرابين ويمكن أن يصيبا كل الأعمار بما في ذلك الأطفال إلا أنهما أكثر انتشاراً بين الشباب باعتبارهم أكثر تعرضاً للمواقف المؤهلة، وتبلغ معدلات انتشار الاضطراب بشكل عام حوالي 8%، على الرغم من معاناة حوالي 5-15% من أفراد المجتمع من بعض الأعراض تحت السريرية، وتبلغ نسبة انتشاره بين النساء 10% بينما تبلغ بين الرجال 4%.
وقد ترتفع نسبة الانتشار إلى أكثر من 50% بين العاملين في مجالات الإنقاذ والأطباء وأفراد الشرطة والجيش، وقد وجد بأن حوالي 25-30% ممن يتعرضون للإرهاب ربما يعانون من اضطراب الكرب ما بعد الصدمة.
وشدد على أنه لا توجد أسباب معروفة لظهور المرضين ولكن هنالك عومل مؤهلة لهما مثل كون الأشخاص الذين عانوا من انتهاك طفولتهم جسدياً أو جنسياً أو الذين تعرضوا لصدمات أخرى أكثر عرضة للإصابة، وقد يكون الاستعداد للإصابة بالمرض وراثياً، ويعتقد أن منطقة اللوزة في الدماغ (الامايكدالا) والتي تنظم الشعور بالخوف تعمل بشكل أكبر عند مرضى هذين الاضطرابين ويبدو أن لدى المصابين بهما مستويات غير طبيعية من الهورمونات المسؤولة عن الاستجابة لحالات الصدمة فالمستويات المرتفعة من هذا الهورمونات يمكن أن تسبب قدرة استثنائية على التذكر أثناء الحوادث الصادمة وفيما بعد يستعيد الشخص هذه الذكريات بشكل خاطف أو ربما يعيش الحدث الصادم من جديد.
ولفت إلى أن هنالك وسائل متعددة للعلاج وهي كالآتي: العلاج النفسي (المعرفي-السلوكي): لمحاولة إزالة الكرب أو تخفيف حدته لدى المريض ومن ثم مساعدته على التنفيس عما تراكم بداخله من مشاعر وذكريات أثناء وقوع الحدث الصادم ومحاولة مساعدته على استيعاب حيثيات ذلك الحدث الكارثي ومن ثم القيام بالتغلب على آثاره السلوكية، حيث يتم ذلك من خلال المشاركة في جلسات العلاج النفسي المكثفة الفردية أو الجمعية أو كليهما مع إجراء تمارين الاسترخاء والتأمل، والعلاج العائلي والوظيفي والاجتماعي: وذلك من خلال تقديم الجهات ذات العلاقة الدعم المعنوي والمادي للمريض بالتنسيق المباشر مع الفريق العلاجي المختص وحسب الإمكانات المتاحة مع مراعاة الضوابط الأدبية والقانونية، والعلاج الدوائي: هنالك العديد من العقاقير الطبية الفعالة التي بتظافر مفعولها مع جلسات العلاج النفسي والعلاج العائلي والوظيفي والاجتماعي تستطيع السيطرة بشكل كبير على كل أعراض «اضطراب الكرب الحاد» و»اضطراب الكرب بعد الصدمة» مثل: مضادات الاكتئاب أو المهدئات أو مثبتات المزاج أو مضادات الذهان وغيرها وكل تلك العقاقير يجب أن تصرف من قبل الطبيب النفسي حصراً وتستخدم تحت إشرافه وحسب إرشاداته.