إن ما تحمله رسالة المدرسة المعروضة على واجهة مبناها الخارجي من قيم، والتي يمكن أن يراها المارة خلال سيرهم لهو يعد جانباً ايجابياً، حيث يسعى المعنيون من أجل تحقيق ما يصب في خدمة الطلاب، ويسهم في تهذيب سلوكهم وإنماء شخصيتهم السوية. فالتربية قبل التعليم وبالتالي فإن ذلك يعتبر توجهاً سليماً فالحرص على انضباط الطالب كما يرد في رسالة المدرسة، وغرس القيم الفاضلة لديه هو هدف من الأهداف السامية التي يجب أن تحظى بالاهتمام الكافي من قبل التربويين أو المعنيين بالميدان التربوي، لذلك فإن مسألة التربية أولاً هي من الأمور التي لا جدال فيها ولا مساومة في التأكيد عليها، واعتبار التعليم بأنه يعتبر جزءاً من المنظومة الشاملة والتي تضم النظام القيمي والاجتماعي والاقتصادي.. إلخ والذي يعتبر أن الانسجام والتوافق أو التناغم بينها هو من واجب التربية من أجل رفع مستوى كفاءة المنظومة ككل. إن الوعي بالحرص على تحقيق هذا الجانب ليعد إثراءً في عملية السعي التربوي من أجل خلق جيل يمتلك الرؤية وحسن المسلك والانضباط وبيقظة الحواس وحب الحياة والتفاؤل وإدراك الجمال والإبداع.
إن التسابق في العمل على امتلاك أدوات التكنولوجيا يشكل عاملاً مهماً لما لذلك من أهمية في امتلاك المعرفة المتقدمة، ولكن يبقى ذلك مرتبطاً بجانب أهم ينبغي عدم نسيانه في ظل هذا الحرص على تدبر ومتابعة كل جديد في عملية تنمية الإنسان وقدراته، والوعي بذاته والشعور بدوره، والارتقاء بتصوراته نحو كل ما يحيط به ويعيشه من مواقف حياتيه، بحيث يكون ذلك متلازماً للعملية المعرفية والتلقينية في ميدان التلقي ويتحقق التوازن المطلوب من أجل بناء الشخصية المتكاملة للإنسان وتلبية ذلك من خلال المنهج المناسب للتربية الأخلاقية للفرد وما تشتمل عليه من قيم فاضلة، وما تغرسه فيه من مبادئ إنسانية رفيعة، وما تحمله من مسؤولية تجاه نفسه والانتماء لوطنه، وتأصيل هويته، واحترام الآخر وتقبل الرأي وإعمال العقل والتفكر، والصدق مع النفس وغيرها من القيم والفضائل السامية.
إن التأكيد على بلورة رؤية استراتيجية تربوية واضحة يبقى أمراً مطلوباً من أجل تحقيق الطموح في خلق المواطن الصالح وما يتوقع من العملية التربوية عامة أن تحدثه بحيث يتماشى ذلك والحرص على التأكيد على المعارف بكل مظاهرها وتجلياتها. إن ما يرد في السيرة العطرة لرسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون المصدر الأول لما يراد تحقيقه من منهج لما تشتمل عليه من مثل وفضائل حيث ينبغي أن تحتذى. فالتقدم والتطور الذي شهدته الكثير من البلدان كان نتيجة لما يتوافر لدى شعوبها من سلوكيات ومثل ومبادئ كان لها أثرها الكبير في ما تشهده هذه البلدان من تنمية وتطور. إن الجدية والصدق والعدالة والانتماء والكفاءة والإخلاص في العمل وإتقانه.. كل ذلك كان له تأثيره الإيجابي في تجسيد التطلعات وتحقيق الطموحات الوطنية، والاستشهاد بدول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها ليعطي دلالة واضحة لما وصلت هذه البلدان له من مكانة تحت الشمس وهي التي لا تملك من الموارد إلا الشيء القليل بل تعرضت مثل اليابان لمصائب ولكنها سرعان ما نهضت!
إن الكثير من البلدان تملك المعرفة ولم تحقق ما حققته تلك البلدان! إن التمسك بالقيم والجدية في العمل والإخلاص كان له الدور المؤثر في هذه النهضة أو التجربة اليابانية حيث كان لتعاليم (كونفشيوس) أهميتها في هذا الجانب. يقول الكاتب الياباني اينازو نيتوبي «الكلمة التي تعني الساموراي كانت تعد ضمانة لصدق الوعد، لقد كانت وحدها كافية وكان لها من الثقل والوزن ما يجعلها وسيلة لعقد الاتفاقات ولتنفيذها دون حاجة إلى تدوين هذه الاتفاقات، بل كان التدوين يعد انتقاصاً من كرامة الساموراي والقصص التي تروى عن أولئك الذين ضحوا بحياتهم تكفيراً عن عدم قدرتهم على الوفاء بوعودهم أكثر من أن تحصى!» إنه السلوك السوي النابع من ذاتية صادقة ومخلصة تؤثر الرفعة وحب الخير وتضحي من أجل إحقاق الحق واحترام الواجب.
ولو تصفحنا القرآن الكريم لوجدنا الكثير الكثير من الأخلاقيات والمبادئ والقيم التي تدعو إلى الصدق والإخلاص والتعاون والتسامح والتراحم والترابط وإتقان العمل وغيرها من الفضائل الإنسانية الخيرة والأخلاق الحسنة، يقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي «فإن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجد لولا صلات اجتماعية خاصة لا تتصور هذه الصناعات والفنون بدونها، فهي الأساس الخلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية في علومه وفنونه بحيث لو ألغينا ذلك الأساس لسرى الإلغاء على جميع ما نشاهده اليوم من علوم وفنون». قد يكون السؤال المطروح من أين نبدأ؟ لاشك أن من المهم أن تكون المرحلة الدنيا من التعليم هي مرحلة الانطلاق نحو التطبيق بالفعل والذي لن تكون نتائجه المتوقعة ما لم يلازم ذلك المتابعة الجادة والمستمرة دون هوادة عبر كوادر مؤهلة ومدربة وتعمل بجد وإخلاص ومتعاونة وتدفعها قناعة تامة بأهمية ما تقوم به وهي قادرة على التشخيص والمتابعة والتقويم، فالعملية ليست عملية التلقين للمعلومة بقدر ما هي عملية تغيير سلوك نحو الأفضل، حيث تحتاج إلى الكثير من الجهد وتعاون الأسرة والمجتمع بكل مؤسساته عندها يمكن إحداث التوازن بين التربية والتعليم.
أحمد جاسم الشارخ