لا نعرف من أين نبدأ عندما نحاول تقديم رؤية أو تصور معين تجاه ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان والذي صدر الجمعة الماضية.
أعتقد أن المدخل المهم لفهم التقرير هو السياق الذي ينبغي التأكيد عليه؛ فالبحرين كانت ومازالت حريصة على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في شتى المجالات بهدف الاستفادة من أفضل الممارسات والخبرات الدولية، ومنها طبعاً ما يتعلق بتطوير منظومة حقوق الإنسان.
وحتى نطور منظومتنا الحقوقية في البحرين يجب الاستفادة مما جاء في التقرير الأمريكي الذي أعلنت وزارة الخارجية البحرينية استياءها مما ورد فيه. ورغم ذلك ينبغي أن نقدم مجموعة من الملاحظات حول التقرير نفسه لنتعلم جيداً من التجربة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان التي تعتمد على المبادئ والأسس الموضوعية.
تقرير حقوق الإنسان الأمريكي اعتمد بشكل رئيس على مصادر معلومات من جمعية البحرين لحقوق الإنسان، والوفاق ومركز البحرين لحقوق الإنسان غير القانوني وهي قوى سياسية وليست حقوقية، فالأولى تابعة لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، وهذه الجمعية تابعة للوفاق، فهذه هي المصادر القوية التي اعتمد عليها التقرير لضمان حياديته. كذلك يتبنى التقرير وجهات نظر المنظمات الحقوقية الدولية بشأن الأوضاع في المملكة، رغم حرص واشنطن على دعم البحرين في إصلاحاتها السياسية، وتحولها الديمقراطي. إضافة إلى ذلك فإن حقوق الإنسان تقوم على احترام القانون، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لنفسها بالاعتماد على مرئيات منظمة غير مرخصة وتعمل خارج إطار القانون مثل مركز البحرين لحقوق الإنسان؟
فيما يتعلق بالمضمون فإن التقرير تجاهل الاعتداءات العنيفة والإرهابية ضد رجال الأمن وبعض الأقليات كالمقيمين الأجانب. ولم يشر التقرير إلى أن المتظاهرين يمثلون جماعات غير سلمية، بل أكد على سلميتها، في حين انتقد التقرير الخاص بإسرائيل الاعتداءات التي يتعرض لها رجال الأمن!
كما تعامل التقرير بانتقائية واضحة مع الإصلاحات التي شهدتها المملكة خلال السنتين الماضيتين على الأقل، فمثلاً لم يتم الإشارة إلى التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات فيما يتعلق بالتعذيب، وتم تجاهل كافة الخطوات التي اتخذتها وزارة الداخلية لمنع حدوث انتهاكات حقوقية في أعمال الوزارة.
من اللافت أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية تلاعب بمصطلحات معروفة ومحسومة سلفاً، فالجميع يعرف أن شعب البحرين لا تمثله الوفاق والجمعيات التابعة لها، ولكن التقرير الأمريكي أشار إلى أن «شعب البحرين يدعم الاحتجاجات والمعارضة». وجاء أيضاً في التقرير (الصفحة 2) أن «شعب البحرين يتطلع نحو تغيير حكومته بسلمية». وبالتالي أقر التقرير أن ما تقوله الجمعيات الراديكالية هو ما يتطلع إليه شعب البحرين، وهكذا تبدأ عملية تكوين الصورة النمطية لتتحول بعد فترة صورة (الأغلبية الشيعية ترغب في تغيير النظام) إلى (شعب البحرين يرغب في تغيير النظام)، ويمكن حينها الاستناد إلى تقرير الخارجية الأمريكية الذي أكد هذا الطرح باعتباره تقريراً دولياً.
مسألة أخرى مرتبطة بهذه الحقيقة، إذ يلاحظ أن تقرير الخارجية الأمريكية أورد مصطلحات جديدة، مثل (جماعات حقوقية محلية)، و(جماعات معارضة محلية)، و(ناشطون حقوقيون)، مثل هذه المصطلحات تسويق لوجود جماعات أخرى تعمل خارج إطار القانون، وينبغي دعمها أمريكياً، وهي مصطلحات تضرب مصداقية التقرير، فليس منطقياً أن يتم استخدام أسماء جماعات مجهولة في تقرير حقوقي يفترض أن يلتزم المصداقية والحياد.
