لن أبدأ بسرد مقدمة كما هو الحال المعتاد في أي مقالة، ولن أسترسل في الحديث حول ماهية التكنولوجيا وكيف أنها أخذتنا نحو جيل متقدم وحياة أيسر ومستقبل مشرق، بل حديثي اليوم يدور حول جوانب هذا السؤال تحديداً: هل نحن اليومَ ننجز بالاستفادة من الوقت ووسائل التكنولوجيا فعلاً كما نزعم؟
فلنبدأ معاً من نقطة البداية: في يوم من الأيام كان هناك قومٌ يعيشون في سلام، يبتكرون حلولاً وبدائل من أجل العيش، ولم يكن هناك وسائل للاتصال - غير الاتصال الشخصي- سوى الهواتف الثابتة واحد لكل منزل، ومع ذلك فقد كان الوقت يفيض بركة، وكان التطور موازياً للحاجة وأوقات الفراغ موزعة ما بين صلة الرحم والتجمعات العائلية الجميلة التي يستمتع بها الكبار والصغار - فضلاً عن تقويتها للروابط الأسرية في المقام الأول -، وبين الترفيه الذي يقتصر أحياناً على متابعة دراما عربية أو على قراءة القصص والمجلات.
بعد ذلك بدأت الهواتف النقالة بالانتشار مكتسبةً اهتماماً واسعاً، وتم الاعتماد عليها للتواصل بشكل أشمل وفي أي مكان بوجود شبكة، وربما أيضاً للترويح عن النفس بوجود بعض الألعاب، ثم سرعان ما ظهر الجيل المتطور من الهواتف النقالة التي تحمل مميزات أخرى غير الاتصال كالكاميرا وملفات الموسيقى والبلوتوث لتناقل الملفات والصور، وكم كانت الحياة أجمل في هذا الجيل!.
أما الجيل الذي يتبع ذلك فهو جيل الهواتف والأجهزة اللوحية الذكية التي وضع عليها الشعوب آمالاً وتطلعاتٍ عظيمة لن نستذكرها هنا ولكننا نعرفها جميعاً، صحيح أنها تغني أحياناً عن الصحف والتلفزيون في نقل الأخبار، وتغني عن أجهزة الحاسوب في العمل التقني والرقمي، وتقرب ما بين الشعوب وتسهل أموراً كثيرة، ولكنها وبلا شك سرقت منا ما تبقى من الوقت!
لو أمعنا النظر لرأينا أننا نلجأ في أغلب الوقت إلى أجهزتنا الذكية لنقتل الوقت، وهذا بحد ذاته يعد فشلاً فالإنسان الفطن هو من يحكم وقته لا من يحكمه الوقت. أما لو تأملنا حالنا اليوم فقد انتقل الوضع من سيء إلى أسوأ فأصبح الوقت هو من يقتلنا لا نحن من نقتله، لتتلاشى بذلك الإنجازات والأفكار والأنشطة الإبداعية شيئاً فشيئاً ويزداد شعورنا بالفشل والإحباط لأننا أصبحنا لا ننجز والسبب أنه ليس لدينا الوقت الكافي لذلك!
على الرغم من ذلك لا ندعي أنه لا توجد إنجازات تذكر، بل هناك كثيرٌ من المبدعين والمبتكرين استفادوا بدرجة قصوى من التكنولوجيا والوقت على حد سواء، فسخروا حياتهم للإنجاز والابتكار مستفيدين من كل الوسائل المتاحة في كل مكان وزمان، وأصبحوا حكاماً على الوقت ولم يدعوه يحكمهم.
نقطة ارتكاز: الوقت ليس سيفاً على الجميع، فهناك قليل مقربون إليه يعرفون أسراره ويدركونه قبل أن يدركهم، فهل أنا وأنت منهم يا ترى؟
سوسن يوسف
كاتبة وفنانة تشكيلية