قال الباحث نوح خليفة إن المعطيات الميدانية في البحث العلمي للتطور العمراني بقرى شمال البحرين دراسة استكشافية، تشير إلى وجود 5 قرى مركزية بعضها مؤثر باتجاه الحداثة والانفتاح والأخرى تقليدية منغلقة ومؤثرة باتجاه تعميم الثقافة المحلية في الوسط القروي العام بالمحافظة الشمالية، داعياً إلى ضرورة تكوين بنية تحتية تساعد في بسط استقرار تنوع مؤسساتي وبشري يسهم في فك انغلاق قرى مركزية في المحافظة الشمالية.
وأوضح أن البنى المساعدة في التصدي للاختلالات الحضرية الناجمة عن نشوء ثقل مركزي في بعض القرى تتطلب بنى طرقية عرضية ومضاعفة مجال اليابسة من النواحي البحرية وإنشاء تنوعات بشرية واقتصادية وثقافية في الامتدادات وإرساء مؤسسات حكومية وخاصة قادرة على خلق تغيرات ثقافية وبسط السياق الحياتي الحداثي العام، ومضاعفة حضور الحياة البحرينية العمومية في هذه المجالات الجغرافية.
وبين أن القرى «كرانة والدراز وكرزكان» قرى مركزية غير منفتحة ذات تأثيرات ثقافية واقتصادية وهي قرى تتطلب طبيعتها الإيكولوجية والمورفولوجية تركيز الجهود فيها ومعالجة طبيعة التأثيرات التي تحدثها هذه القرى في وسطها القروي وتحديداً في القرى المنقادة لثقلها المركزي في المجال القروي الشمالي العام.
وأضاف أن المصادر التاريخية تشير إلى القوة الاقتصادية الزراعية لكرانة وكرزكان وإلى القرى المجاورة لهم بأنها قرى صغيرة تابعة للقريتين المركزيتين المذكورتين، وعلى المستوى المعاصر مازالت هذه القرى الأقل تأثراً زراعياً، كما أن هذه القرى الأكثر تقليدية حديثاً ويرجع ذلك إلى أن القرى الأكثر اقتداراً اقتصادياً على المستوى التاريخي تعتبر الأقل انخراطاً في المجال الحداثي خصوصاً المهني والاجتماعي الثقافي، وبالتالي فإن قدراتها الثقافية والاقتصادية أقوى وكثافتها السكانية أكبر وأكثر تأثيراً ويستدعى الأمر المزيد من الضبط في عمليات التخطيط.
ونوه إلى أن قرية الدراز قرية ذات تأثير اقتصادي بحري يكبر بها أساطيل الصيد منذ القدم وتتكاثر بها الصناعات البحرية على المستويين التاريخي والمعاصر، وبالرغم من أنها أكثر القرى التفاتاً للنماء الثقافي الديني تحديداً إلا أنها الأكثر احتكاماً للثقافية المحلية التقليدية وهي مركزية حديثاً في جوانب صناعية وحرفية بحرية وحراكها الثقافي متحرك تدور تأثيراته في المجال القروي الشمالي العام، كما أن كثافتها السكانية غير عادية ويدور في محيطها حراك بشري من قبل قرى تابعة لها في عرف سكان المجال القروي الشمالي القريب منها.
ولفت إلى أن قريتي سار والمالكية قريتان نموذجيتان جاذبتان للاستقرار والتنوع الإنساني والعمراني والمؤسساتي ونموذج يحتذى في تنمية المجالات القروية، موضحاً أهمية الارتكاز على مقومات تلك القرى كنموذج مساند للتخطيط للقرى المركزية المنغلقة والأكثر احتكاماً للسياق الثقافي المحلي في المجال القروي عوضاً على الارتباط بالحياة البحرينية العامة، وأشار إلى البنية الطرقية والامتدادات الحديثة التي دفعت باتجاه تشكيل مستقرات حضرية أحدث وأكثر قدرة على احتضان تنوعات بشرية وعمرانية، وهي قرى أفرزت نتاجاً إنسانياً مستقراً مقارنة بالبؤر القروية الأخرى.
وتابع أن المقابلات العلمية مع سكان المجال المبحوث أكدت ارتباط السكان بالقرى المذكورة تاريخياً وحديثاً، كما بينت الدراسة أن السكان بمختلف مستوياتهم التعيلمية المتدنية والعليا يعون تبعيتهم لتلك القرى من نواحٍ متعددة والسكان يجددون ثقلهم القروي المحلي ويتموقعون ثقافياً واقتصادياً ووجدانياً بتلك القرى في حياتهم الروتينية ومواقفهم الاستثنائية.