بالنسبة للإطار الزمني، فإن التقرير رغم أنه من المفترض أن يغطي العام 2012، إلا أنه في كثير من مواضعه تشير إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في 2011؟!
هذه مجرد ملاحظات سريعة وموجزة حول تقرير الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان في البحرين، ونعود الآن للسبب الذي دفع وزارة الخارجية البحرينية إلى إبداء استيائها بعد صدور التقرير؟
وزير الخارجية اجتمع مع سفير واشنطن بالمنامة، وبحث معه التقرير، وأبدى له استياء الحكومة. والسبب هنا هو التجاهل المتعمد من الإدارة الأمريكية لما حققته المملكة من إنجازات حقوقية وسياسية خلال الفترة الماضية، وهي إنجازات كانت محل إشادة وتقدير دوليين وحتى من الولايات المتحدة نفسها.
وما نعرفه أن مثل هذا التقرير يستند إلى تقارير أخرى قبلية من قبل السفارات الأمريكية في الخارج التي تبدي تقييمها بشأن الأوضاع في كل بلد، ويقوم بعدها فريق متخصص بإعداد التقرير النهائي الذي ظهر الأسبوع الماضي. وعليه فإنه من المتوقع أن تكون السفارة الأمريكية بالمنامة هي من زودت وزارة الخارجية بالمعلومات الصادرة عن بعض الجهات السياسية في البحرين لتكون النتيجة بطريقة مقصودة طبعاً. وفي النهاية فإن وزارة الخارجية الأمريكية لن تطرح تقريراً يخص البحرين دون وجود أجندة، وكان واضحاً الحرص على تشويه سمعة البحرين الحقوقية رغم إدراك السفير كراكيسكي وطاقمه الدبلوماسي بحقيقة الأوضاع.
التقارير الرسمية الخاصة بحقوق الإنسان صارت أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول، ومن الواضح أن واشنطن تستخدم هذه الأداة لضرب حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة ومنها البحرين.
أعتقد أن المدخل المهم لفهم التقرير هو السياق الذي ينبغي التأكيد عليه؛ فالبحرين كانت ومازالت حريصة على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في شتى المجالات بهدف الاستفادة من أفضل الممارسات والخبرات الدولية، ومنها طبعاً ما يتعلق بتطوير منظومة حقوق الإنسان.
وحتى نطور منظومتنا الحقوقية في البحرين يجب الاستفادة مما جاء في التقرير الأمريكي الذي أعلنت وزارة الخارجية البحرينية استياءها مما ورد فيه. ورغم ذلك ينبغي أن نقدم مجموعة من الملاحظات حول التقرير نفسه لنتعلم جيداً من التجربة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان التي تعتمد على المبادئ والأسس الموضوعية.
تقرير حقوق الإنسان الأمريكي اعتمد بشكل رئيس على مصادر معلومات من جمعية البحرين لحقوق الإنسان، والوفاق ومركز البحرين لحقوق الإنسان غير القانوني وهي قوى سياسية وليست حقوقية، فالأولى تابعة لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، وهذه الجمعية تابعة للوفاق، فهذه هي المصادر القوية التي اعتمد عليها التقرير لضمان حياديته. كذلك يتبنى التقرير وجهات نظر المنظمات الحقوقية الدولية بشأن الأوضاع في المملكة، رغم حرص واشنطن على دعم البحرين في إصلاحاتها السياسية، وتحولها الديمقراطي. إضافة إلى ذلك فإن حقوق الإنسان تقوم على احترام القانون، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لنفسها بالاعتماد على مرئيات منظمة غير مرخصة وتعمل خارج إطار القانون مثل مركز البحرين لحقوق الإنسان؟
فيما يتعلق بالمضمون فإن التقرير تجاهل الاعتداءات العنيفة والإرهابية ضد رجال الأمن وبعض الأقليات كالمقيمين الأجانب. ولم يشر التقرير إلى أن المتظاهرين يمثلون جماعات غير سلمية، بل أكد على سلميتها، في حين انتقد التقرير الخاص بإسرائيل الاعتداءات التي يتعرض لها رجال الأمن!
