تقوم الدولة على مقومات ثلاثة؛ الشعب والأرض والحكومة، ومن ناحية أخرى يعتمد النظام السياسي على ثلاثة أسس الأساس الأول وجود السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والأساس الثاني هو الأهداف الثلاثة وهي العدالة والأمن والنظام الذي يعني الانضباط، والأساس الثالث هو وجود ركائز النظام السياسي وهي السيادة، واحتكار قوة القمع والقهر المتمثلة في الشرطة والقوات المسلحة، وقوة العدالة المتمثلة في الحق وسيادة القانون، بمعنى السلطة القضائية والشرطة أي سلطة إنقاذ القانون، والحقوق والواجبات، وركيزتها المواطنة، والتي عمادها الجنسية، ومحورها الولاء للدولة الوطنية باعتباره أهم أنواع الولاءات وأسماها، فهو يعلو على الولاء للأسرة والقبيلة والطائفة وإخوة الدين أو العرق، أو نحو ذلك مما يسمى بالولاءات الفرعية.
هكذا تقوم الدول وتتطور، وقد أطلق عالم الاجتماع السياسي عبدالرحمن بن خلدون على ذلك ما سماه مفهوم العصبية في مقدمته المشهورة. ومفهوم العصبية هذا هو من المفاهيم التي يمكن أن نطلق عليها مفهوم يعتمد مبدأ جوامع الكلم. فالعصبية في أحد معانيها تعني مبدأ السيادة الحديث، فإذا انهارت السيادة انهارت الدولة، ومن ناحية أخرى فإن العصبية تعني مبدأ الولاء للدولة؛ فإذا انهار الولاء الوطني وطغت الولاءات الفرعية انهارت الدولة، كما تعني الأحزاب السياسية أو الجمعيات السياسية أي المؤسسات التي يعمل من خلالها النظام السياسي لتحقيق أهدافه، ويسعى أفراده للوصول للسلطة لتطبيق برامجهم في تحقيق التقدم والتنمية من خلال عملية التراكم الرأسمالي للثروة وتوزيعها، أي مشاركة أفراد الشعب في مزاياها، أي تسعى الجمعيات السياسية أو غير السياسية للتأثير على عملية اتخاذ القرار لمصلحة الهدف الأسمى، وهو التقدم والتنمية والمحافظة على مبادئ الولاء، والانتماء، وحماية المؤسسات السياسية، أي القوة العسكرية، والقوة الأمنية أي الشرطة، وقوة العدل أي القضاء. ولذلك إذا انهارت أي من هذه المؤسسات أو انحرفت عن أهدافها، وعبرت عن أي نوع آخر من الولاء، ماعدا الولاء للوطن، انهارت الدولة برمتها، وهكذا يظهر الفارق الجوهري بين بناء الدول وبين هدمها.
ولو نظرنا للعالم العربي، ليس فقط المعاصر، وإنما أيضاً عبر التاريخ منذ فجر الإسلام، نجد هذه الأسس والركائز والأهداف والمؤسسات ساعدت في بناء دولة وطنية، ذات مفهوم واضح ومحدد، لها قوة عسكرية تدافع عنها، ولها أجهزة أمن متمثلة فيما أطلق عليها الشرطة والعسس أي أجهزة الاستخبارات بالمصطلح الحديث، ولها سلطة موحدة ذات قرار ينصاع له المواطن مهما كانت آراؤه أو وجهات نظره في الموافقة أو عدم القبول، وليس من حقه الرفض، بمعنى الخروج على سلطة الدولة، التي يعبر عنها الحاكم. وهذا ينطبق على الدولة الإسلامية في صورها العديدة وعلى الدول الأوروبية، وعلى الدولة الفرعونية أو الدولة الفارسية أو الدولة البيزنطية وغيرها عبر مسيرة التاريخ.
