في عام 1982م، توصّل العالمان البريطانيان أويلسون و كيلنج إلى صيغة علمية جديدة أطلقا عليها اسم “نظرية النافذة المكسورة”، وتتلخّص هذه النظرية في أنه كلما كانت مخالفات الناس للقوانين التي تحدِّد سلوكهم المرغوب في المجتمع أكثر وضوحاً، ازداد احتمال وقوع تلك المخالفات، فإذا كان هناك مثلاً بيت به نافذة مكسورة، ولم يتم استبدالها بأخرى، فإن هذا المشهد قد يغري شخصاً ما بكسر نافذة ثانية، لأن أحداً لن يلاحظ ذلك، وبالنتيجة سوف يصبح البيت ذات يوم خالياً من النوافذ، وستتعاظم احتمالات سرقته، لأن الفاعل سيضمن نجاته من العقوبة. وقد تركت هذه النظرية أثراً طيِّباً، حيث سارعت الجهات المسؤولة في نيويورك وبقية المدن الأمريكية، وكذلك الأوروبية، بتطهير الأحياء والشوارع من القمامة، وتسوير المباني قيد الإنشاء، وتبيّن أن نظافة الجدران والشوارع لا تؤثِّر في الذوق الجمالي لدى الناس فحسب، بل تحدِّد أيضاً تصرفاتهم، وهو ما يفسح المجال لتقليص نسبة الجريمة في المدن والأحياء السكنية. وقد أجرى العلماء الهولنديون سلسلةً من التجارب أثبتت بدورها أن التسيّب في تطبيق القانون وإنفاذه يولِّد لدى الفرد ميلاً لمخالفته، ويخلق لديه شعوراً غريباً بالارتياح النفسي، على اعتبار أنه “ليس وحده من يخالف القانون، فالجميع يخالفون ولا يُعاقبون فلماذا يفترض أن يتوقع العقوبة؟”.وأعتقد شخصياً أن النزعة لمخالفة القوانين الوضعية تكاد تكون فطريةً لدى الناس، أي أن الفرد بطبيعته ميّال إلى تسيير حياته بأقّلّ قدرٍ من المعوِّقات، خصوصاً في ظل ضغوطات الحياة اليومية، فتجد نفسك مثلاً تقود سيارتك تلقائياً خلف سرب المركبات التي أمامك مع أن الإشارة قد تحوّلت إلى اللون الأحمر، والسبب أنك تعتقد في تلك اللحظة أنك لا ترتكب جرماً أو جنحةً يخالف عليها القانون. ومن ثم فإن تعرّضك للمساءلة القانونية أمر بعيد الاحتمال، ولكن هذا الاعتقاد قد ينهار أمام أول اختبار مفاجئ، ففي أثناء حركتك في اتجاه الإشارة الحمراء قد يكون هناك شخص يعبر الطريق في نفس اللحظة متبعاً الضوء الأخضر لعبور المشاة، فيكون لسوء الطالع هو الضحية، وحينها ستتعلّم أنت، ولكن بعد فوات الأوان، أنك يجب أن تطبِّق القانون بحذافيره ويبدو أن هذا الحادث سيكون درساً نافعاً لك وللمدمنين على ارتكاب المخالفات!