كما تعامل التقرير بانتقائية واضحة مع الإصلاحات التي شهدتها المملكة خلال السنتين الماضيتين على الأقل، فمثلاً لم يتم الإشارة إلى التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات فيما يتعلق بالتعذيب، وتم تجاهل كافة الخطوات التي اتخذتها وزارة الداخلية لمنع حدوث انتهاكات حقوقية في أعمال الوزارة.
من اللافت أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية تلاعب بمصطلحات معروفة ومحسومة سلفاً، فالجميع يعرف أن شعب البحرين لا تمثله الوفاق والجمعيات التابعة لها، ولكن التقرير الأمريكي أشار إلى أن «شعب البحرين يدعم الاحتجاجات والمعارضة». وجاء أيضاً في التقرير (الصفحة 2) أن «شعب البحرين يتطلع نحو تغيير حكومته بسلمية». وبالتالي أقر التقرير أن ما تقوله الجمعيات الراديكالية هو ما يتطلع إليه شعب البحرين، وهكذا تبدأ عملية تكوين الصورة النمطية لتتحول بعد فترة صورة (الأغلبية الشيعية ترغب في تغيير النظام) إلى (شعب البحرين يرغب في تغيير النظام)، ويمكن حينها الاستناد إلى تقرير الخارجية الأمريكية الذي أكد هذا الطرح باعتباره تقريراً دولياً.
مسألة أخرى مرتبطة بهذه الحقيقة، إذ يلاحظ أن تقرير الخارجية الأمريكية أورد مصطلحات جديدة، مثل (جماعات حقوقية محلية)، و(جماعات معارضة محلية)، و(ناشطون حقوقيون)، مثل هذه المصطلحات تسويق لوجود جماعات أخرى تعمل خارج إطار القانون، وينبغي دعمها أمريكياً، وهي مصطلحات تضرب مصداقية التقرير، فليس منطقياً أن يتم استخدام أسماء جماعات مجهولة في تقرير حقوقي يفترض أن يلتزم المصداقية والحياد.
بالنسبة للإطار الزمني، فإن التقرير رغم أنه من المفترض أن يغطي العام 2012، إلا أنه في كثير من مواضعه تشير إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في 2011؟!
هذه مجرد ملاحظات سريعة وموجزة حول تقرير الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان في البحرين، ونعود الآن للسبب الذي دفع وزارة الخارجية البحرينية إلى إبداء استيائها بعد صدور التقرير؟
وزير الخارجية اجتمع مع سفير واشنطن بالمنامة، وبحث معه التقرير، وأبدى له استياء الحكومة. والسبب هنا هو التجاهل المتعمد من الإدارة الأمريكية لما حققته المملكة من إنجازات حقوقية وسياسية خلال الفترة الماضية، وهي إنجازات كانت محل إشادة وتقدير دوليين وحتى من الولايات المتحدة نفسها.
وما نعرفه أن مثل هذا التقرير يستند إلى تقارير أخرى قبلية من قبل السفارات الأمريكية في الخارج التي تبدي تقييمها بشأن الأوضاع في كل بلد، ويقوم بعدها فريق متخصص بإعداد التقرير النهائي الذي ظهر الأسبوع الماضي. وعليه فإنه من المتوقع أن تكون السفارة الأمريكية بالمنامة هي من زودت وزارة الخارجية بالمعلومات الصادرة عن بعض الجهات السياسية في البحرين لتكون النتيجة بطريقة مقصودة طبعاً. وفي النهاية فإن وزارة الخارجية الأمريكية لن تطرح تقريراً يخص البحرين دون وجود أجندة، وكان واضحاً الحرص على تشويه سمعة البحرين الحقوقية رغم إدراك السفير كراكيسكي وطاقمه الدبلوماسي بحقيقة الأوضاع.
التقارير الرسمية الخاصة بحقوق الإنسان صارت أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول، ومن الواضح أن واشنطن تستخدم هذه الأداة لضرب حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة ومنها البحرين.