إن هذا هو القانون الأول في العلوم السياسية، خاصة نظم الحكم، وهو خضوع الجميع لسلطة موحدة تدبر الأمور، وتتخذ القرار وتفرض تنفيذه، وذلك في إطار مبدأ الجنسية وسيادة القانون. ومبدأ المواطنة المستمدة من الجنسية والمرتبطة به. لهذا تحرص الدول على بقائها عبر الاستخدام الصحيح لجنسيتها، لأنه أساس المواطنة، والتي هي أساس استمرارية الدولة لأنها ترتبط بالشعب الذي بدونه لا تقوم الدولة وتفقد أحد مقوماتها الثلاثة، التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال. ومن ثم فمن حق الدولة أن تمنح أو تمنع أو تسحب جنسيتها ممن تريد وفقاً لقواعد قانونية محددة وواضحة، ومن هنا قامت فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول القوية بمنح جنسيتها على أساسين: هما حق الأرض أي الميلاد في أرض معينة، أو حق الإقامة أي التجنس وفقاً لضوابط معينة.
وليست هناك دولة ما، ذات كيان حقيقي تجعل جنسيتها مباحة بدون ضوابط، وهذه الضوابط تختلف باختلاف الحالات التي يضعها النظام السياسي القائم في كل دولة، وفي كل مرحلة زمنية، وفقاً لظروفها واحتياجاتها. و الأصل في المواطنة أن المواطن له جنسية واحدة، ولكن بحكم التطور السياسي الدولي سمحت بعض الدول كاستثناء للمواطن بحمل أكثر من جنسية على أساس أن الجنسية الأصلية، هي صاحبة الحق الأصيل، وارتبط ذلك بجنسيات أفراد الأسرة «الأبناء والبنات والزوجة».
ومن حق المواطن أن يعترض إذا سحبت جنسيته دون أساس قانوني أو سياسي واضح، بمعنى الشروط القانونية والسياسية (أي مبدأ الولاء المنفرد للمواطن والدولة). ولا توجد دولة حديثة منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 قامت على غير تلك الأسس، أي قامت على الولاء للدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو نحو ذلك.
ومن هنا فإن أي خروج على هذا المفهوم النابع من القانون الطبيعي، يعد خروجاً على أساس المبادئ القانونية المرتبطة بالنظام السياسي، كما أن التمرد على مؤسسات الدولة بأي صورة من الصور بالخروج على قوانينها وأنظمتها بما في ذلك العصيان المدني، يستلزم استخدام الدولة لأجهزة القمع والقهر، أي المؤسسات الشرطية أو العسكرية، والتي لها حقوق خاصة تتفرد بها. ولا يسمح لأية مؤسسة أخرى القيام بها في الدولة، فليس من حق أي مؤسسة فرعية أن تمتلك قوة أو ميليشيا أو شرطة أو قوات مسلحة، لأن ذلك حكر وحق منفرد للدولة المعبرة عن إرادة الشعب ونظامه السياسي.
ولذلك عرف الفقه الإسلامي مبدأ «رفض الخروج على الحاكم» بل ذهب إلى أبعد من ذلك في المقولة المشهورة «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم». ومسألة الفتنة ظهرت منذ فجر الإسلام في فتنة الردة حيث رفض البعض إعطاء الزكاة على أساس التصور القبلي، بأنها كانت خاصة بوجود النبي محمد، ولذلك قاتلهم أبو بكر الصديق وانتصر عليهم ، كما عادت الفتنة لتطل مجدداً على المسلمين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان حتى قتل وهو يقرأ القرآن في منزله حيث تسور المتمردون سور منزله.
