كشفت دراسة علمية جديدة انعكاس أوضاع المرأة القروية العاملة الأكثر تعلماً على توجهات الأسرة القروية وفقاً لما تشهده عجلة حياة المنزل من حركية اجتماعية واقتصادية مختلفة عن حركية منازل نظيراتها ربات البيوت المتعلمات والمنقطعات عن التعليم.
وأوضحت الدراسة أن تحولات طرأت على هذه الأسر التي أثرت في قوامها الاقتصادي ثم الثقافي والاجتماعي نساء عاملات أكثر تعلماً من نظيراتهن في الأوساط القروية نفسها تمثلت في انخفاض معدلات إنجابها وتغير أوضاع الحمولة الديموغرافية في منازلهن عن الأوضاعها التقليدية السابقة، وسياق الحياة الاجتماعية لأسرهن وكيفيات تنشأة الأبناء من حيث الرعاية التي يتلقاها وطبيعة إعدادهم للحياة العامة نظراً لتأثير نمط حياة الأم المتعلمة والعاملة من حيث ثقافة الطفل وإمكانياته.
وبينت أن تغير الأوضاع الثقافية للمرأة القروية في بعض الأسر المنخرطة أكثر في الحياة العصرية أسهمت في تحولات جذرية في اتجاهات المرأة تجاه شريك المستقبل وعرف في أوساطها العزوف عن الرجال غير المتعلمين وغير المتمكنين من متطلبات الحياة وبالأخص غير المتمكنين من الاستقلالية وانجذابها لأولئك الأكثر حرية في تحديد ارتباطاتهم الحياتية الخاصة بأسرهم النووية التي يشكلونها بعد الزواج، وهي عوامل أسهمت في تقلص عدد أفراد الوحدة المنزلية الواحدة، وتغير أنماط حياة هذه الأسر.
وكشفت أن المرأة المقبلة على الزواج تنظر مراراً إلى خلفياتها الاجتماعية حول الموضوع نفسه من زاوية اجتماعية حياتية، فقد تبين أن المرأة لا تحبذ الارتباط بشريك حياة منشغل بواقع مهني تقليدي يكلفه حصة كبيرة من أوقاته المعيشية اليومية، وأجر منخفض تتحمل الزوجة أغلب تبعاته بالمقارنة مع نظيراتها المتزوجات من رجال أكثر اقتداراً.
كما بينت الدراسة أن الشائع في أوساط المرأة القرى أن ارتفاع عدد أفراد أسرة المتقدم للزواج الذين يقطنون معه في مسكن واحد متغير يدفعها المرأة لرفض المتقدم قبل قدومه لطلب يدها، لكنها من الممكن أن تقبل بهذا الظرف في حال كان المتقدم ابن العم أو العمة. ورأت أن المرأة تستطيع أن تقيم في وسطها الاجتماعي نظام حياة شامل للأسرة وفقاً لأدوارها ووظائفها الاجتماعية المستمدة من أعرافها التاريخية في الحياة العامة وإدارة شؤون مجتمعها، إضافة إلى قدراتها الفطرية على المجتمع في أي مكان، مبينة أنه كلما طال التغير عقل المرأة وكيانها الاقتصادي والثقافي تمكنت أكثر من الانعطاف بمجتمعها نحو أعماق روح العصر الحديث.
وأوضحت أن المرأة مازالت تواجه تبعات الحياة التقليدية في الأوساط الأسرية الأقل تغيراً من النواحي الثقافية والديموغرافية مبينة وجود بقايا للحياة التقليدية بين بعض الأسر التي قاومت عبر مراحل تاريخية مختلفة فرص عصرية متوافقة مع التقدم إلى روح العصر الحديث ومتطلبات عيشه، ونتج عنه بقايا مظاهر العصر القديم في زمننا المعاصر وهو ما ينتج مظاهر من الممكن أن تسهم في تغيرها المرأة التي كابدت أضراراً اجتماعية بفعل سريان قيم تقليدية على حياتها في الزمن المعاصر.
وذكرت أن أكثر الأضرار الاجتماعية شيوعاً في أوساط الأسر القروية التقليدية وخصوصاً ذات الإنجاب المرتفع تزويج الفتاة مبكراً وهو ما ينتج عنه حرمانها من مواصلة التعليم والإنخراط في دوامة الإنجاب المبكر والمرتفع وانتاج حياة تقليدية تؤسس مكانتها وكيانها عبر الإنجاب المرتفع.
