عواصم - (وكالات): ينتظر آلاف من المدنيين والمقاتلين وسط برد قارس وظروف إنسانية مأسوية استئناف عملية تهجيرهم من مدينة حلب شمال سوريا غداة تعليقها، في وقت حضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاق لـ»إنقاذ آلاف الأرواح»، بينما اتهمت المعارضة السورية المسلحة إيران ومليشياتها بتعطيل الاتفاق الجديد.
وقالت مصادر معارضة إن قوات الرئيس بشار الأسد والمليشيات الداعمة له لا تزال تضع السواتر الترابية على معبر الراموسة جنوب غرب مدينة حلب، والذي يفترض أن تمر منه الدفعات الجديدة من المهجّرين باتجاه ريف حلب الغربي. وأضافت المصادر أنه لا توجد في معبر الراموسة أي من فرق الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر الدوليين، والتي يفترض أن تشرف على عمليات الإجلاء الجديدة المرتقبة. ورغم تأكيد المسؤول عن ملف التفاوض لدى الفصائل المعارضة التوصل إلى اتفاق، فإنه لم يستبعد تأجيل بدء تنفيذه حتى اليوم، فيما أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن التأخير مرتبط بالاتفاق على عدد الأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة شمال غرب البلاد. ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب السوري أو الروسي الراعي للاتفاق بهذا الشأن. إلا أن مصدراً عسكرياً سورياً قال إن الاتفاق «لم يتبلور بعد» غداة تعليق تنفيذه أمس الأول.
وفي حي العامرية الذي يشكل نقطة انطلاق عمليات الإجلاء، أمضى آلالاف من السكان وبينهم عدد كبير من الأطفال ليلتهم في الشوارع أو داخل المنازل المهجورة الفارغة من أي أثاث، حيث افترشوا الأرض في ظل تدني الحرارة إلى 6 درجات تحت الصفر. وقال المرصد أن السكان يعانون من إرهاق وتعب شديدين عدا عن الجوع والعطش، ويقتات معظمهم على التمر ولا يجدون حتى مياها ملوثة للشرب.
وبحسب الأمم المتحدة، لا يزال نحو 40 آلف مدني عالقين في حلب وما بين 1500 إلى 5 آلاف مقاتل مع عائلاتهم.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أن آلالاف من الناس انتظروا «طوال الليل في البرد القارس بالقرب من خط المواجهة، وفي خوف دائم وجزع» شرق حلب. وطالبت رئيسة بعثة اللجنة إلى سوريا ماريان غاسر الموجودة في حلب «الأطراف على الأرض بأن يبذلوا كل ما في وسعهم لإنهاء هذه الحالة من الترقب والقلق» مضيفة «نرجو أن تتوصلوا إلى اتفاق وأن تساعدوا على إنقاذ آلاف الأرواح».
ومنذ الخميس الماضي، تم إجلاء نحو 8500 شخص بينهم 3 آلاف مقاتل من مناطق سيطرة الفصائل في حلب، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينهم 500 حالة بين جريح ومريض.
وتمت عملية الإجلاء بموجب اتفاق تم التوصل إليه برعاية روسية تركية، بعد سيطرة قوات النظام خلال شهر على معظم الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل منذ عام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.
وأجرى وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وايران، الدول الثلاث المعنية بالاتفاق، اتصالاً هاتفياً ناقشوا خلاله «إجلاء المدنيين» من حلب وتوافقوا على عقد اجتماع «في المستقبل القريب»، وفق ما أعلنت موسكو. وكان من المفترض أن تستمر عملية الإجلاء التي بدأت الخميس الماضي أياماً عدة، إلا أنه جرى تعليقها أمس الأول بعدما اتهم الجيش السوري المقاتلين بخرق الاتفاق.
وأكد الفاروق أبو بكر من حركة أحرار الشام، الفصيل الإسلامي النافذ، والمكلف بالتفاوض عن الفصائل المعارضة التوصل إلى اتفاق مع «روسيا وإيران بشأن حلب»، لكنه أوضح في وقت لاحق أن تأجيل عملية الإجلاء حتى اليوم «محتملة».
وبحسب أبو بكر، يتضمن الاتفاق خروج المدنيين والمسلحين من المربع الأخير تحت سيطرة الفصائل مقابل خروج عدد لم يحدده من بلدتي الفوعة وكفريا ومدينتي مضايا والزبداني في ريف دمشق.
ويسري على مضايا والزبداني والفوعة وكفريا اتفاق بين قوات النظام والفصائل يتضمن وقفاً لإطلاق النار ووجوب أن تحصل عمليات الإجلاء منها وإدخال المساعدات بشكل متزامن. وأكد المرصد السوري أن الاتفاق يتضمن إجلاء مرضى ومصابين وآخرين من البلدات الأربع مقابل حلب، لكنه أوضح أن الخلاف حول عدد الذين سيتم خروجهم من الفوعة وكفريا هو ما يعرقل تنفيذ الاتفاق. وتواجه الفصائل المعارضة التي طمحت إلى الإطاحة بنظام الأسد، احتمال الهزيمة الكاملة في سوريا بعد خسارتها حلب، المدينة التي شهدت شوارعها تظاهرات ضخمة في عام 2011 ضد النظام قبل أن تتحول إلى جبهة مقسومة بين شطرين، واحد تحت سيطرة النظام في الغرب وآخر تحت سيطرة المعارضة في الشرق.
في سياق متصل، بثت وسائل إعلامية إيرانية صوراً لقائد ما يسمى بـ «فيلق القدس» بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وهو يتجول على أنقاض قلعة حلب وبالقرب من المسجد الأموي. وظهر إلى جانب سليماني قائد عمليات قوات النظام بالمنطقة، وهو أمر اعتبره سوريون إهانة لبلدهم وتاريخها. في السياق ذاته، كشفت وسائل إعلام إيرانية أن سليماني كان موجوداً في حلب، أثناء قيام مسلحين أجانب موالين للنظام السوري بقتل 14 مدنياً شرق المدينة أمس الأول، وفق ما أفادت وكالة الأناضول. وذكرت الوكالة أن سليماني كان موجوداً بحلب أثناء هجوم مسلحين أجانب يقودهم الجنرال الإيراني سيد جواد على قافلة إجلاء المدنيين المحاصرين في حلب، حيث احتجزوا 800 من هؤلاء لمدة 5 ساعات قبل أن يعيدوهم إلى الأحياء المحاصرة بعد سلب أموالهم وأمتعتهم. وفي نيويورك، قدمت فرنسا لمجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو إلى إرسال مراقبين دوليين للإشراف على عمليات إجلاء المدنيين من شرق حلب. وفي برلين، تجمع نحو 3 آلاف متظاهر احتجاجاً على الحرب في سوريا وحصار المدنيين شرق مدينة حلب، مرددين «أين أنت أيتها الإنسانية؟»، بحسب الشرطة فيما شهدت فرنسا تظاهرات مماثلة.