وأشار إلى تقارب القرى وتباين مكوناتها وضعف التنوع البشري والمؤسساتي وتدهور البنية المساندة لبسط مقومات الانفتاح والاستقرار كمؤثر رئيس في إعادة تنظيم مراكز القوة في المجال القروي الشمالي عموماً، داعياً إلى إعادة تشكيل قدرات المجال وإعادة إنتاجه على نحو يدعم جسور الاتصال بالحداثة بين الأجيال المتطلعة للبيئة التي تساعدهم على اتخاذ مواقف وقرارات وتحركات مرتبطة ببروزهم الفردي المرتبط بالحداثة عوضاً عن انزوائهم في بيئة محلية ضاغطة تلحقه بمظاهر التبعية.
وشدد على أن سكان المجال القروي متمكنون من مجالهم الطرقي على امتداد الأزمنة، والحداثة لم تؤثر على حركيتهم والتطورات المصاحبة للنهضة على مدى المراحل المختلفة منحت المجال القروي خصوصية كبيرة طالت البنية والشبكات الطرقية الحديثة.
وحذر خليفة من بعض مشاريع الربط الطرقي والمناطقي الحديثة وتبعياتها على المجال المدروس، مشيراً إلى ضرورة تقديم المؤشرات والتوقعات للعائد المنتظر لتلك المشاريع بعد عقد أو عقدين من الآن. وأوضح خليفة إلى أن المشاريع الطرقية القادمة يجب ألا تسهم في زيادة مركزية المجال القروي وارتفاع وتيرة الحراك الداخلي. ودعا لإخضاع المشاريع الحيوية من هذا النوع إلى قرارات عليا، والاستناد إلى دراسات متخصصة تتنبأ بالمدى والنوع الذي من المحتمل أن تتغير باتجاهه تلك المجالات القروية بعد افتتاح مشاريع من هذا النوع، وقال إن المجتمع مهتم بنتائج تلك المشاريع وليس بالمشاريع بحد ذاتها. وراوح «البيئة القروية من الممكن أن تتحول إلى سوق عمل، وإلى بنية استثمارات وكذلك من الممكن أن تتحول لوجهة عامة للبحرينيين والسياح، وعلى العكس أيضاً من الممكن أن تتحول إلى مركز ثقافي تقليدي منغلق ضخم، والخيار في يد القائمين على التخطيط الطرقي والمعماري، خصوصاً وأن المجال القروي محاذٍ للبحر ويمكن مضاعفة مجال اليابسة وتمكين المجال من احتضان تنوع بشري وتوجيه الخدمة الحكومية الإسكانية في هذا الاتجاه والتركيز على بيئة متوازنة الغلبة فيها للحياة الاجتماعية العامة المنفتحة ورزق الإنسان وانفتاحه». وحول المدينة الشمالية، عبر نوح خليفة عن تصوراته بأن المدينة الشمالية ومدن جزيرية مشابهة يجب أن تكون محاذية لا متصلة بالمجال القروي الشمالي. وأن قضايا الربط من الممكن أن تأتي في أي مرحلة على غرار الربط التاريخي للمحرق بالمنامة وغيرها من جزر البحرين الكبرى. وأشاد بالقائمين على هذا المشروع الإسكاني الكبير وبجهود الدولة في تنمية الريف البحريني وتشكيل قدرات الإنسان في اتجاهات أكثر ارتباطاً بمستقبله الاقتصادي والاجتماعي الحداثي، وإيلاء المجال القروي أولوية كبيرة ضمن الجهود اليومية. كما ثمن نوح خليفة الانشغال الرسمي المتواصل بتقديم أفضل الخدمات للمجال القروي والمجالات الحضرية عموماً وتنافس الجهات من أجل تقديم أفضل الخدمات للإنسان والمكان. وأضاف أن جهوده تطوعية تستمر من أجل خدمة البحرين وقيادة البحرين وتنمية الإنسان والمكان وهي معلومات للإسهام بالإفادة منها، مراوحاً «سلسلة البحوث التي يطرحها تقدم خدمات في مختلف الاتجاهات الإنسانية»، مبيناً «الكوادر الصحفية والإسناد الحكومي عماد أعمالي وأتطلع للانخراط في علاقات أعمق مع القطاعات الحكومية المختلفة، وخدمة القرار الحكومي».