وكشفت أن حجم الأجيال الذكور والإناث غير المنخرطين في إكمال تعليمهم في شقيه المدرسي أو الجامعي يرقى لمستوى شريحة واسعة وهو ما تبين من خلال شيوع ظاهرة بحث الأسر القروية من هذا النوع عن زيجات من قرى يعرف عنها بساطة أحوالها مثل كرزكان وبني جمرة بحسب عرف سكان قرى شمال البحرين، وهذا متغير يسلط الضوء على تباين المستويات الثقافية والاقتصادية بين قرى شمال البحرين مما يشكل مخاطر جديدة لتمدد الحجم العددي لشريحة الأسر التقليدية التي يعد الإنجاب المفرط والزواج المبكر وتضاؤل القدرة على الارتقاء تعليمياً ومهنياً أبرز خصائصها. وأشارت إلى أن المرأة العاملة في قطاعات متطورة أبرزها التعليم مازالت تواجه استمرارية خلافاتها مع الزوج حول أجرها الشهري بالرغم من إمكانية الزوج الجيدة، وهو ما تحدث عنه مبحوثون بأن الزوج يحاول السيطرة على أجر زوجته الشهري مشيرين إلى اتجاه نساء متضررات إلى المحاكم وتعثر محاولاتهن بسبب رفض أزواجهن الانفصال لأسباب مادية أيضاً. وفسرت الدراسة أن الرجل القروي اعتاد إنتاج المرأة على المستوى التقليدي لصالح الإنفاق على الأسرة وهو ما اعتبرته الدراسة محاولة من بعض الأزواج القرويين لتجديد الرجل عهد إسهام المرأة في الإنفاق على المنزل، خصوصاً إذا كانت تشغل وظيفة حكومة كمدرسة، وهي مهنة يؤيد الزوج القروي انخراط شريكته فيها مقارنة بمهن أخرى مازال القروي شديد التحفظ تجاهها.
وكشفت أن حرمان الفتاة من مواصلة التعليم يتم لسببين في أوساط الأسر كبيرة الحجم أولها التزويج المبكر للفتاة، وثانيها ما تمثل على لسان أرباب أسر قرويين بأن البنت مكلفة أكثر من الولد أثناء مراحلها التعليمية وعبر كمالياتها الحياتية، وبالتالي لا تحصل على حوافز مواصلة تعليمها ويشيع بين بعض هذه الأسر انقطاع فتياتها عن التعليم المدرسي.
من جهة أخرى، شددت الدراسة على ضرورة إسهام المؤسسات التربوية بأدوار تنويرية عميقة تحفظ حقوق الفتيات القرويات، داعية إلى تجديد عهد وزارة المعارف قديماً الذي لعبت دوراً تاريخياً في تنوير القرويين والقرويات من خلال المدارس ومعلمات أوائل قمن بتشكيل وعي التلميذات وأمهاتهن. كما أيدت الدراسة بذل جهود أكبر في التعليم المستمر خصوصاً في الأوساط القروية وهو ما اعتبرته الدراسة بوابة كبرى لقيادة المرأة نحو آفاق اجتماعية وثقافية واقتصادية أرحب، يعوضها عن اللجوء إلى المؤسسة الدينية في تحديد قرارها وأفق وعي أبنائها.
من جانبه، قال الباحث نوح خليفة إن الدراسة تسعى لضخ معطيات تسهم في تمدين المجتمع ورفع مقومات وإمكانيات عصرنته كما تسير نحو تقديم بيانات تساعد على إنتاج المزيد من السياسات الاجتماعية التنموية، ولا تتوانى عن إسناد المحرك الثقافي الاجتماعي الاقتصادي الضخم القادر على الانعطاف بالمجتمع نحو أفق أرحب توازي تطلعات الدولة المتمثل في «المرأة»، كما تحاول الدراسة إيجاد معالجات تقلل من الظواهر الاجتماعية التي تسهم في تأخر المجتمع ونمو معوقات تقدمه ومسايرته للأوساط الاجتماعية الأكثر تغيراً.