ومما يذكر أن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب أمر أبناءه الحسن والحسين أن ينضما إلى المدافعين عن الخليفة عثمان ضد الثائرين عليه، وواجه الخليفة الراشد الرابع تمرداً خطيراً من أحد عماله على الشام وهو معاوية بن أبي سفيان، ومن هنا بدأ انهيار الدولة الإسلامية بالمفهوم الصحيح، وحدث الانقسام والصراع السياسي وهكذا. وقامت العديد من حالات التمرد ضد الخليفة الرابع، وأصبح ذلك نواة لتدمير الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، والتي قاتل هو وأصحابه لرفع رايتها ومن أجل بناء حضارة إسلامية جديدة تختلف عن تلك التي قامت في العصر الجاهلي، أي ما قبل الإسلام حيث كان الولاء للقبيلة هو الأساس.
.. للحديث بقية
{{ article.visit_count }}
هكذا تقوم الدول وتتطور، وقد أطلق عالم الاجتماع السياسي عبدالرحمن بن خلدون على ذلك ما سماه مفهوم العصبية في مقدمته المشهورة. ومفهوم العصبية هذا هو من المفاهيم التي يمكن أن نطلق عليها مفهوم يعتمد مبدأ جوامع الكلم. فالعصبية في أحد معانيها تعني مبدأ السيادة الحديث، فإذا انهارت السيادة انهارت الدولة، ومن ناحية أخرى فإن العصبية تعني مبدأ الولاء للدولة؛ فإذا انهار الولاء الوطني وطغت الولاءات الفرعية انهارت الدولة، كما تعني الأحزاب السياسية أو الجمعيات السياسية أي المؤسسات التي يعمل من خلالها النظام السياسي لتحقيق أهدافه، ويسعى أفراده للوصول للسلطة لتطبيق برامجهم في تحقيق التقدم والتنمية من خلال عملية التراكم الرأسمالي للثروة وتوزيعها، أي مشاركة أفراد الشعب في مزاياها، أي تسعى الجمعيات السياسية أو غير السياسية للتأثير على عملية اتخاذ القرار لمصلحة الهدف الأسمى، وهو التقدم والتنمية والمحافظة على مبادئ الولاء، والانتماء، وحماية المؤسسات السياسية، أي القوة العسكرية، والقوة الأمنية أي الشرطة، وقوة العدل أي القضاء. ولذلك إذا انهارت أي من هذه المؤسسات أو انحرفت عن أهدافها، وعبرت عن أي نوع آخر من الولاء، ماعدا الولاء للوطن، انهارت الدولة برمتها، وهكذا يظهر الفارق الجوهري بين بناء الدول وبين هدمها.
ولو نظرنا للعالم العربي، ليس فقط المعاصر، وإنما أيضاً عبر التاريخ منذ فجر الإسلام، نجد هذه الأسس والركائز والأهداف والمؤسسات ساعدت في بناء دولة وطنية، ذات مفهوم واضح ومحدد، لها قوة عسكرية تدافع عنها، ولها أجهزة أمن متمثلة فيما أطلق عليها الشرطة والعسس أي أجهزة الاستخبارات بالمصطلح الحديث، ولها سلطة موحدة ذات قرار ينصاع له المواطن مهما كانت آراؤه أو وجهات نظره في الموافقة أو عدم القبول، وليس من حقه الرفض، بمعنى الخروج على سلطة الدولة، التي يعبر عنها الحاكم. وهذا ينطبق على الدولة الإسلامية في صورها العديدة وعلى الدول الأوروبية، وعلى الدولة الفرعونية أو الدولة الفارسية أو الدولة البيزنطية وغيرها عبر مسيرة التاريخ.
إن هذا هو القانون الأول في العلوم السياسية، خاصة نظم الحكم، وهو خضوع الجميع لسلطة موحدة تدبر الأمور، وتتخذ القرار وتفرض تنفيذه، وذلك في إطار مبدأ الجنسية وسيادة القانون. ومبدأ المواطنة المستمدة من الجنسية والمرتبطة به. لهذا تحرص الدول على بقائها عبر الاستخدام الصحيح لجنسيتها، لأنه أساس المواطنة، والتي هي أساس استمرارية الدولة لأنها ترتبط بالشعب الذي بدونه لا تقوم الدولة وتفقد أحد مقوماتها الثلاثة، التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال. ومن ثم فمن حق الدولة أن تمنح أو تمنع أو تسحب جنسيتها ممن تريد وفقاً لقواعد قانونية محددة وواضحة، ومن هنا قامت فرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول القوية بمنح جنسيتها على أساسين: هما حق الأرض أي الميلاد في أرض معينة، أو حق الإقامة أي التجنس وفقاً لضوابط معينة.
