يرى المفكِّر الدكتور فواز سيوف أن المجتمعات المنضّمة إلى التيار الحضاري تنقسم استناداً إلى أساسها الفكري إلى 3 أصناف: إفراط أو تفريط أو وسطيّة، وذلك بناءً على موقف المجتمع من المادة: هل هي أولاً «الفكر المادي» أو ثانياً «الفكر المثالي». فإذا كانت الأولوية للمادة، يحدث إفراط في استخدام العقل لصالح الناحية المادية، وعندها سيكون الجسد هو مناط اهتمامات الفرد ورغباته، وسيكون الوطن والثروة التراب بؤرة الاهتمام عند الجماعة. أما في حالة التفريط فستكون الروح عند الفرد هي محور الاهتمام والرغبات، وحولها تتمحور الأفكار والسلوكيّات، وسيتجه المجتمع إلى الاتحاد والانسجام مع الكون وقوى الطبيعة، وفي هذا الاتجاه يُظلم العقل في ممارسةٍ تفريطيةٍ واضحةٍ لأن أمور الروح تحكمها فقط مقاييس الذوق والإحساس.
وإذا كان الإفراط يتضمّن استخدام الحروب لتقسيم العالم للسيطرة على خيراته، وتدمير الطبيعة لاستغلالها بالكامل، وتخريب الفكر لضمان التفوّق وضعف الآخر، فإن التفريط بالقيم العقلية والمنطقية قد غمط العقل حقّه، ودوره كأداة لصالح التسليم لما رأته المجتمعات الروحانية سمواً روحياً وتناغماً كونياً، وعلى مدى الحقب التاريخية استفاد الحكام والعسكريون من طروحات هذا النهج لتسهيل سيطرتهم أو الحفاظ على مكانتهم، فهم يرون أنفسهم فوق الجميع، وأنهم الواصلون إلى الحقيقة، ويكاد يكون الفكر المادي عندهم ضلالاً بعيداً وانحطاطاً في الأخلاق.
أما مجتمع الوسطيّة فيرتكز على التوازن، حيث يتجنّب الإفراط بالتسليم لإرادة الخالق المهيمنة على الكون، ويتفادى في الوقت ذاته التفريط عبر اعتماد التقوى مقياساً للتفاضل، ومن أمثلة ذلك نهج الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز والناصر صلاح الدين الأيوبي. ويتصوّر سويف أن قوة التيارات الوسطيّة في توافقها مع الفطرة البشرية، وعليه أعتقد أن الناس الذين يروِّجون إلى تحقيق المصالحة مع الذات، وإشاعة الوئام في المجتمع، ينطلقون من الرغبة الدفينة في النفس البشرية إلى المزاوجة بين العقل والعاطفة، وقد يكون هذا هو السبب في صعوبة نشر الأفكار الوسطية في المجتمع عامةً، وفي أوساط قطاع الشباب على الأخص، وهذا حديث آخر.