إرم نيوز
من مجموعة صغيرة على تطبيق "واتساب"، بدأت حركة من مجموعة صغيرة لإسرائيليات يناهضن الحرب على قطاع غزة، واجهن في البداية السخرية، كما تعرّضن لتهديدات جدية، إلا أنهن مع استئناف الحرب بدأن يلحظن القبول والدعم أحيانًا، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
وعندما انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار، وشنت غارات أسفرت عن مقتل مئات الأطفال في غزة، قررت المجموعة التحرك من جديد، فقمن بطباعة صور الضحايا، وجمعن شموعًا تُستخدم في الحداد اليهودي، وخوفًا من رد فعل الحشود، انطلقن في احتجاج أسبوعي مناهض للحرب في وسط تل أبيب.
كانت النساء، اللواتي تواصلن عبر الإنترنت وفي الاحتجاجات، يعلمن أن مظاهرتهن ستُمثل ثورة هادئة، فعلى مدار أشهر، دعا الإسرائيليون إلى إنهاء الحرب وإعادة رهائنهم إلى ديارهم، لكن التكلفة البشرية للصراع في غزة، حيث قُتل ما لا يقل عن 51 ألف شخص، كانت غائبة إلى حد كبير عن النقاش.
الآن، وبعد شهر من انتهاك إسرائيل للهدنة، ساعد الغضب من العودة إلى الحرب، على فتح حوار حول الضحايا الفلسطينيين، وفقًا لِما ذكرته النساء، ومن بينهن منظمة مجتمعية ومحامية وأخصائية نفسية سريرية.
وسرعان ما تضخم عدد المجموعة من نحو 10 أشخاص إلى نحو 50، بعد ذلك، طلب العشرات الانضمام إلى مجموعة واتساب التي أنشأنها لتنسيق أعمال الاحتجاج.
وعندما تظاهرن في الأسبوع التالي، بلغ عدد مجموعتهن نحو 100 شخص. وفي الأسبوع الذي يليه، وصل إلى 200.
وقالت أميت شيلو، 30 عامًا، وهي محامية أسهمت في تنظيم الاحتجاج الأول: "في الماضي، كان الحديث عن قمع الفلسطينيين يعني عادة قول شيء غريب أو ضد إسرائيل.
لكن بالنظر إلى الصور، استطاع الناس أن يروا ولو لثانية واحدة ضحايا هذه الحرب على الجانب الآخر، إضافة إلى الرهائن الإسرائيليين".
جاءت الوفيات التي دفعت النساء إلى التحرك في الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس. ففي الجولة الأولى من الغارات في وقت مبكر من يوم الـ18 من مارس، قتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 130 طفلًا، وفقًا لليونيسف.
وبحلول نهاية الشهر، قُتل ما لا يقل عن 322 طفلًا، وجُرح أكثر من 600. ووفقًا لوكالات الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 15 ألف طفل منذ بدء الصراع.
شاهدت ألما بيك، وهي ناشطة تبلغ من العمر 36 عامًا، التقارير وبدأت بنشر صور الضحايا، التي كانت متداولة عبر الإنترنت، على حسابها على إنستغرام.
إحداها كانت لنايا كريم أبو دف، وهي طفلة في الخامسة من عمرها، برموش طويلة وعيون بنية واسعة وشعر مضفر.
قُتلت في غارة جوية في الـ19 من مارس/آذار على مدينة غزة، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية.
ورأت شيلو صورة نايا وأرسلت رسالة إلى بيك على الفور.
اقترحت عليها أن يأخذوا صور القتلى إلى الاحتجاج التالي. تواصلت امرأة أخرى التقت بهما من خلال التنظيم مع آدي أرجوف، 59 عامًا، وهي أخصائية نفسية سريرية متقاعدة تدير موقعًا إلكترونيًّا يتتبع الضحايا في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وقامتا معًا بطباعة أسماء الضحايا وصورهم.
مجرد أرقام بالنسبة للعديد من الإسرائيليين
وقالت شيلو: "أردنا أن نُبرز وجوه الأشخاص الذين يُعتبرون مجرد أرقام بالنسبة للعديد من الإسرائيليين. وأن نشجعهم على توسيع نطاق تعاطفهم ليتجاوز حدود المجتمع الإسرائيلي".
الوقوف مع الإنسانية
في إحدى ليالي السبت الأخيرة في وسط مدينة تل أبيب، تجمع آلاف المتظاهرين، وهم يهتفون عبر مكبرات الصوت، منددين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومطالبين بإعادة الرهائن التسعة والخمسين الذين ما زالوا محتجزين في غزة، وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن 24 منهم على قيد الحياة.
واصطفت على أطراف المكان مجموعة من نحو 200 شخص، واقفين أو جالسين بهدوء، يحملون شموع "شيفا" وصور أطفال فلسطينيين قتلى.
كان هناك عمر الجمصي، البالغ من العمر 15 عامًا، والذي قُتل في الـ18 من مارس/آذار في مدينة غزة، والذي عثر عليه عمال الإنقاذ، وفي جيبه وصية تفيد بأنه مدين لفتى آخر بشيكل واحد (0.27 دولار)، وفقًا لمراسلي وسائل الإعلام المحلية.
ثم كانت هناك صور "مسك محمد ظاهر"، البالغة من العمر 12 عامًا، وهي ترفع علامة السلام مع أختها الصغيرة. قُتلت "مسك" في غارة على دير البلح وسط غزة في الـ19 من مارس/آذار.
مع مرور المتظاهرين الآخرين، أبطؤوا من سرعتهم، وأخرج بعضهم كاميراتهم. قالت امرأة تحمل درعًا كُتب عليها "ديمقراطية" وهي تهز رأسها: "يا إلهي!". سأل متظاهراً آخر: "من هم؟ عرب؟"
بالنسبة لأرغوف، كانت هذه الأسئلة بمثابة بداية، ومؤشر محتمل على استعداد الإسرائيليين للانخراط. وقالت إنها كانت تعتبر نفسها بالفعل جزءًا من اليسار الإسرائيلي، لكنها لم تبدأ إلا في العقد الماضي بفهم مدى اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين.
وقالت أرجوف: "هذه الحرب حرب إنكار. لكن يومًا ما، سيُضطر الناس إلى إدراك ما اقترفناه نحن، أبناء الناجين من المحرقة، وأن نواجه أنفسنا".