وليست هناك دولة ما، ذات كيان حقيقي تجعل جنسيتها مباحة بدون ضوابط، وهذه الضوابط تختلف باختلاف الحالات التي يضعها النظام السياسي القائم في كل دولة، وفي كل مرحلة زمنية، وفقاً لظروفها واحتياجاتها. و الأصل في المواطنة أن المواطن له جنسية واحدة، ولكن بحكم التطور السياسي الدولي سمحت بعض الدول كاستثناء للمواطن بحمل أكثر من جنسية على أساس أن الجنسية الأصلية، هي صاحبة الحق الأصيل، وارتبط ذلك بجنسيات أفراد الأسرة «الأبناء والبنات والزوجة».
ومن حق المواطن أن يعترض إذا سحبت جنسيته دون أساس قانوني أو سياسي واضح، بمعنى الشروط القانونية والسياسية (أي مبدأ الولاء المنفرد للمواطن والدولة). ولا توجد دولة حديثة منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 قامت على غير تلك الأسس، أي قامت على الولاء للدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو نحو ذلك.
ومن هنا فإن أي خروج على هذا المفهوم النابع من القانون الطبيعي، يعد خروجاً على أساس المبادئ القانونية المرتبطة بالنظام السياسي، كما أن التمرد على مؤسسات الدولة بأي صورة من الصور بالخروج على قوانينها وأنظمتها بما في ذلك العصيان المدني، يستلزم استخدام الدولة لأجهزة القمع والقهر، أي المؤسسات الشرطية أو العسكرية، والتي لها حقوق خاصة تتفرد بها. ولا يسمح لأية مؤسسة أخرى القيام بها في الدولة، فليس من حق أي مؤسسة فرعية أن تمتلك قوة أو ميليشيا أو شرطة أو قوات مسلحة، لأن ذلك حكر وحق منفرد للدولة المعبرة عن إرادة الشعب ونظامه السياسي.
ولذلك عرف الفقه الإسلامي مبدأ «رفض الخروج على الحاكم» بل ذهب إلى أبعد من ذلك في المقولة المشهورة «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم». ومسألة الفتنة ظهرت منذ فجر الإسلام في فتنة الردة حيث رفض البعض إعطاء الزكاة على أساس التصور القبلي، بأنها كانت خاصة بوجود النبي محمد، ولذلك قاتلهم أبو بكر الصديق وانتصر عليهم ، كما عادت الفتنة لتطل مجدداً على المسلمين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان حتى قتل وهو يقرأ القرآن في منزله حيث تسور المتمردون سور منزله.
ومما يذكر أن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب أمر أبناءه الحسن والحسين أن ينضما إلى المدافعين عن الخليفة عثمان ضد الثائرين عليه، وواجه الخليفة الراشد الرابع تمرداً خطيراً من أحد عماله على الشام وهو معاوية بن أبي سفيان، ومن هنا بدأ انهيار الدولة الإسلامية بالمفهوم الصحيح، وحدث الانقسام والصراع السياسي وهكذا. وقامت العديد من حالات التمرد ضد الخليفة الرابع، وأصبح ذلك نواة لتدمير الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، والتي قاتل هو وأصحابه لرفع رايتها ومن أجل بناء حضارة إسلامية جديدة تختلف عن تلك التي قامت في العصر الجاهلي، أي ما قبل الإسلام حيث كان الولاء للقبيلة هو الأساس.
.. للحديث بقية