إذا عرفنا معنى التقوى الذي أوصانا الله به، وصفات أهل التقوى، وثمار الملتزمين به، يبقى السؤال كيف يمكننا تحقيق التقوى في أنفسنا؟! كيف نصل إلى رتبة المتقين؟! فهذه المنزلة ليست حكراً على أحد، بل هي لكل أحد، فمن وسائل الوصول إلى هذه الرتبة:
أولاً: تحقيق محبة الله في قلوبنا، فإن الله ذا الجلال والذي تقدست أسماؤه وصفاته، وصف نفسه بصفات عظيمة توجب على كل من تعرف عليها أن يحبه، فهو غافر الذنب وقابل التوب، وهو الرحيم الودود، والحي القيوم، والسلام، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فهلا تعرفنا على هذه الصفات وعلى معانيها وآثارها، ومما توجب محبة الله الإقرار بنعمه علينا، فما بنا من خير فمنه سبحانه، «وما بكم من نعمة فمن الله»، ونعمه لا تُعد ولا تحصى، والنفوس مجبولة على محبة من أحسن إليها.
فمتى تحققت المحبة اشتاق المحبوب إلى رضا من يحب بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، فإن المحب لمن يحب مطيع، وذلك التقوى.
ثانياً: الاستشعار بالمراقبة، فإن الله هو الرقيب علينا والشهيد على أعمالنا، لا تخفى عليه خافية، ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وما تكون من ذرة في السموات والأرض إلا يأت بها الله، فإذا كان كذلك فمهما ابتعد الإنسان عن أنظار الناس واجتهد في ذلك، فلا يقل خلوت ولكن عليه رقيب، وهذا يتحقق من مدرسة الصيام فإن الصائم لا يجرؤ على شرب جرعة ماء ولو اختلى بنفسه، فكذلك ينبغي أن يكون حاله مع سائر المحرمات.
ثالثاً: من طرق بلوغ التقوى تعلم العلم الشرعي الذي به يميز الإنسان بين الحرام والحلال، وبين السنة والبدعة، ويتعرف على مضار المعاصي والمحرمات فيبالغ في الحذر من الوقوع فيها، وعلى فضائل الواجبات والمستحبات فيمتثلها.
رابعاً: تقوية الإرادة، وعدم الاستجابة لكل ما تهوى النفس، وذلك أن الصائم تدعو نفسه إلى الطعام والشراب إلا أنه يربى في هذا الشهر على الامتناع عن مثل هذا، حتى يعتاد السيطرة على رغباته ولا يفعل كل ما يريد، بل يقف عند حدود الله خشية الوقوع فيما حرم، ليكون بذلك من المتقين.