تمثل قضية الطاقة إحدى قضايا العصر المهمة؛ فهي إحدى تلك الخماسية التي أطلق عليها قضايا القرن الحادي والعشرين والتي تشمل البيئة وما يرتبط بها، حقوق الإنسان بشتى صورها وتجلياتها، والأمن الشامل وما يتصل به من تصورات إقليمية ودولية، والديون وأزماتها وتداعياتها على الاقتصاد الوطني والدولي، هذه القضايا الخمس، نجد أبعادها وآثارها في كل دولة بل كل منطقة من مناطق العالم.ومن هنا فإن الباحث الاستراتيجي في شؤون الطاقة بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة السيد لهب عطا عبدالوهاب كان موفقاً أيما توفيق في اختيار العنوان «دراسات في الطاقة: أمن الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية» وهو الكتاب الذي يعد باكورة إنتاجه العلمي وهو أيضاً باكورة الإنتاج العلمي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة الذي تأسس عام 2009، وانطلق برئاسة الدكتور محمد عبدالغفار رئيس مجلس الأمناء في عقد مجموعة من المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة وإحداها تناولت قضية الطاقة. ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول تحمل عناوين؛ الطاقة والمخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، لعبة الأمم والثورة النفطية العراقية، التقارير القطرية والدولية ويركز هذا الفصل على الطاقة في مملكة البحرين الفرص والتحديات، والرابع بعنوان إدمان الولايات المتحدة على النفط، والخامس يحمل عنوان التهديدات الإيرانية بغلق مضيق هرمز: سراب بعيد المنال.يحتوي الكتاب على مجموعة من الأشكال البيانية والجداول الإحصائية حول الاحتياطات النفطية وأهم الموردين الرئيسين للولايات المتحدة، والتوزيع الجغرافي للصادرات الإيرانية. وهي جداول تتسم بالحداثة إذ تصل بالنسبة لصادرات إيران من النفط إلى عام 2011.والواقع أن مشكلة الطاقة متعددة الإبعاد وقد ركز الباحث عن بعض تلك الأبعاد الخاصة بالإنتاج والتصدير والنقل بالنسبة للطاقة الأحفورية، ولكنه لم يتطرق للمصادر الأخرى للطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة المستمدة من الرمال أو الرياح أو الطاقة الشمسية أو طاقة المستمدة من البحار والطاقة الهيدروليكية أو الطاقة النووية التي أشار إليها بإيجاز. ومع تقديرنا للطاقة الأحفورية وكونها في هذه المرحلة من التاريخ البشري تحصل على الحظ الأوفر من إمدادات الطاقة إلا أن المصادر الأخرى تزداد أهميتها مع التطور العلمي والتكنولوجي وهي أقل تلويثاً للبيئة، وأقل تعرضاً للمخاطر الأمنية، وإن لم تكن في مأمن تام من المخاطر، ذلك لأن المخاطر هي سمة المجتمعات بوجه عام وكلما زاد التقدم والتطور العلمي كلما زادت المخاطر، كما هو الحال بالنسبة للطاقة النووية، ويلتمس العذر للباحث بأن كتاباً بحجم هذا الإصدار لا يتسع لاستعراض كافة جوانب الطاقة.ولعلنا نسوق بعض الملاحظات حول هذا الكتاب ونلخصها في أربع ملاحظات كالآتي:الأولى: تتعلق بسلامة المنهج البحثي والصياغة وسلاسة اللغة وتسلسل المفاهيم وهذه أمور يستحق الباحث التهنئة عليها.الثانية: تتعلق بالموضوعات التي تناولها فقد ركز على العراق والبحرين وإيران أي أنه خصص ثلاثة فصول من الفصول الخمسة للكتاب لدولتين من الدول المهمة في إنتاج الطاقة، وفصل خصص للدولة التي ينتمي إليها مركز الأبحاث الذي أصدر الكتاب، وهذا الاختيار منطقي ولكنه ترك بعض الدول الأخرى ذات الأهمية في مجال الطاقة لم يشر إليها.الثالثة: يحمد للباحث اختياره لمصطلح المخاطر الجيو سياسية حيث ركز في الفصل الأول على اثر القلاقل في الشرق الأوسط على أمن الإمدادات أي على الإنتاج والتصدير، وإن كنت أتمنى لو كان خصص جزءاً من بحثه لأمن نقل الطاقة عبر المحيطات وبخاصة مشكلة المضايق وليس فقط مضيق هرمز وإنما هناك المخاطر المرتبطة بالحروب كما في حالة قناة السويس وهي مخاطر ليست فقط جيوسياسية بل هي أيضاً جيواستراتيجية.الرابعة: كنت أتمنى أن يقدم الكاتب بعض الحلول المرتبطة بمواجهة تلك المخاطر ومن بينها التعاون الدولي لتأمين الطاقة سواء في الإمداد أو التصدير أو الاستهلاك أو النقل، ولو القينا نظرة في إطار مفهوم التراكم في الإنتاج العلمي ما بين مركز البحرين للدراسات والبحوث (الذي تم حله) وإنتاج مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة فإن هذه النظرة على الإنتاج العلمي التراكمي يمكن أن تعطي عمقاً للمساهمة الجديدة إذ سبق لبرنامج الدراسات الاستراتيجية الدولية وحوار الحضارات، الذي تشرفت بالعمل فيه باحثاً ومشرفاً، أن قام عقد ندوة دولية بين المركز السابق وبين مركز شنغهاي للدراسات الدولية شارك فيها باحثون من عدة دول خليجية ومن الأمانة العامة لمجلس التعاون وأصدر كتاباً عن تلك الندوة عام 2005م تضمن بحوثاً متعددة عن التعاون الدولي في مجال الطاقة باعتبار أن دول مجلس التعاون، هي أكبر المناطق المصدرة للطاقة، وأن الصين هي الدولة الثانية المستوردة للطاقة على المستوى العالمي، وأبرز الباحثون دور الطاقة في تطوير العلاقات العربية الصينية، وتضمن الكتاب بحوثاً عن السعودية والولايات المتحدة والعراق وغيرها وكذلك ارتباط أمن الطاقة بأمن الخليج وفضلاً عن إمكانيات التعاون بين دول الخليج ودول بحر قزوين في مجال الطاقة والتنمية المستدامة، وأيضاً صعود الهند الاقتصادي وأثره في زيادة الطلب على الطاقة الأحفورية، ودور روسيا كقوة مهمة في مجالي إنتاج وتصدير الطاقة.وختاماً فإن الباحث قام بجهد مشكور وقدم مساهمة علمية قيمة ونتطلع لمزيد من إنتاجه العلمي خاصة أن مسالة الطاقة ستظل هي هاجس دول الإنتاج ودول الاستهلاك في مختلف مناطق العالم وفي مقدمتها دول الخليج العربي. ولذا فإن الاهتمام بها من مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة يعد أمراً محموداً ومطلوباً في هذه المرحلة التي تواجه قضية الطاقة تحديات بل وانتقادات من دول منتجة ومستهلكة كبيرة مثل الولايات المتحدة وكذلك تحديات تتعلق بآمن نقل الطاقة وضرورة التعاون الدولي في هذا المجال.